دمشق - سانا
يقدم الدكتور وهب رومية في كتابه "من قضايا الثقافة" قراءة نقدية تحليلية للمشهد الثقافي الراهن عبر صياغة مجموعة من الأسئلة تحدد مشكلات الثقافة تحديداً دقيقاً على ثلاث مستويات العلمي والفكري والفني بتداخلاتها المختلفة فضلاً عن تحليل النقد باعتباره جزءاً عضوياً من الثقافة ونسقاً من أنساقها مبيناً أن إحدى مشكلاتنا الكبرى تتمثل في كوننا مجتمعات قديمة في عالم متقدم حديث ولا مخرج لنا مما نحن فيه إلا بالثقافة شريطة أن تبنى وفق استراتيجية وطنية قومية تحدد انتماءها الصحيح وتستضيء به. ويرصد رومية علاقة الأنا بالآخر عبر مجموعة من مواقف المحللين التي يراها تصب في اتجاهين الأول يرى أن مجال التصالح بين الغرب والإسلام مغلق ونفقه مظلم باعتبار أن الإسلام يرفض الغرب قيمياً ولا يسمح مطلقاً بالتعايش والانسجام مع الحداثة والتغريب ومتبنو هذا الاتجاه هم فلاسفة اليأس الحضاري أما الاتجاه الثاني فيرى إمكانية التعايش نتيجة حيوية الإسلام وقدرة التجربة الإسلامية على التغير والتكيف. ويؤكد الباحث في كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن سلسلة آفاق ثقافية أن العولمة ظاهرة معقدة ومركبة وذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية لافتاً إلى أن العولمة الثقافية تمثل جملة من المخاطر التي تهدد بطمس واندثار العادات والثقافات المحلية والتعدد الثقافي لمصلحة ثقافة السوق والمجتمع الاستهلاكي ولاسيما أن "الليبرالية الجديدة" بشقيها الاقتصادي "نظام السوق" والسياسي "النظام الديمقراطي" هي حاضنة العولمة. يقول الدكتور رومية في فصل العولمة الثقافية.. يرفض الغرب أن يكون لكل بلد خصوصيته ويرى أن النموذج الغربي قابل للتكرار من خلال الهندسة السياسية للمجتمعات والثقافات عبر التأثير في وسائل الإعلام والتدخل في الممارسات الثقافية وفي مناهج التعليم وطرقه... أي بعولمة الثقافة. والغرب مستمر في فرض هذه العولمة بالغزو المسلح وبالضغوط السياسية وبشروط ربط المعونات والتجارة والتكنولوجيا بعمليات التغيير الداخلية. ويضيف.. غاية الغرب هي توحيد الثقافة العالمية بتنميطها على حساب الثقافات الفرعية والمحلية والذي لا يتم إلا عبر القضاء على الثقافات الخصوصية وذلك بتنميط الذوق عالمياً في الفنون واللباس وشكل السكن باسم المعاصرة والتحديث فالعولمة أساساً هي نظام لا منطقي ولا عقلاني لأنه يقوم على نفي الآخر. ويحذر رومية من ثقافة "ما بعد المكتوب" أو ثقافة الصورة التي تعتبر خطاباً متكاملاً يتجاوز اللغة ويساهم في تشكيل الإدراك والوعي فمن خلال الصورة يتم تزييف الحقائق والوعي وتحويل الثقافة إلى مادة استهلاكية بحيث تلعب العولمة دوراً في زعزعة القيم الدينية وخلق قيم جديدة تتواكب مع التوجهات الثقافية للعولمة ومن ذلك تكريس أهمية اللغة الإنكليزية في هذا النظام العالمي كي تلعب دوراً مطابقاً لدور الدولار الأمريكي في النظام النقدي. من هنا يرى الباحث أن الإدارة الأمريكية استماتت في الترويج لخطابها الثقافي والتبشير به فالثقافة