دمشق - سانا
يحاول أمير مصطفى في مجموعته الطابق الأخير ليس شاغرا ان يجسد تجارب متنوعة وصلت به إلى رؤى نفسية خاصة في عالم تناقضت فيه المواقف الإنسانية والاجتماعية وتردت إلى درجة اليأس فانعكست على كتابات الكاتب. تميزت نصوص مصطفى باعترافات كثيرة أمام ما يدور في وسطه الاجتماعي لكنه اعتمد على الفاظ حادة كون منها تعابيره الرمزية التي تطرح قلقه الشديد ورغبته في الخروج من هذا القلق كقوله في نص جردة حساب "سأنسى إصلاح درجة سلمي الأولى .. أريد أن تقع الخيانة ..قبل أن توسخ بدايتي ..لا أرغب أن تصعدني.." يستحضر مصطفى من مخزون ذاكرته محطات من طفولته ويجد نفسه أمام عجز في إضافة أي تطور على الأشياء الجميلة لأن الحاضر بات مليئا بالقهر والازعاجات والتعب محاولا الخروج إلى فكرته بأسلوب محاط بالغموض قليلا حتى لا يقع في اشكال الجفاف والضبابية يقول في نص أتوسل البراءة. "دعوة مفاجئة من محطات الطفولة..تغلغلت عبر ما تملكه من فروع في قصائدي .. أخبرت كل بلدياتي .. أن ترسل برقية مستعجلة .. تشرح فيها عجزي .. فالعجلة مثقوبة.. ". يحاول مصطفى الدخول في فلسفة اجتماعية يصل من خلالها إلى ضرورة عدم بقاء الإنسان مشغولا في حياته حتى يمكن نفسه من بعض الراحة التي تجعله يواصل عمله في الحياة التي تشبه دائرة من القهر والشقاء فالحياة باتت مليئة بالمتناقضات والمتاعب كما جاء في نصه قبل أن أغلق "سأغلق الوقت قليلا ..كأنني أقفل نافذة الوحدة لا أستطيع .. ولكن أحاول بيني وبين نفسي .. بيني وبين دقائقي أرسم أغنية فوق دائرتي ..". ويعمل مصطفى على ربط الإنسان بما يمتلك من رؤى وقدرات وعواطف تأثرت بمن حولها وبما يحيط بها من كائنات مختلفة فيرى أن هناك شبها كبيرا بين الانسان وبين ما حوله نظرا لتلك المؤثرات التي يتفاعل معها ويكتسب منها رؤى حياته يقول في نصه من وحي الفيزياء "أنا كالأرض أملك حقلا مغناطيسيا ..خطوطي متوازية واشعتي متسايرة لكن كلماتي لا تخضع لقانون الجاذبية ..يا حب .. أشعتي ملكي .. أسددها كيفما أشاء". ويكبر الحب في نظر مصطفى لدرجة أصبح يسير وراءه ويقتدي بمعطياته فلا يتوانى عن فعل أي شيء ينبثق عنه وصولا إلى حالة إنسانية عالية قوامها التفاهم والمحبة والانسجام يقول في موجة حريرية "سأمرر الصفحة أمام ضوئك ..أنا أقود السطور .. وأنت تكتبين ..نلغي الممحاة ..ونخترع محفظتنا الخاصة". تتناقض بعض الألفاظ في أسلوب مصطفى التعبيري نظرا لإغراقه في الرمز فيحدث نفور في التراكيب و المعاني مع تناقض واختلاف في المستوى البنيوي و المعنوي في النص الواحد فتصل القصيدة إلى درجة المباشرة دون أن تعبر عن انتماء لجنسها أو لهويتها الأدبية كما جاء في نص قصيدتي التي يقول فيها.. قصيدتي لا تغاري..أحبك كأنك حبة مشمش .. قصيدتي لا تغاري..أحتاجك لانتعش.. قصيدتي لا تغضبي. تخلو نصوص المجموعة عند أمير مصطفى من العاطفة لتعتمد على الدلالات الرمزية دون اقترابها من الموسيقا واعتمادها على وحدة الموضوع فلم ينسجم مضمون الكتاب مع توصيفه كشعر على الغلاف حيث تعتبر محاولات شابة باتجاه مستقبل أدبي. يذكر أن المجموعة الشعرية من منشورات دار بعل وتقع في 95 صفحة من القطع المتوسط.