الإسكندرية ـ أ.ش.أ
صدرت عن دار كلمة للنشر والتوزيع بالإسكندرية رواية "تغريبة بني صابر" للروائي مختار سعد شحاته، وهي تجربة تستحق الوقوف عندها بما لها من دلالات خاصة لعل أهمها كسر حوائط المركزية التي تسيطر على المشهد الأدبي والفني في مصر، وهي علامة ميلاد أدبي جديد على مستوى النشر وعلى مستوى الكلمة والحكاية في تأكيد على أن خارج إطار المركزية يمكن لنا أن نجد أعمالا جادة ومبشرة وتستحق حقها من الدراسة والنقد.
تحكي الرواية في عمومها حكاية مصري مغترب "حسن مسعود صابر"، والذي يختفي بعد وفاة زوجته في مدينة كيرونا في السويد، ويبدأ ولده "نور حسن" في العودة إلى مسقط رأس والده للبحث عنه، ويتبع في رحلة بحثه علامات وإشارات من والده كان يعطيها له على مدار حياتهما معا في كيرونا، وحتى يصل إلى حقيقة ما حدث لوالده، يظل في رحلة العلامات والاكتشافات، وذلك ما بين الحكي المباشر أو بتقنية "الفلاش باك" على غرار صناع السينما.
لعل أهم ما في تلك الرواية هي انتصارها لفن "الحكي"، فتغريبة بني صابر تنتصر بقوة لهذه الفكرة وتخلص لها إلى الحد الذي تنسى نفسك معه وتدخله مستمتعا بكم الحكي المذهل وطلاقته وسلاسته بما لا يخدش سيمترية النص أو يخل بألية العمل الروائي.
يحكي مختار شحاته معتمدا على لغة طيعة تتلون بتلون طبيعة الحكاية ومن يحكي، فتراها تتشكل في التناوب بين أكثر من مستوى لغوي، يعكس كيف يمكن للثقافة اللغوية أن تكون رافدًا مهما في بناء الحكاية، بل ويجب أن يتمسك بع الروائي ويتقنه، وهو ما برع فيه الكاتب بشكل رائع، يجعلنا نفطن إلى ذائقته اللغوية، وطبيعة وخلفية دراسته وثقافته.
جاءت رواية "تغريبة بني صابر" انتصارا للحكي المصري والأساطير المصرية في تلك المنطقة شديدة الخصوصية بثقافتها وتاريخها، وبما تحمل من إشارات إلى حجم هذا التراث الهائل هناك، والذي استطاع مختار شحاته أن يلمس عليه بالنذر اليسير.
فكما نقل لنا نجيب محفوظ تفاصيل الحارة القاهرية، وكما نقل لنا خيري شلبي تفاصيل حياة الفلاح المصري، فمختار شحاته يحذو حذوهما فيعرفنا إلى عالم الصيادين في أقصى الطرف الجنوبي الغربي من بحيرة البرلس، ليؤكد لنا أن هذا البلد العريق مصر، يحمل في كل شبر من أرضه كنوزا إنسانية تستحق التنقيب عنها.