دمشق - سانا
باتت عروض طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية تشكل موسماً مسرحياً موازياً لعروض المسرح القومي حيث تأتي من قلب المختبر الفني العريق الذي يشرف عليه عميد المعهد الدكتور سامر عمران مراهناً على إتاحة فرصة أكبر أمام طلابه ومن مختلف أقسام المعهد للانفتاح أكثر فأكثر على روح إبداعية جماعية يتم الخلاص عبرها إلى ورشة مسرحية كبيرة نحو تكريس منهجية خلاقة لطلاب كل من أقسام التمثيل والرقص والتقنيات والسينوغرافيا. المشروع الأبرز لهذا العام كان بتوقيع الفنان بسام كوسا وذلك في تصديه لتخريج طلاب السنة الرابعة من قسم التمثيل فتحت عنوان الكوميديا السوداء قدم المعهد العالي عرضه على مسرح الحمراء حيث اختار صاحب عشاء الوداع نص الكوميديا السوداء لبيتر شافر المسرحية التي كتبها رائد الغرابة الإنكليزية عام 1965 ليختارها كوسا لطلابه العشرة لنيل درجة إجازة في التمثيل المسرحي. وذهب عرض الكوميديا السوداء نحو نظرة غاية في الطرافة على حماقات مجموعة من الشخصيات التي تتحسس طريقها في غرفة داكنة الظلمة فرغم أن خشبة المسرح في الواقع تكون غارقة بالأضواء الساطعة إلا أن حكاية "بريندسيلي.. طارق عبدو" الفنان الشاب الذي يقوم بتوضيب لقاء مع خطيبته "كارول.. نانسي الخوري" لزيارة أحد الأثرياء إلى بيته من أجل شراء أعماله التشكيلية تتكشف قصتها بعد قليل حين يعرف المدعوون أنه قام بخداع الجميع بعد سرقته لأثاث شقة جاره وذلك بعد وصول عشيقته من السفر "كليا.. آلاء مصري زادة" إلى المكان ووالد خطيبته الجنرال المتقاعد "ملكيت.. غابرييل المالكي" إضافة إلى جارته المرأة المتصابية "الآنسة فرينفال.. نورا العايق". وترتطم هذه الشخصيات بكمٍ كبيرٍ من المواقف والمفارقات المضحكة بناء على انقطاع الكهرباء الفرضية التي بنى عليها كاتب النص مواقفه الساخرة من كذب المثقفين وانهيار قيم الطبقة الوسطى وتحولهم من ذات إلى موضوع فضلاً عن نفاق أصحاب المال وعلاقات الحب العابرة في فضاء أقرب إلى غميضة من التخفي في العتمة فلقد قدمت هذه التجربة التي خاضها الفنان بسام كوسا والتي ساعده فيها مخرجاً مساعداً الفنان عمر أبو سعدا بتفانٍ كبير مع طلاب التمثيل مساحة رحبة لهؤلاء كي يصلوا إلى مهارات أداء أضيفت إلى خبراتهم التي تلقوها في السنوات السابقة فعبر إنتاج الأنا الخالقة لأنا الشخصية المبتكرة عند الممثل تمخضت مساحات واسعة من اللعب الحر والمتواصل مع الممثل الشريك. سينوغرافيا الفنان وسام درويش وموسيقا رعد خلف أبعدت عرض "الكوميديا السوداء" عن أسلوبية المونولوجات المنفصلة أو المونودرامات المتجاورة لممثلين يؤدون أدوارهم كل على حدة كأسلوب اتبعه العديد من مشرفي مشاريع التخرج في السنوات السابقة حيث عامل بسام كوسا طلابه على أنهم على عتبة الاحتراف خارجاً بهم من بين جدران استوديوهاتهم المغلقة إلى براح خشبة المسرح القومي خالصاً إلى محاولة التأكيد على إنضاج أدوات الممثل الجديد ودفعه إلى التجريب الحر مع زملائه استناداً إلى فرضية عكسية قامت على تعامل الطلاب مع العتمة على أنها ضوء وعلى الضوء الساطع على أنه عتمة. مشروع "سمايلينغ" كان العرض الثاني لطلبة السنة الثالثة من قسم التمثيل لعام 2013 بإشراف الدكتور سامر عمران والراقصة السورية نورا مراد حيث قدم كل من.."