دمشق - سانا
واضح أن مجموعة الشاعر محمد الخضر على ضفتي الجرح الصادرة مؤخرا عن دار الشرق للنشر أنها تتضمن رصدا حساسا لتحولات الأزمة التي يعانيها الشاعر كسائر أبناء الشعب السوري منذ بدايتها إلا أن رصد الحالات الاجتماعية والنفسية تتميز عنده بالدقة والتعامل مع القضايا بشكل عفوي وصادق ومعبر عن حجم المعاناة الكبيرة لجميع أبناء الشعب السوري. وكان لمواقف الشاعر المبدئية من قوى الغدر الخارجية السبب الرئيس في وجوده أمام مواجهة حقيقية مع المعاناة فكل ما ورد في المجموعة يعبر عن قصة أو قضية أو حادثة تحركت في دمه فحركت مشاعره وأحاسيسه. تتداعى الذكريات بعد خروج صاحب على ضفتي الجرح من بيته الذي أحرقه المخربون وألحقوه بمكتبته النفيسة فيرجعه الحنين إلى أيام كان يكتب أشعاره مع النجوم ويقاسم القمر حب الطبيعة ويكلم زوجته عن الذكريات التي عاشها بأسلوب شعري رقيق اعتمد الموسيقا المنضبطة الشفافة والتي تصاعدت مع الخط البياني للحركة الشعرية في النص الشعري فيقول في قصيدة حريق الذكريات.. وأذكر عندما كنا.. نسير على السطوح.. ونضحك كالنجوم.. أمام الله نقطف قبلة حرى.. تسافر كالعبير .. ملونة بأفراح الورود. ويبقى الأثر الكبير في قصائد الشاعر بحرق مكتبته التي دفعته ليصوغ نزيفه بألفاظ شعرية منتقاة لتتلائم مع مستوى الجرح الذي خلفته الكارثة بعد أن فقد أعز مكان يؤل إليه كل مساء ليبسط فيه روحه وأفكاره وبعد أن أصبحت هباء بيد آثمة وفي هذه القصيدة كانت العاطفة حريصة على السيطرة وكان العتاب شديد الحضور بعد أن رأى الشاعر كيف يعمل المخربون عل اغتيال كل ما هو مشرق ومنير في الوطن فيقول.. قال القريب.. جاء اللصوص من الجنوب.. سرقوا الجميل من الوعود.. ورموا على شباكي نيرانهم... البيت أصبح تائها بين القصائد يا بني .. يبكي على أشعاره.. وتفيض أدمعه علي... وكانت لحظات هجرة الشاعر عن بيته صاحبة أثر مؤلم ولاسيما أنه ودع أنبل الأصدقاء وأعزهم الذين كانوا يشاركونه الأمل والألم والأحلام وآخر ما كان أن ضمه هو عند درج البيت وأحس بدموعه وحرارة روحه إنها لحظات الوداع التي رصدها الشاعر بعد أن تذكر صديقه أحمد في تلك اللحظات الحاسمة فيقول في قصيدة وداع.. وأنا أودع صاحبي.. تتدحرج الآلام من روحي.. ويبكي أحمد.. قاومت.. اسقطني الطريق على دموعي.. والنوى يتوعد... وترصد المجموعة أحداثا اجتماعية خطيرة ومهمة لم يسبق لها أن كانت في تاريخ الشعب السوري ومن أهم هذه الأحداث أن الشاعر لم يتمكن من حضور مراسم دفن صديق طفولته وعمره وقريبه بسبب الأحداث فما كان له إلا أن رثاه بمجموعة من القصائد الشعرية التي تصور خطورة الكارثة وفداحة الأمر وانعكاساته السلبية على الشاعر والمجتمع والتاريخ فيقول في قصيدة صديق الطفولة التي رثى فيها صديقه وقريبه دريد.. أتذكر يا صديقي كيف كنا لا نخاف من الزمان.. نجوب الدرب والأشجار والوادي.. ونرفل بالحنان.. أتذكر كيف كانت جدتي في الحقل تعطينا السكاكر.. والأماني .. ونأكل ما أردنا من ثمار وهي مشرقة بنا نشوى.. ونلعب.. كنت أكثركم مشاكسة... ويصف اخر ما يراه حول ما يجري في سورية من غدر وخيانات ويعتبر أن الحياة أصبحت بلا قيمة بعد أن كشف كل شيء وسقطت الأقنعة عن الوجوه الغادرة وصار الإنسان أكثر ما يمكن أن يتعرض للقتل والذبح والإهانة وربط ما يدور من جرائم بجريمة قابيل الذي قتل هابيل فيقول في قصيدة اخر ما تبقى في الأرض.. قابيل يدخل.. من نوافذنا.. ويشرع عورة اخرى.. ويبدأ فصله المجنون.. التوتة الحمقاء تمسك.. نفسها .. والستر.. في أوراقها .. مرهون.. وقال الشاعر محمد الخضر في حوار لـ سانا..