دمشق - سانا
يقدم الباحث والناقد حسين علي الزعبي في كتابه الجديد "المرزباني" ملخصاً غنياً عن مؤلفات الناقد والمؤرخ "أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى" المعروف بـ "المرزباني" مبيناً منزلته في حركة النقد العربي القديم وشارحا من خلال دراسة هذه الشخصية الموسوعية طرائق وأساليب النقد الأدبي في ذلك العصر. ولا يسعى الباحث في كتابه الصادر عن وزارة الثقافة ضمن سلسلة "في النقد الأدبي" إلى نقل ما هو موجود من آراء نقدية ورثها القرن الرابع الهجري عن جهود ثلاثة قرون سابقة له بذلها مهتمون بالشعر من نقاد ولغويين وشعراء وخلفاء ونسوة لتمييز جيد الشعر من رديئه وانما يبتغي منه تعميق الفحص في تلك الآراء النقدية للنفوذ الى قلب الفكرة التي طمح المرزباني بتقديمها للقارئ. كما يطمح البحث إلى رسم معالم رؤية جديدة أعمق وأشمل للفكر النقدي عند المرزباني انطلاقاً من قراءة جديدة اقترنت بنهج متكامل يتضمن الامثلة والشواهد الحية من قصائد الشعراء الذين طالت المحاكمات النقدية عصورهم. وخصص الباحث الفصول الثلاثة الاولى من الكتاب لمناقشة ثلاثة أساليب في النقد كانت معتمدة وشائعة في ذلك العصر وهي النقد الانطباعي والنقد التعليلي والنقد التاريخي مفتتحا هذه الفصول بتمهيد سلط من خلاله الضوء على اسم المرزباني ونسبه ومولده ووفاته واتجاهه الفكري وشيوخه وتلاميذه ونهجه في النقد إضافة إلى مؤلفاته. يقوم مفهوم النقد الانطباعي بحسب الباحث على الاحكام الذاتية التلقائية من حب أو استكراه للأثر الادبي مبتعداً عن التعليل وباحثاً عن تقديم شاعر من الشعراء على أنه أشعر الناس أو اشعر أهل عصره أو زمانه أو ما قبل زمانه لينتقل بعد ذلك الى الحديث عن الموازنة بين شاعرين وتفضيل أحدهما على الاخر بصيغة انطباعية ثم التفضيل في نطاق الموضوعات الجزئية والتفاوت في شعر الشاعر نفسه مختتما هذا الفصل بتناول ظاهرة النقد الانطباعي التي رافقت حركة النقد العربي حتى نهاية الفترة التي عاش بها المرزباني. ويرى الزعبي أن توجه النقاد الى النقد التعليلي في مرحلة لاحقة كان بسبب أن النقد الانطباعي لم يعد مقنعا فكان لا بد من تعليل الموازنات وبيان السبب في تقديم شاعر على آخر وهي مرحلة بدأت تظهر فيها المصطلحات النقدية التي أطلقت على الشعراء والقصائد معا. في النقد التاريخي يعرض الباحث جهود المرزباني في التحقق من نسبة الاثر الشعري الى قائله أو تصحيحه للاسم والنسبة وعرف في هذا السياق معنى الانتحال كما ورد عند المرزباني منتقلا لاحقا الى الحديث عن السرقات الشعرية وما تولد عنها من مصطلحات نقدية كالنقل والاحتذاء والاخذ والنسخ والاغارة والمسخ والاجتلاب ومنزلة المرزباني في هذا الجانب من النقد. الفصل الرابع من الكتاب يتناول فيه الباحث معيار الاستخدام السليم في النقد ومقياسي هذا المعيار وهما النقد المتصل بآداب اللياقة وهو ما يعني أن يلتزم الشاعر أمام ممدوحه أو المتغزل به في الاعراض عن الصفات الجسمية أو المعنوية التي لا تليق بهما والنقد التسلطي أي أن يخضع الشاعر لقواعد اللغة والنحو. ويخصص الزعبي الفصلين الخامس والسادس للاشارة الى عيوب الشكل في القصيدة وجهود النقاد في تحديد عيوب القافية من اقواء واكفاء وابطاء وسناد وتضمين ورمل وكيف اختلف النقاد في بعضها وما قدمه المرزباني في هذا الخصوص اضافة الى عيوب الأغراض الشعرية كما وردت عند المرزباني أيضاً. ويتوقف هذا البحث عند اللمحات النقدية التي وجدها الباحث في كتب بعض المحدثين عن المرزباني ومؤلفاته مثل "هيوارث وشوقي ضيف ومحمد زغلول وزكي مبارك ومصطفى الشكعة ومصطفى حسين" وغيرهم حيث ناقش الباحث هذه الاراء مجتمعة وبين رأيه بخصوص كل منها. وختم الزعبي كتابه بالحديث عن مكانة ومنزلة المرزباني النقدية وما قدمه على صعيد كل اتجاه نقدي فبرزت آراؤه النقدية الخاصة به وظهرت جليا مشاركته غيره من النقاد في النقد الانطباعي والتعليلي والتاريخي والمضمون ومعيار آداب اللباقة وبرزت شخصيته التعليمية في أكثر من موطن من مواطن البحث عندما كان يفسر بعض الاخبار فيزيل ابهامها. اختلف في تاريخ ولادة المرزباني وأيضا في تاريخ وفاته لكن المؤكد أنه عمر طويلا وقضى معظم هذا العمر في القرن الثالث للهجرة حيث يشير ياقوت الحموي في معجم الادباء الى ان المرزباني توفي سنة 384 للهجرة . بلغت مؤلفات المرزباني عددا كبيرا وهي كتب متنوعة بين أخبار الشعراء والشخصيات والنقد والتأريخ والادب والتفاسير والمواعظ وبعض هذه الكتب فقد ولم يعرف له اثر الا ما ذكر عنه في كتب المؤلفين الاخرين.