رهام قصار.. هلا بدير.. ولاء العزام.. مي السليم.. ريمي سرميني.. مغيث صقر.. مصطفى القر.. كنان حميدان.. حسن دوبا.. مهران نعمو.. طيف خليل" بالتعاون مع طلاب قسم تكنولوجيا المسرح في المعهد كل من "نورما برنية- سنة ثالثة.. أوس رستم ويامن خميس سنة ثانية إضافةً لطلاب قسم السينوغرافيا.. /رؤى خصيروف- تخرج بالتعاون مع أساتذتهم.. نزار بلال وميرال ديراراكليان وكنان جود قدموا مشروع ارتجال جماعي سعوا من خلاله إلى إكمال ما كانوا قد بدؤوه في اختبار الفصل الأول. وجسد طلاب السنة الثالثة عبر أربعة نصوص للكاتب الأمريكي "يوجين أونيل" قدرتهم على توليف عناصر العرض المسرحي وكتابته من ألفه إلى يائه مشتغلين مع طلاب أقسام التمثيل والسينوغرافيا والتقنيات على صياغة أربعة عروض لعبت كلها على موضوع البحر في كتابات صاحب "مسافرون إلى كارويف" لينجح طلاب الفنون المسرحية في استقطاب جمهور واسع إلى استوديوهات عملهم منتقلين بمتفرجيهم من مسرح الراحل ممدوح عدوان إلى مسرح فواز الساجر مروراً باستوديوهات التمثيل. وكان الجمهور في هذا الموسم على موعد مع لقاء مسرحي بامتياز امتد قرابة الأربع ساعات متواصلة أتاحت فسحة إبداعية خلاقة فتحت المجال واسعاً بين أقسام المعهد الدراسية للتعاون والشراكة بين قسم التمثيل وقسمي السينوغرافيا والتقنيات وذلك بهدف تطوير الورشة المسرحية السورية ورفدها بمزيد من الخبرات والطاقات الجديدة. كما ساهمت نصوص البحر للكاتب يوجين أونيل في توفير مساحات جديدة لطالب المعهد مفسحةً له المجال واسعاً لتصنيع وابتكار أدواته وتطويرها خارج ورشاته الاعتيادية للانتقال بها من حالتها الأكاديمية التطبيقية إلى حالتها الإبداعية البحتة وذلك وفق جهد جماعي أداره عميد المعهد العالي الدكتور سامر عمران الذي قال.. عملنا مع الطلاب لصالح اكتشاف مهاراتهم وقدراتهم نحو خلق حلولهم الإبداعية على الخشبة دون الاكتفاء بماكينات التصميم المعتادة بالنسبة لطلاب السينوغرافيا والتقنيات بل بالتعويل أكثر فأكثر على حضور الطالب وقربه الدائم من الخشبة وسعيه إلى التعلم على مساحتها بدلاً من تقديم مشاريع نظرية أو مجسمات لعروض مسرحية. تجربة تابعها عمران مع طلابه في مشروع "سمايلينغ" فمسرحيات أونيل الأربع التي تم اختيارها في الفصل الأول مهدت لاختبار الطلبة في هذا النوع المسرحي الصعب والذي اعتمد وفق الدكتور عمران على دراسة علم نفس الشخصية وفق تناول واقعي طبيعي لطالما اشتغل عليه الكاتب الأمريكي في نصوصه فالمطلوب هو بناء الشخصية ومعرفتها ورسمها على الخشبة". يضيف عمران.. المطلوب مساعدة الطالب في سنته الدراسية الثالثة على البحث بشكل عميق ومنهجي عن أدوات وحلول تساعده في عمله الفني وترفع من سوية أدائه أكاديمياً وإبداعياً وذلك بالغوص الفعلي في عوالم أونيل التي تحتاج إلى استنفار حقيقي لملكات طالب التمثيل مثلما تستفز طلاب السينوغرافيا والتقنيات للبحث عن معادل بصري مشهدي قادر على توفير الإيحاءات المطلوبة عبر توضيب الفضاء ورسمه وتجهيزه يداً بيد مع الفنانة نورا مراد كمشروع جماعي بامتياز. هكذا أيضاً تمكن الفنان معتز ملاطيه لي في مشروعه مع طلاب الرقص في السنة الرابعة لهذا العام من إتمام مشروعه في عرض المختبر الثاني