إن الشعر هو خلاصة ما لدي من تجارب عشتها خلال حياتي الثقافية والاجتماعية حيث يأتي عبر موهبة لا أتمكن أبدا من السيطرة عليها عندما توعز إلي بالكتابة لذلك يكون عفويا صادقا مليئا بكل ما أعانيه وكل ما أحمله من فرح وإن كان هذا الفرح لا يشكل إلا جزءا نذيرا في مسيرتي الشعرية التي غلب عليها التصدي لكل ما هو رديء ولكل ما يعيق مسيرة وطني في التطور والتقدم. وأضاف.. إن الشعر في هذه المرحلة لا يمكن تخيله إلا من عيني سورية ومن آمالها التي تطلع من ألمها الكبير فأنا أعيش وطني بكل حالته ومكوناته وأكره من يساوم عليه وأكره من يفرط بحبة تراب منه فالشعر الآن عشق آخر يكبر في داخلي كل يوم ويتملكني حتى الانتماء فلا أتخيل غزلا ولا قصصا أخرى لأنني أخاف أن تعاتبني سورية إذا ما أسندت رأسي الى صدرها الملائكي وعندما تبرئ وتضاحكني قد أعود إلى ما كنت عليه من مشاكسة وعبث بضفائر الشجر ومشاركة للأصدقاء والصديقات في صناعة الأقمار وصياغة الأحلام. وأوضح الخضر أن صياغة الشعر لا يجوز إلا أن تكون متكاملة الأطراف مليئة بالأسس والمقومات والموسيقا والصور والإيحاءات ومن هذه الاشياء على الشاعر أن يخلق موطنه الشعري فيبدو عفوياً جميلاً برغم تركيبته المعقدة وبرغم ما يسري بنفسه من عواطف قادرة على خلق ارتباط إنساني بين النص الشعري ومن يقرأ هذا النص. وقال.. يجب أن يكون للشاعر بصمته الخاصة وموسيقاه المتفردة وما يدل على شخصيته المستقلة التي يألفها القراء فيبحثون من خلالها عن مبتغاهم الانساني والشعري وغير ذلك لا يمكن أن نسمي ما هو موجود على الساحة الا تجارب قد تخص الإنسان أو لا تخصه وهذا لا يمكن أن يحدده إلا القارئ ذاته بصفته المعني أولا وأخيراً بما يكتب من شعر. وأضاف صاحب المجموعة الشعرية عبير الياسمين ..إن الشعر عنده يبدا أولا لأنه دلالة على وجود الموهبة والشاعر الذي يمتلك أدواته لا بد له من أن يمتلك قدرة التكيف مع صياغة الحالة الشعورية التي يعشها وفق ما يجب أن يتلائم مع البيئة الاجتماعية ووفق ما يدور من تحولات إنسانية تأثر به ويرغب الشاعر بتحويلها إلى ناسه ومجتمعه مبيناً أن القصة الشعرية هي تفرض وجودها لأنها بالضرورة انعكاس لحدث يجب أن يخلده الشاعر كقصة تملك عبرة أمام التاريخ كما هو الحال في مجموعة على ضفتي الجرح التي تتكون كل قصيدة فيها من قصة ذات حدث وقع في هذه الأزمة. وبالنسبة لموسيقاه الشعرية قال.. أجد أنه لزاما على الموهبة أن تلتزم بوجودها لأنها أساس من محسنات القصيدة ومن دعمها الحركي في التصاعد العاطفي إلى الأعلى إلا أن اختيار النغمة يجب أن يكون بارعا ملائما للحدث متناغماً مع ماهيته دون أن يسمح الشاعر لأي خلل إيقاعي يهدد كائنه الشعري الجميل وعاطفته المتدفقة والمترادفة نغما شفافا وعذبا. ولفت صاحب المجموعة الشعرية امرأة مهددة بالسبي إلى أن ظاهرة الدلالة تكمن في إعطاء النص الشعري وثيقته الإنسانية على البقاء عندما استدل بمقتل هابيل فهذا يعني أنه يشير