القاهرة - أ ش أ
صدر مؤخرا للكاتب الدكتور محمد الدمرداش العقالي نائب رئيس مجلس الدولة والخبير في الحركات الإسلامية كتاب جديد تحت عنوان "الإسلام السياسى من عام الجماعة إلى حكم الجماعة " ، يرصد فيه تطورات الإسلام السياسي بداية من عصر الخلفاء الراشدين وما تعارف عليه المسلمون بعـام الجـماعة وحتى الثورة المصرية في يناير 2011 والتي انتهت بتولي جماعة الإخوان المسلمين لحكم مصر لمدة عام ، ثم ثورة الشعب عليهم في 30 يونيو 2013 . وقال الدمرداش وهو أيضا محاضر الشريعة الإسلامية بعدة جامعات مصرية فى حوار أجرته معه وكالة أنباء الشرق الأوسط على هامش زيارته لمعرض الكتاب : " إنه بين عام الجماعة وتولي الجماعة حدثت أحداث جسام واختلفت البلدان والتوجهات ، وظل الهدف واحد وهو الصراع من اجل السلطة ، وتحت ستار الدين قـننت الفتن وطارت الرؤوس وهدمت المساجد ودور العبادة ، كما انتهكت الحرمات وصار الحرام حلالا والحلال حرام , وصـار سفك الدماء وسيلة لتؤكيد الإيمان حتي وصلنا إلي اليوم الذي صار الرويبضة الدعي يفتي بشرعية جهاد النكاح" . وتوقف الدمرداش عند تجربة الرسول (صلى الله عليه وسلم ) السياسية وعلاقـته بالممالك العربية المسلمة التي كانت قائمة في عهده ، وأشار إلى أنه على الرغم من أن الرسول كان يمتلك بلا أدنى جــدال الشــرعية السماوية ، فإنه أقام دولته في المدينة على أساس احترام دور الأمة ، وتضمنت البيعة التي أخذها من المسلمين الالتزام بطاعـته (صلى الله عليه وسلم ) وعدم عصيانه في معروف ، بالإضافة إلى نـبذ الشرك وتجـنب السرقة والزنا والقتل ومساؤي الأخـلاق ، ولم تكن البيعة تفويضا مطلقًا من المسلمين للنبي ، أو خضوعا من طرف واحد لحكم فــرد مطلَق ، وإنما كانت أشبه بعقد بين طرفين يستلزم حقوقا وواجبات لكلا الطرفين . وأضاف : " لم يكن الرسول يهتم بفرض سلطته السياسية على القبائل العربية التي كانت تدخل في الإسلام ، بقدر ما كان يهمه ويشغله أمر التوحيد والصلاة والزكاة وتثبيت دعــائم الدين الحنيف ، لم يفرض شكلا للحكم أو الحكومة على من اتبعه ، بل ترك أمور الدنيا يصرفها كل مجتمع حسب حاجاته وظروفه" . ودلل الدمرداش علي أن دستور المدينة الذي صاغه النبي (صلى الله عليه وسلم ) نظم العلاقة بين أهل المدينة من جميع الأعراق والأديان، علي أساس المواطنة فى الدولة ، وبين أنه لا فرق بينهم فى تحمل المسئوليات، وأنه لا حق لأحد أن يُمْنَح شيئًا من التمييز على حساب الآخر، أو أن يفرق بينه وبين غيره على أساس عقدى أو عنصري؛ فالإسلام يقرر أن معيار التمييز والتكريم هو العمل الصالح وخدمة المجتمع والحفاظ على أمنه وسلامته. وأوضح انه عرض فى كتابه عهد الخلفاء الراشدين الذي عايش فيه المسلمون نوعـا من الحكم المنبثق عن رضا الأمـة عبر مبايعة أهل المدينة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وإن اختلفت صيغة وشكل مبايعة كل منهم ، مع الإشارة للحوادث التاريخية البارزة التى مرت بعهد كل خليفة منهم رضوان الله عليهم ، وصولا للصورة المختلفة والسابقة الدستورية الخطيرة التي شكلها تحويل معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلى ملك عضوض إثر تنازل الإمام الحسن بن علي عن الخلافة . وأضاف أن الإمام الحسن عول في تنازله على فهم خاص له عن حق الإمام المطلق في اتخاذ أي إجراء يفضي إلى حقن دماء المسلمين إلى درجة تسليم السلطة إلى خصمه وخصم أبيه اللدود معاوية بن أبي سفيان، مما شكل سابقة وصدمة عنيفة لأنصاره .. وتناول الكتاب أيضا شرحاً لما آلت له دولة الإسلام في عهد الدولة الأموية ، والحوادث الجسام في عهد يزيد ومن بعده حتى سقوط دولتهم وقيام دولة بنى العباس . وأوضح الكاتب انه عرض لما استفتح به العباسيون عهد دولتهم من الانتقام المروع من بني أمية، أحيائهم