عشر ليقدم قرابة الساعة والنصف من أنواع الرقص المتواصل محققاً مع طلابه على مسرح سعد الله ونوس لوحات متنوعة من تصميم الطلاب أنفسهم عبر محاولة لإيجاد أشكال فنية وحركية جديدة عبرت عن رؤيتهم الخاصة للأشياء ناقلين إلى الجمهور أحلام وهموم شباب اليوم. وتضمن العرض الأخير لطلاب الرقص المسرحي خمس لوحات فنية اتكأ من خلالها مخرج العرض ومصمموه على تعريض طالب الرقص لمواجهة جدية مع الجمهور وذلك عبر اختبار حقيقي لقدرات الجسد الراقص وحيويته الفريدة في نقل عواطف ومشاعر الكائن البشري متجاوزاً بلغة الحركة جميع حواجز التعبير التقليدية نحو مجازات أخرى للرقص المسرحي وذلك من خلال شراكة فنية لافتة على مستوى تصميم الإضاءة للفنان عبد الحميد خليفة التي ساهمت في رسم وتكوين مناخات لونية وبصرية عالية المستوى مهدت للرقص وتضافرت معه للوصول إلى بنية مشهدية أخاذة. واعتمد عرض "المختبر الثاني عشر" على عدة أنواع من رقصات "الهيب هيب ..الجاز.. ورقص الصالونات والمعاصر" بغية الخروج من يبوسة وخشبية المدرسة الكلاسيكية التقليدية في رقص الباليه أو "الفاغانوفا" التي يجب على الطالب أن يتجاوزها في سنواته الأخيرة من الدراسة نحو مرونة وتعبيرية جسدية خلاقة جعلت من جسده قادراً على إضفاء مستويات شعرية عند المتلقي لهذا النوع من الفن. قدم جول الحلو مشروعه بعنوان "زائد ناقص ناقص" فيما قدم عروة أبو صالح مشروعه تحت اسم "العدوانية" بينما قدمت فاتن العلي مشروعها بعنوان "واي فاي" فيما قدمت كل من ميرفت بهلوان مشروعها "دورة الحياة" و رواد زهر الدين مشروعها "مصنع البشر". خمسة مشاريع جسدت حالات من الاندفاع والشغف والاحتفاء بالجسد والروح إضافةً إلى التمرد على قوالب الرقص التقليدي نقلها طلاب الرقص مستعرضين أنواعاً من عدة مدارس من الرقص المسرحي التعبيري والحديث والمعاصر إضافةً إلى تنويعات على مدرسة المسرح الجسدي وفق متتاليات حركية جذابة جعلت من الجسد حاملاً حقيقياً للفكرة ومنتجاً للدراما لا وصيفاً لها وذلك بتخطي مفهوم التعبير السطحي لهذا الجسد نحو بناء حركية متوازنة دمجت بين قوة الكتل الراقصة وتجاوراتها على الخشبة بعيداً عن الفهم التقليدي للجسد كعنصر تزييني فائض عن حاجة طالب الرقص. جهد عبقري قدمه طلاب "المختبر الثاني عشر" في الدمج بين قصص واقعية من جهة وقدراتهم الجسدية فعبر محاكاة لوحات موسيقية راقصة جعلوا منها مساحة جديدة للعب قام الراقصون الجدد ببناء المشهد الراقص وتدوينه في زمن البروفة مستعيرين مقطوعات موسيقا عالمية بغية الوصول إلى مستويات متقاربة بين مناخات كل لوحة راقصة دعمت بدورها منهجا تجريبياً لطلاب تجاوزوا مدرسية الحركة نحو إبداعها وتأليفها الجماعي فوفق ارتجال حركي عالي النبرة جعل رئيس قسم الرقص "ملاطية لي" من طلابه نواة لبذور حداثة مسرحية سورية بامتياز. مهارات عدة عمل عليها مخرج العرض ومشرفه لتطوير خبرات جديدة تتعلق مباشرة بحساسية طالب الرقص وذلك من خلال تدريبه على رقصات الشعوب الكلاسيك وتقنيات الريبرتوار والليونة والأداء التعبيري والإيماء للوصول إلى مراحل متقدمة في كتابة الجملة الراقصة ودفعها إلى مستويات شعرية ذات أبعاد جديدة يكون فيها خيال الراقص أكثر قدرة على التجريب والتناغم مع المدارس الفنية لرقص العالم.