إلى كل الحزن الذي نعيشه الآن خلال الأزمة وعندما استدل بالمطمورة التي سلبها بعضهم لولده وقت الأزمة فهذا تجسيد لكل السرقات وعندما استدل في معظم قصائده الأخيرة بحرق بيته ومكتبته فهذا يدل على كل الظروف الوحشية الموجودة في العالم وأن الاستعمار يعود دائما بأشكال مختلفة كالثعالب فالدلالة هي جزء من مكون الشاعر الثقافي الذي من المفترض أن يكون حاضرا ومتزايدا في مخزونه الشعري لتستمر جمالية القصيدة. وأضاف.. إن المكون الشعري بما يحتويه من ألفاظ ووسائل وأدوات يجب أن ينتقيه الشاعر من حياة الإنسان ويصوغه بما يتوافق مع هذا الإنسان عبر الأسس الكاملة التي تكون موجودة في النص الشعري فإذا كانت الألفاظ الشعرية بعيدة عن الذائقة يكون الشاعر قد هرب من مواجهة ناسه وتقديم النص الشعري الصحيح لذلك المهارة تكمن في مدى مقدرة الشاعر على التكييف والتوفيق بين ما يمتلكه من ثقافة وبين ما يقدمه للمتلقي شرط ألا تصل القصيدة إلى مستوى ضعيف وتتراجع الموسيقا والتعابير والموضوع وتنعدم الصورة. وأكد صاحب صرخة في زمن الصمت أن اخر ما صدر له يختلف عن المجموعات السبع السابقة من حيث أن المجموعة قبل الأخيرة امرأة مهددة بالسبي كانت تتضمن مجموعة من القصائد التي تصور سورية على أنها امرأة جميلة والعالم يتامر عليها ويفكر بسبيها فهذا الصوت الذي لم يسمع من قبل صار وثيقة دامغة لما يجري الآن أما المجموعات الشعرية الأولى فهي مزيج بين مواجهة الواقع الاجتماعي الفاسد وبين رصد صور اجتماعية متخلفة وبين شعر يحمل بعض الحالات العاطفية القليلة. وحول واقع الشعر السوري قال الخضر.. إن ما يرصده الإعلام من شعر هو ليس الواقع الحقيقي للشعر السوري فانا أعرف ما يكتبه الشعراء على مستوى سورية ولا سيما في المناطق التي تتميز بجمال طبيعتها فثمة شعر موهوب يستحق أن يكون معلق على التاريخ غير أن الذي يروج له هو تزاحم أفكار وتداعي هلوسات لا تربط بعاطفة ولا تطلع من ارض ولا تتميز بموسيقا وهذا على الأغلب مما يقدم ويسمونه شعراً دون أن يدركوا أن الشعر ذلك التواصل الإنساني بين الشاعر وناسه. وأكد الشاعر أن مشكلة الشعر السوري تكمن في دور النشر التي أدخلت المعيار التجاري في ما تقدمه من نتاج شعري لا يرقى في الكثير من الأحيان الى تسميته شعراً ولا يعبر عن حراك ثقافي مهم لساحة عرفت عبر التاريخ بغناها المعرفي والثقافي مبينا أن الحل يكمن في وجود الية تقييم في دور النشر الخاصة والرسمية تستند على منهج علمي يقدم النص الشعري السليم الذي تتقبله الذائقة والتي من المفترض أن يتوفر احترامها بصفتها المعنية. وأشار القاص والصحفي إلى أنه لا يقلق على مستقبل الشعر السوري لأن القصيدة الحقيقية تفعل في الساحة كما فعلت عصا موسى فهي قادرة على أن تثبت وجودها وتبقى وجدان الإنسان العربي وديوانه الحقيقي لأننا أمة شاعرة مهما تعرضت للمراوغة من قبل المتسللين إلى الساحة الثقافية. يشار إلى أن الشاعر الخضر من مواليد محافظة ادلب وشغل رئيسا لفرع اتحاد الكتاب العرب بادلب وصدر له العديد من المجموعات الشعرية منها السقوط في مدينة مغلقة ..لعينيك كل هذا الحب..ذكريات في الوادي الشرقي ..ويكتب في العديد من الصحف والدوريات في حقل الشعر والنقد الأدبي إضافة إلى مشاركاته في العديد من المهرجانات الشعرية.