دمشق - سانا
يعتمد الدكتور عفيف البهنسي في كتابه النقد الفني في عصر الحداثة على مفردات فكرية جاء بها من لغة بصرية ترى ما لا يراه الأشخاص العاديون فتتحول بعد غوصها في مفردات الفنون إلى لغة منطقية مقنعة للقارئ فتضيف حقائق جديدة لم تكن تخطر في ذهنه وبهذا تتجلى مهمة الناقد الذي يرتكز على البحث في فائض الجمال المخفى وإظهاره. يحاول البهنسي أن يحول دون وجود هوة بين الأجيال والتخلي عن الحضارة المتناقلة ضمن الكتلة التاريخية الهائلة التي منحت للإنسانية مفاهيم وصوراً تبهرنا حتى اللحظة من خلال امتلاكها لعناصر الدهشة. ويعكس صاحب "جمالية الفن العربي" قوة جمال الماضي الحضاري مقاربا إياه مع الواقع الحداثي من أجل توليد ثقافة النقد بشكل عام والنقد الفني بشكل خاص بغية استنباط عناصر الجمال المرصوفة بين النص الجمالي والنص الأدبي. كما يؤكد الباحث في كتابه أن الفن لغة العالم لذلك نجده يدعو إلى ربط الاصالة بالحداثة والمعاصرة منبها بعد خوضه فصولا شرح معانيها إلى ما يختبئ وراء المعاصرة كالتعريب والتبعية طالبا العودة إلى الايمان بالطبيعة كمنظور كامل والتي لولاها لما كان عالم المادة منجزا لابداعه المادي فالتأمل في الطير جعل الانسان يفكر حتى أوجد الطائرة وغير ذلك. ونجد في البحث أن اللغة النوعية ضمن المؤلف الموجود بين يدينا والتمعن فيها يمنحنا فرصة الاطلاع على تمام الصورة التي يريدنا البهنسي أن ننتبه كثيرا إلى أسباب عدم فراغها وكينونتها الجميلة من خلال نزعته الصوفية الحقيقية وايمانه الجوهري بانتظامها ووحدتها. ونرى أن المؤلف يتطلع إلى وحدة المظهر مع الجوهر واحداث التصالح بين المادي واللامادي في وقت تسعى الحداثة لإبعاد اللامادي وتثبيت صورة المادي كاستهلاك يرتكز عليه أولا وأخيرا لتعزيز الثقافة الاستهلاكية. واتسم عصر الحداثة عند البهنسي بالشمولية والتأثير الثقافي خاصة في مجال الفن من خلال المدارس الفنية والاتجاهات الفكرية التي عجزت عن تكوين علم الجمال الحديث الا ان النقد الفني كما رآه يستعير دائما أسسه من منطلقات فلسفة الحداثة ليكون بنيته. وأصبح الفن الحداثي بحسب صاحب "مدارات الإبداع" يتسم بالتخييل والمصادفة والدلالة الرمزية والانشائية والتأويلية والتفكيك كعناوين للحداثة النقدية وما بعد الحداثة إلا انها أشياء اتسمت بالتلقائية المجانية وتمادي النقاد واعتمادهم على لغة تكتنف بالغموض مما سبب ذهولا عند القارئ وإرهاقا أمام فك الرموز وتبرير ما يدور حولهم. ويصل الباحث إلى أن الفن في العصر الحداثي يسير بشكل انفصالي معتمدا على النهضة الصناعية وغياب الرومانسية التي حملت المعاني الإنسانية وكانت التقنية سببا رئيسيا في جعل العقل العلمي سيداً في ساحة الابداع. ويكشف البحث بان سيطرة التكنولوجيا على الحياة الأوروبية والأمريكية امتدت إلى العمل الفني مما جعل هناك خللا في التوازن فتراجعت الذات أمام الموضوع التكنولوجي وظل تيار التلقائية مغاليا في الحرية الفردية. ويؤكد البهنسي أن ارتباط الحداثة بالإيديولوجيا المتصارعة وبخضوعها للنظام الاستهلاكي وانقطاعها عن التاريخ والمستقبل والإنسان جعلها تعيش فراغا لم يملأه أحد حتى الآن ولم يتمكن النقد الفني من تغطية عصر الحداثة بمؤلف جامع يؤسس لعلم الجمال. يذكر أن الكتاب من منشورات دار الشرق للطباعة والنشر يقع في 282 صفحة من القطع الكبير.