الرئيسية » مراجعة كتب

باريس - المغرب اليوم

يكاد كتاب غير مشهور من تأليف الكاتب الفرنسي جورج ديهاميل يفسر ظاهرة الانشغال الزائد بالسياسة في مصر والعالم العربي منذ انطلاق قطار الربيع العربي في بداية عام 2011 وهي ظاهرة يعتبرها الكتاب الذي نشر قبل 77 عاما "من أشد الأمارات خطورة". فيرى ديهاميل (1884-1966) في كتابه (دفاع عن الأدب) الذي ألفه عام 1936 أن صيحة "السياسة أولا... ملأتنا ذعرا" معتبرا انشغال عامة المواطنين بأمور السياسة من اللذات المجانية لأنها "لا تكلف شيئا". والكتاب من مؤلفات ديهاميل غير المشهورة وترجمه إلى العربية الناقد المصري محمد مندور (1907-1965) الملقب بشيخ النقاد العرب. والطبعة الجديدة التي تقع في 425 صفحة متوسطة القطع صدرت في سلسلة (ميراث الترجمة) عن المركز القومي للترجمة بغلاف صممته نسرين كشك ومقدمة لعبد المنعم تليمة قال فيها إن مندور "كان علما مرموقا بين رواد نهضتنا الحديثة. والرائد لا يكذب أهله." وفي الكتاب لا يتصور ديهاميل وجود مكان مريح في العالم لو كان خاليا من الكتب ويقول "احذروا الراديو إذا أردتم أن تثقفوا أنفسكم" وكان ذلك قبل ظهور الوسائل الأكثر رفاهية ومنها التلفزيون. ويحذر من "شهوة السياسة" في كتب يفسر رواجها بأنها "لذة الفقير... عندما نرى الحمى السياسية قد وصلت إلى أناس كان من الواجب أن يظلوا بعيدين عنها بحكم أذواقهم... يدل ذلك على.. اختلال عميق خطر في حياتنا الاجتماعية." ويتزامن صدور الكتاب مع ظاهرة انقسام في الرأي العام بمصر وغيرها من الدول العربية في ظل تعثر مسيرة الثورات العربية التي نجحت في إسقاط أنظمة استبدادية وأخفقت إلى الآن في وضع أسس أنظمة ديمقراطية كانت المتظاهرون يحلمون بها منذ بداية الربيع العربي قبل عامين ونصف العام. وفي ما يشبه الرد على وضع القضايا السياسية في أغلب الحوارات حاليا يقترح ديهاميل أن يصبح العمل السياسي "حرفة... توضع في يد المحترفين... في هيئة محكمة البناء سديدة الإدارة. لا يجوز أن يخصص الرجل العادي من وقته للسياسة أكثر مما يخصص للبس ملابسه في الصباح." ويضيف أن "الشعب الذي يضطر راضيا أو كارها إلى أن يخصص خير وقته وخير ما في نفسه لمسائل السياسة ليلوح لي في حالة انحلال" ويرى في انخراط عموم الناس في أمور السياسة داء مخيفا. وكتاب (دفاع عن الأدب) يناقش قضايا متعددة أولها قلق ديهاميل على مستقبل الكلمة المكتوبة ورهانه على أن للأدب وللكلمة المطبوعة تأثيرا أعمق في النفوس حتى إنه ربط مصير الحضارة الإنسانية بمصير الكتاب المطبوع. والمؤلف وهو روائي وناقد أدبي وطبيب عمل في مستشفيات ميدانية طوال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) يسجل أنه قابل أثناء الحرب طبيبا "في منتهى القسوة جافي القلب... وكان يلوح أن مناظر البؤس والآلام والجراح لم تعد تؤثر فيه وكان يحتفظ في أداء واجبه المخيف ببرود أرستقراطي تلونه السخرية في بعض الأحيان. ولكن حدث يوما أن دخلت على هذا الرجل فدهشت إذ وجدته وقد أغرقت الدموع وجهه وهو يقرأ كتابا عن الحرب.. كتابا يقص عليه نفس ما كان يرى كل يوم وكل دقيقة." ويعلق ديهاميل قائلا "ولو أنني كنت أجهل قدرة الألفاظ لاستطعت أن أدركها في تلك الساعة." ويقول "لن أمل القول بأن مصير الحضارة معلق بمصير الكتاب... ومستقبل الكتاب متوقف إلى حد كبير جدا على انعقاد عزم أساتذة الجامعة... لأن اليوم الذي سيتخلى فيه الأساتذة -الذين هم خير أعواننا في الدفاع عن الحضارة- عن غرس قداسة الكتب في نفوس الأطفال سيكون يوم تهيؤ المدينة لبربرية جديدة." ويرى أنه "بدون الكتاب الذي هو مستودع تراثنا الروحي ستصبح حياة الفرد وحياة الجماعة عرضة لأن تهوى في نوع من البربرية لن يستطيع على الأرجح أبناؤنا ولا أحفادنا أن يروا لها نهاية... إن تقديس الروحانيات هو الشرط الأساسي لكل حياة نبيلة خصبة وإن الكتاب هو رمز ذلك التقديس." ولكن المؤلف الذي يرى للكتاب نوعا من القداسة يعترف أن الكتاب "بضاعة" وتجارة تلعب الإعلانات دورا كبيرا في ترويجها حتى إن كتبا كثيرة بيعت نسخها بفضل نجاح حملات الدعاية التي لولاها ما غادرت "مخازن الناشرين" الذين يرى أن مهنتهم شاقة وتحتاج إعدادا من نوع خاص. فيقول ديهاميل إن "بائع الكتب الحقيقي -مهما كان مرهقا بالعمل المادي- يجب أن يكون له آراء عن المؤلفين" إلا أنه لا ينسى نصيب المؤلف ويرى أن الكتاب ما دام تجارة رابحة "فمن العدل والحكمة أن يكون للكاتب من هذا الربح نصيب." ويشدد على أن فرنسا تستمد جزءا من نفوذها المعنوي من "صادراتها العقلية" التي تشمل الفنون والكتب وأن كثيرا من مواطني أمريكا الجنوبية يأتون إلى فرنسا لأنهم أحبوها بعد أن قرأوا كتبا لمؤلفيها. ويقول "كلما رأيت مكتبة تفلس أو قاعة قراءة تغلق أبوابها قلت إن هذه.. هزيمة للروح." وترجم مندور كتبا منها (من الحكيم القديم إلى المواطن الحديث) و(تاريخ إعلان حقوق الإنسان) ورواية (مدام بوفاري) لجوستاف فلوبير. ويسعى ابنه طارق مندور لإعادة نشر ترجماته المجهولة ومنها (المدينة الإغريقية) للمؤرخ الفرنسي جوستاف جلوتز (1862-1935) الذي نشر بالعربية للمرة الأولى عام 2011 إضافة إلى ترجمة عربية غير مكتملة لكتاب (اضمحلال حضارة.. أو نهاية الإغريق القديمة) للإيطالي كورادو بارجالو وترجمه إلى الفرنسية جورج بورجان أمين محفوظات الدولة والمحاضر بمدرسة الدراسات العليا وترجم مندور عن الفرنسية بعض أجزائه.

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

مناقشة وتوقيع كتاب " انا اسمي ماما" للكاتبة "دينا…
الأحلام الشرقية للكاتب اللبناني عيسى مخلوف في طبعته الثانية
حكايات الرحالة البرتغالي "إيسا دي كيروش" عن افتتاح قناة…
صدور رواية "نساء البساتين" في نسختها الإيطالية
"سنوات التيه الأربعون" على مائدة مكتبة القاهرة الكبرى

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة