الرياض - وكالات
يدرس كتاب «النص والتراث.. قراءة تحليلية في فكر نصر أبو زيد»، لمؤلفه الدكتور مصطفى الحسن، موضوع الخطاب العربي الفكري، في العصور الحديثة. إذ يأخذ مؤلفه على نصر أبو زيد موقفه في أنَّ الخطاب العربي الحالي خطاب مأزوم، أو هو خطاب الأزمة: الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، التي ظهرت في المجتمع المصري بشكل خاص، وفي جميع المجتمعات العربية بشكل عام. إذ إنَّه بعد هزيمة 1967 جرى تراجع عن كل المنجزات التي تحقَّقت في التاريخ العربي المعاصر. ولعلَّ من مظاهر التراجع، التحوُّل الذي أصاب الخطاب العربي الذي انتقل مثلاً، من أن يكون خطاب نهضة وتحول ليكون خطاب أزمة. وهذا الخطاب، كما يرى الحسن، يشمل جميع اتجاهات الفكر العربي، أي أنه لا يختص بالخطاب الإسلامي، بل إنَّ الأزمة تغلغلت في جميع الأنساق الفكرية. فأنتجت خطابًا عربيًا مأزومًا. لذلك، التخلف هو الذي أنتج فهماً مأزوماً للنصوص الدينية، وليس العكس، كما يقول أبو زيد. وبناءً على ذلك، يكون الخطاب الديني المعاصر في رأيه، خطابًا نفعيًا، يتكئ على النصوص ليقرِّر قناعات مسبقة أو ليمرِّر أفكاراً مقصودة. ولذلك فالخطاب الديني في رأي أبو زيد، يقع بين: «مطرقة القراءة الإيديولوجية المغرضة، وسندان القراءة الحرفية المثبتة لدلالة النص عند مستوى الدلالة التاريخية، في القراءة الأولى يعتصم الخطاب الديني بمقولة (صلاحية النص دلالياً لكل زمان ومكان)، بينما يعتصم في القراءة الحرفية بمقولة (فهم الخطاب كما فهمه المعاصرون لنزوله)». يجد المؤلف أنه من الملاحظ أنَّ نصر أبو زيد لا يؤيِّد أيَّ محاولة لإصلاح الخطاب الإسلامي. فهو ينتقد أعمال حسن حنفي ومحمد شحرور. وكذلك محمد أركون. ويرى أنَّ كل محاولة لإنتاج خطاب إسلامي معتدل- حسب معاييره- لن تحقق شيئاً. ونقد هذا ربما يثير الاستغراب من الوهلة الأولى. فنصر أبو زيد ينتصر للتأويل العقلي المتمثل في فكر المعتزلة، ويدافع عنه في ثنايا كتبه بشكل دائم، أي أنَّه يمارس الفعل نفسه في تجديد التراث من خلال اختيار أفكار ونبذ أفكار أخرى. فهل هو يناقض نفسه؟ ويؤكد الحسن أن نصر أبو زيد ينطلق من واقع معركة ثقافية إيديولوجية. وهو في الحقيقة لا يسعى إلى إيجاد خطاب إسلامي جديد أو معتدل أو وسطي، بقدر ما يسعى إلى توجيه ضربة قاصمة للخطاب الإسلامي المعاصر. فنصر أبو زيد ينتمي إلى التيار العلماني في مصر. وهو تيار محدود الانتشار خصوصاً في شكله المعارض للسلطة. ويعي ذلك تماماً، لذلك يسلك مسلك جيوب المقاومة. فهو يعي أنَّ أفكاره ومعتقداته ليست مقبولة، وإظهارها يعني توجيه النقد له. ويستمر الباحث مصطفى الحسن في قراءة فكر نصر أبو زيد، فيعتبر أنَّه يمثِّل الفكر السائد للعلمانيين العرب. وهذا الفكر هو أقرب ما يكون إلى عصر التنوير.. إنَّ نصر أبو زيد يسعى في ما قدَّمه مشروعه، إلى جعل اللامفكَّر فيه مفكِّراً، ويسعى إلى تثوير العقل قبل تنويره. وهذا التثوير الذي يعنيه هو ناتج منهجية (قتل القديم بحثاً). إذ هو يسعى إلى بناء نموذج الخطاب الإسلامي الذي يربط فيه بين التصورات والخطاب، لأجل تحريك العقل أو تثويره، وتجاوز الخطوط الحمراء واستدعاء أفكار لا تخطر ببال الثقافة الإسلامية، ووضعها في قلب الحدث. وهو تماماً ما يقوم به في كتاباته، على أن نصر أبو زيد ينطلق من هموم العلمانيين العرب في صراعهم الفكري مع الإسلاميين، وليس من هموم المواطن المصري، لذلك تجده في كل كتاباته وأمثلته وإسقاطاته يتحدث عن الإسلاميين وعن خطاباتهم وأدبياتهم، على أن الإسلاميين هم بوصلة مشاريع أبو زيد ولا يمكن أن يفهم مشروعه إلا بوصفه صراعاً معهم. ويأخذ المؤلف رأيًا داعمًا لآرائه في نقده لفكر نصر أبو زيد عندما يقول: (يصف علي حرب خطاب أبو زيد بأنَّه «خطاب يناهض الأصولية، ولكنَّه يقف على أرضها». ثمَّ يناقش المؤلف مفهوم النص عند نصر أبو زيد فيرى أنَّ النصوص عنده تستمد مرجعيتها من (اللغة). ومن قوانينها، واللغة هنا تمثل (الدال)، والدال يحيل إلى تصور ذهني. وهو أيضاً يستمد مرجعيته من الثقافة، وهنا تظهر النصوص وكأنَّها تابعة ومقيدة.