وفقاً للتصور الأمريكي سلعة تخضع لقوانين السوق وهي بضاعة منمطة تستهدف أعداداً هائلة من المستهلكين وتتحكم في تسويقها شركات عابرة للحدود. ويتساءل رومية هل لثقافتنا قيمة تبادلية في سوق الثقافات ويجيب.. إن وضعها ليس كذلك ولكي تكون لا بد من شرطين الأول أن تسندها قوة اقتصادية وسياسية وهو شرط غير متوفر الآن والثاني أن تكون ثقافة حداثية والحداثة لا تعني بالضرورة التغريب بل أن تكون ثقافة معاصرة تصاغ بمنطق العصر وأن تتخذ موقع الندية قياساً إلى الثقافات المعاصرة المتقدمة حتى يكون الحوار والتفاعل معها ممكنين. ويرى صاحب كتاب "الشعر والناقد" أنه لم يعد منهجاً علمياً سديداً الحديث عن وجود الأفكار أولاً ثم البحث لها عن ألفاظ تناسبها نضعها فيها فليست العلاقة بين اللغة والفكر علاقة خارجية فأفكارنا تولد في اللغة ولا وجود للفكر خارج اللغة ومن المستحيل الحديث عن نمو الأفكار وتطورها بمعزل عن اللغة. ويوضح الباحث علاقة اللغة بالثقافة بقوله إن اللغة ابنة المجتمع والتاريخ معاً.. إنها ذاكرة الأمة والثقافة هي مخزون هذه الذاكرة ولا وجود لثقافة بلا لغة أو لغة بلا ثقافة لأهلها مبينا أن الثقافة العربية هي آخر القلاع الحصينة التي توشك أن تقع سبية بأيدي الغزاة ولذا لا بد من الاهتمام بلغة الضاد وخاصة أن الامبريالية اللغوية قد تكون أكثر نعومة من الإمبريالية الاقتصادية لكنها مدمرة مثلها. يقول رومية.. إن الثقافة العربية هي الملجأ أو الحصن الأخير للدفاع عن الهوية وتعد اللغة العربية من أهم مكونات ثقافتنا وهويتنا فهي توحد الانتماء الاجتماعي وتعززه وتحفظ ذاكرة الأمة الثقافية والروحية وتقوي الشعور بعراقة العرب ووحدتهم التاريخية وتعمق الوعي بهذا الشعور وتخلق بحكم سلطتها على التفكير تصورات متجانسة للكون والحياة ونواميسها وناسها ومنظومات القيم فيها وتسهم إسهاماً قوياً في توحيد مشاعرهم العاطفية والدينية كما تخلق وعياً متجانساً بين أهلها وتفتح ثقافتهم على ثقافات العالم. ويدرس صاحب "شعرنا القديم ونقدنا الجديد" القصيدة العربية المعاصرة وعناصر تطورها بما في ذلك الاتكاء على التراث الشعبي وفتات الحياة اليومية والأساطير على اختلاف انتماءاتها فضلاً عن التأثر بالقصة الدينية والاعتراف بالضعف الإنساني إلى جانب الجرأة في التعبير عموماً والتأثر بالفنون الحديثة مثل القصة والمسرح والتشكيل إضافة إلى المضمون الفلسفي القائم على التأمل في قضايا الإنسان والحياة. يذكر أن كتاب "من قضايا الثقافة" يقع في 344 صفحة من القطع الصغير والمؤلف رومية أستاذ في جامعة دمشق حاصل على دكتوراه في الآداب من جامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى شغل منصب عميد كلية الآداب بجامعة دمشق سابقاً وله مجموعة من المؤلفات نذكر منها الرحلة في القصيدة الجاهلية.. قصيدة المدح حتى نهاية العصر الأموي بين الأصول والإحياء والتجديد.. بنية القصيدة العربية حتى نهاية العصر الأموي.. إضافة إلى مجموعة مقالات في الأدب القديم والمعاصرة في الدوريات العربية المختلفة.