بيروت ـ المغرب اليوم
وقّعت الكاتبة الشابة بسمة الصيادي كتابها الأول خلال ندوة دعا إليها دار أوراق الزمن في مركز الصفدي الثقافي، في حضور حشد من المفكرين والأدباء والمثقّفين والأهل ومحبي بسمة التي كتبت في مؤلَّفها تجاربَ حقيقية لم تعشها بل «كُتبت في صفحتها البيضاء» حيث تنصح أحباءها: «لا تعش كَوَردة عند نافذة تنتظر دائماً مَن يسقيها»، فتصل الى ذروة الموقف الإنساني قائلةً: «لو يأتي مَن يصلبني لأحمل عن البشرية ذنوبها عساني أنزف كل هموم الأرض وأحزان الوطن ويعود العالم نقياً».
ترى بسمة أنّ ليس هناك أوطان من زجاج بل هناك إنتماء من زجاج: «لمّا طُلب إليّ أن أكتب فكّرتُ أن أعتذر لكنّني خجلت من بريقٍ في عينيّ صديقتي رولا مظلوم لبّس، التي عرفت كيف تحقق الحلم بعيداً من الأرض، فآمَنَت بي قبل أن أثق أنا نفسي بقلمي، بفضلها وبفضل أستاذي الدكتور جوزيف لبس الذي أَمسَك بيدي طول الطريق». ولا تنسى بسمة في مقدّمة كتابها، الأديب المصري الكبير ربيع عقب الباب وصديقها محمد زكريا سنبل وأمها التي علّمتها النضال من أجل إثبات الذات، ووالدها الذي ناداها من الصغر بالدكتورة وإنتظر ليتحقق حلمه بها.
وأضافت: «حين بدأتُ الكتابة لم أدرِ أنني أشق طريقاً في الأدب أو أنّ هذه الكتابات ستبصر النور يوماً. كلّ ما أردته هو تأمّل الحياة ومحاولة فهمها ومشاركة الإنسان في همومه ووجعه. فما أسهل الحكم على الآخرين! أما محاولة تفهُّمِهم وإنصافِهم فتلك لن نجد لها حلّاً عندما نرتقي ونؤمن بأنّ ذلك الإنسان المختلف عنا البعيد هو نحن بشكل أو بآخر».
وتضيف: «الأدب هو العطش الدائم للحب وللحياة وللموت. أحياناً تكتب عن العشق لا لأنك تملكه، تكتب عن السعادة لا لأنك تعرفها، عن الموت لا لأنك جرّبته بل لأنّ ورقتك البيضاء تعرف العشق، والسعادة والموت والحياة وكلّ شيء ولذلك نحن نكتب لكي لا نموت، لكي لا ينكسر الشيء الجميل في دواخلنا، كي نبقى معاً قبالة الشمس، من دون أن نحترق وقبالة الشفق من دون أن نغرق في الغياب».
قسّمت الكاتبة «معطف الرماد ... جسد الضوء» الذي يتألف من 344 صفحة ثلاثة أبواب أولها المجموعة التأمُّلية في حكم وتأملات وخواطر وثانيها مجموعة شعرية، أما ثالثها فمجموعة قصصية بين قصص قصيرة وأُخرى قصيرة جداً.
وفي تقديمه للندوة قال الدكتور جان توما: «تصرّ الزميلة بسمة الصيادي على أن تلبسنا معطف الرماد لنصير من أتباع جسد الضوء، لكأنّ ما كتبته خلاصة عمر وأنت مازلت في طلّتك الشابة. لا تفكري كثيراً في هذه الدنيا أتركيها تفكر فينا لعلها تتعب من التفكير، فتتركنا أطفالاً نتهجأ بعض شعرك وسردك».
بدوره قال الدكتور جورج حداد: «حوّلت عينيّ نحو البحر، لفتتني سمكة تنساب برشاقة ثم إثنتان تتهاديان متساوفتين ثم واحدة تقود جمعاً غفيراً. إنه عالم الحياة، فهذه المتناقضات لا تُتخذ إلّا بهذا اللون من العاطفة القوية الصافية النقية التي تتّسع بصفائها ونقائها لأن تشمل الكون. ومن هنا نفهم كيف يتحوّل هذا الصمت عندها فتقول: «أنا لا أكتب ... أنا أسرق من الليل بعض صمته... لا أكتب لأبوح.. أكتب لأصمت قليلاً».
وأضاف: «لعلّ دفاعها عن الكتابة يتجلّى في التحدّي الذي تطلقه في وجه أعداء الحرية حيث تقول: تقدرون أن تبتروا بناني، أن تخمدوا نبضي لكنكم لم تخترعوا مشنقة للحروق، ولا وجدتم الى موتها سبيلاً».
وفي كلمته قال الدكتور جوزيف لبس: «قبل أربعة أعوام، كنت أجتاز 150 كيلومتراً وصولاً الى الفيحاء. وقبل أن يلوح وجهها خلال حجابها الشفاف، كانت تروعني مشاهد لم أرها قبلاً: سائق باص يقود بسرعة الصاروخ وهو يسبِّح بسبحته، فتىً في الثانية عشرة يحمل على رأسه أربع صواني كنافة تحت المطر، حيوانات كثيرة لم تستطع إجتياز العوائق أو الإلتفاف حولها، فنفقت على جانبي الطريق، مدخنون من كل حدب وصوب، وكأنّ المدينة تقع على فوهة بركان لا على «جبل إله» (تربل)، ولا هي تنقسم الى «بلد ومينا، وبينهما البساتين»، ولا كانت ذات يوم عاصمة المسالك الثلاثة (صور وصيدا وأرواد)، ولا عدَّها الكتبة الإفرنج «كجنّات عدن».
ودارت الأيام دورتها، والتقينا مجدداً على صفحة التواصل الإجتماعي وقرأتها ناثرة شاعرة حكيمة، وقلت في نفسي ما قال توفيق الحكيم في أوسكار وايلد: «إنّ لها قلماً يلفظ ذهباً». وكانت الباكورة «معطف الرماد جسد الضوء» هل قلت باكورة؟ بل هي الحقل الخصيب وقد سنبل وإكتمل وإستوى على شوقه».
من جهتها، إستهلت الدكتورة هلا الحلبي كلمتها قائلةً: «بسمة بين سحر الخرافة والنجوم الشاردة»، واصفةً الكتاب: بمعطف من ضوء الكلمات تدرّجت عكس الزمن لتحاصر رماده، وتخطّ على خجل صفحات صفراء لا تخلو من نفس رومنطيقي مازوشي، من قصائد لشاعرة واعدة تحاول أن تقارب الموجودات وتتلمّس نفسها، في منظومة الكون وهي ترسم حدودها مع الزمان والمكان والآخر بعد نصف قرن من إنطلاق القصيدة الحديثة مع الرواد العراقيين».