وأمواتهم على السواء ، ثم تحول المواجهة الي صدام دامى بين الطالببين والعباسيين ، ثم الأزمات التى ضربت بعد ذلك الخلافة العباسية حتى سقوطها علي يد المغول بعد أن كانت أكبر دولة في تاريخ الإسلام ، وقد طال عليه الأمد في أطوارها المختلفة خمس قرون ويزيد ، واستطاعت أن تصل بحدودها الموحدة إلي ما لم تصله دولة للمسلمين من قبل أو من بعد ، لكن تهاوت أركان الدولة ، وتفككت أوصالها بعد مجد أطبق ذكره الأفاق لغياب العدل والشورى الحقيقة ، وانتشار الظلم والمحاباة وضياع أحكام الدين وسقوط الخلفاء تلو الخلفاء في هوة الفساد الأخلاقي والمالي ، موضحا تفصيلا الأسباب لهذا السقوط المروع . كما انتقل فى كتابه إلي ما آل إليه الحال بعد ظهور الترك ، بدء من تغلغلهم في مفاصل الدولة العباسية ، في أوج اشتعال الصراع بين العرب والفرس ، وسرعان ما استطاع الترك التفوق علي العنصرين الأخيرين بمرور الوقت ، ولم يقتصر التفوق فقط في شئن الجندية والحراسة ، بل تخطاه إلي دواوين الإدارة وبلاط الملك ، وخاصة في فترة الخليفة المعتصم . ولفت إلى أن ميلاد الدولة العثمانية كان غامضاً كمعظم الدول في بداية عهدها بالحياة ، فعند ميلاد دولة من الدول يبدو الأمر في حينه لا يستحق الانتباه والرصد والتسجيل ، إلي أن يـكتب لهذه الدولة البقاء والدوام وتظهر علي مسرح الأحداث ، مروراً بسلاطين الدولة العثمانية وما خاضوه في أوروبا واسيا وإفريقيا من حروب وما شهدته دولتهم من فتن .. حتى جاء أتاتورك وسقوط الدولة العثمانية .. ثم صراعات الهوية و الصورة الغارقة في المفارقة فبينما كانت الإذاعة التركية تبث الموسيقي الغربية الحديثة صباحاً ، كان كثيرا من الأتراك وخاصة البسطاء يتمايلون ليلاً علي مدائح الصوفية وأهازيج البردة النبوية . وعرض لصراعات الأتراك بعد أتاتورك وايفرين .. وظهور أربكان وتيار الإخوان ثم سطوع نجم أردوجان في عهد تنظيم الإخوان الدولي .. وسرد قصة الإسلام الشيعي ونظرية ولاية الفقيه وما ادخله الخومينى من تجديد في الفكر السياسي الشيعي .. ثم رسم صورة الصراع في سوريا من بدء ظهور الالبانى وصدام حافظ الأسد بالإخوان وما انتهى إليه الحال اليوم في سوريا وخارطة التنظيمات السلفية هناك . وعرج المؤلف علي المملكة العربية السعودية والبدايات الاولي لفكر الإخوان النجديون وما أحدثوه من تدمير للبقاع المقدسة بمكة والمدينة ، و تحالفهم ثم صراعهم مع الملك عبد العزيز آل سعود وصداماتهم مع الدولة بعده وصولا لاحتلالهم الحرم المكي وقصة جهيمان العتيبى والمهدي .. والظهور الأول لفكر أسامة بن لادن و تنظيم القاعدة . وسلط الضوء علي تجربتين للإسلام السياسي في باكستان وصراعات المودودي صاحب نظرية الحاكمية والجيش هناك ، واندونيسيا منذ عهد سوكارنو وسوهارتو وحلم الإخوان وزعيمهم أبو بكر باعشير في إحياء دولة الإسلام وفق تصورهم . ثم انطلق الكاتب ليرسم صورة المشهد الجزائري وظهور التيار الإسلامي وخصوصا المنتمى لتنظيم الإخوان ، وما حدث في الصراع الدامى فيما عرف بالعشرية السوداء ، وما انتهت له جهود المصالحة هناك ، وبعدها يحكى المؤلف قصة الإسلام السياسي في السودان وتحالفات الترابي والنميري ثم البشير ، وبعدها حرب تكسير العظام بينهما . وأفرد الدمرداش لتنظيم الإخوان المسلمين بمصر بحسبانه الرحم الذي خرجت منه جميع التيارات الإسلامية الحديثة ، وبداياته علي يد حسن البنا ومقتله ، ثم التحول الدامى علي يد سيد قطب راصدا خروج التيارات الجهادية المختلفة من عباءة الإخوان فترة الستينات والسبعينات ، وما انتهى له حال جماعة الإخوان .. مشيرا إلي خريطة التيارات السلفية في مصر وروافدها الثلاث من الدعوة السلفية وجمعية أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية ، ونجوم الفضائيات من مشاهير الدعوة ومن ورائهم .