الرباط - وكالات
إنطلقت السبت فاتح يونيو 2013 فعاليات الدورة التاسعة من «مهرجان طنجة للفنون المشهدية» الذي ينظمه «المركز الدولي لدراسات الفرجة» في الفترة ما بين 1 و4 يونيو الجاري بمدينتي طنجة وتطوان، وذلك في سياق تجسيد استمرارية هذا المشروع الفكري والجمالي، وترسيخه تقليدا سنويا للحوار والتفاعل الفكري وتثبيت قيم الاعتراف والاختلاف والتنوع الثقافي، التي تعتبر من أسمى الأهداف التي يعمل المركز على ترسيخها. ولعل المتأمل في فعاليات هذه الدورة التي تحتضن أنشطة مختلفة، تجمع بين العروض الفرجوية وتقديم الإصدرات الجديدة للمركز، وتكريم وجه من الوجوه البارزة في مشهدنا المسرحي، ممثلا في الفنانة القديرة ثريا جبران، هو الندوة الدولية التي اختير لها موضوع «الفرجة والمجال العام»، لابد وأن تثير انتباهه هذه الرؤية النسقية الواضحة التي تتحكم في اختيار المركز الدولي لموضوعات ندوته الدولية؛ بحيث تشكل ندوة هذه الدورة حلقة ضمن سلسلة متصلة الأطراف فكريا، تروم مقاربة موضوع الفرجة من مختلف أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية، وكذا في علاقته بالراهن وما يفرزه من تحولات على الصعيد الوطني والعربي والدولي. ذلك أن ندوة «الفرجة والمجال العام» تعتبر استكمالا لإلقاء الضوء على الفرجة، لاسيما في جانبها السياسي، من زاوية مغايرة تتوسل مرجعية فلسفية وسوسيولوجية واضحة، وذلك انسجاما مع الأوراش الفكرية التي تم فتحها في الندوة السابقة التي قاربت موضوعا ساخنا وراهنيا هو «فرجة التحولات وتحولات الفرجة» وهو الموضوع الذي أملته تداعيات ما عرف ب «الربيع العربي» على الحقل الاجتماعي والثقافي والفني وعلى مختلف التعبيرات الفرجوية. إن ندوة هذه السنة، تبئير علمي أكثر دقة، من خلال استكناه الفرجة في علاقتها بمفهوم «المجال العام»، باعتباره مفهوما سوسيولوجيا متصلا بصيرورة المجتمعات الحديثة، وبطرق تعبيرها عن قضايا المجتمع الذي تعيش فيه، وذلك استنارا بإضاءات الفيلسوف الألماني هابرماس في هذا الباب. ومن موقع عضو اللجنة العلمية لندوة هذه الدورة، لابد أن أشير إلى هذا الزخم من المشاركات التي وردت علينا من مختلف بقاع العالم، والتي تبرز درجة التفاعل القوية مع مقترح المركز، وطنيا وعربيا ودوليا، بشكل أصبحت معه محطة الندوة الدولية ل «مهرجان طنجة للفنون المشهدية» منتدى دوليا رفيعا بكل المقاييس، تتبلور فيه الأفكار المضيئة والمقاربات الجديدة لموضوع الفرجة في علاقته بمختلف الحقول المعرفية من جهة، وفي أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، بكيفية تحول الندوة إلى إحدى بؤر الضوء التي تنير لنا كيف تعبر الجماعات البشرية، راهنا، عن علاقتها بمحيطها وكيف تصوغ أحلامها وتطلعاتها لحياة أفضل، لاسيما وأن الفرجة تعد التعبير الأقدر على بلورة هذه العناصر كلها. ومن ثم يغدو تحليل علاقتها بالمجال العام وسيلة للكشف عن مناطق الظل في عقول ووٍجدانات الناس في لحظة تاريخية ما. وبالنظر إلى آثار هذه الرؤية على وضعنا الخاص، تتحول محطة الندوة إلى لحظة مواطنة بامتياز، تشخص مختلف الاختلالات المتصلة بمجالنا العام، مغربيا، وتمارس التحليل والنقد عليه، بكيفية تحول سؤال الندوة إلى سؤال مغربي الروح والانتماء. إن «المركز الدولي لدراسات الفرجة» يقدم الدليل مرة أخرى بتنظيمه لندوة «الفرجة والمجال العام»، على كونه وفيا لأهدافه العلمية والثقافية التي سطرها سلفا، وقادرا على ركوب التحدي لاستمرارية مشروعه، رغم الصعوبات التي تحيط به ماديا ومعنويا. إنه يزداد إصرارا على ترسيخ مشروعه الفكري متعدد الأبعاد، وهو الذي يدفع الكثير من الفعاليات الوازنة، وطنيا وعربيا ودوليا، إلى الإيمان برسالته والالتفاف حول مبادراته العلمية والفنية. هذه المبادرات التي تقف وراءها إرادات طيبة لثلة من الفاعلين المؤمنين بالرسالة النبيلة للمركز والمضحين في سبيل إيصال صوته بجهودهم المختلفة، وفي طليعتهم الدكتور خالد أمين الذي يعد بحق راكب التحديات الكبرى ومهندس المبادرات الخلاقة في حقلنا الأكاديمي والثقافي اليوم.