بغداد - وكالات
بعد أن كتب روايته الأولى “بين الأعور والشيطان” والتي تدور أحداثها خلال الثلاثة أسابيع الأخيرة قبل سقوط النظام وتحكي التفاصيل اليومية لمجموعة من الشباب.. يطالعنا اليوم الكاتب يوسف هداي ميس بروايته الجديدة “أصفاد من ورق” حيث يشتغل على مساحة لم نألفها من قبل لدى الكتاب العراقيين، فقد اختار الكويت فضاء لروايته واختار موضوعا كويتيا صرفا، ومن هنا تتأتى أهمية الرواية.. حيث كتب عن موضوع حساس ومهم بالشأن الداخلي الكويتي، يتعلق بشعب فقد هويته ولم يعرف حقيقة انتمائه. ليس كل الشعب الكويتي بالطبع وإنما هم فئة”البدون” والتي تتناول وسائل الإعلام قضيتهم ب شكل خجول، رغم حجم المعاناة.. تدور أحداث الرواية خلال فترة الثمانينات من القرن المنصرم وهي الفترة الأصعب في تاريخ هذه الفئة التي بلغ التضييق خلالها أعلى مستوياته. بطل الرواية شاب اسمه فهد، له طموحاته الكبيرة بأن يصبح طبيبا وأن يتزوج من ابنة عمه التي أحبها بشغف، بيد انه يصطدم بحالة حصار تفرضها عليه الحكومة الكويتية، وحالة القتل المدني كما جاء على لسان البطل وذلك عن طريق تهميشهم وعدم منحهم أية ثبوتيات تحدد معنى تواجدهم أو كنه هويتهم.. يصف الكاتب هذا الحيف الذي وقع على “البدون” بأنه أشبه بقيود تكبلهم وتمنعهم عن تحقيق أبسط أحلامهم. ليست هي بقيود حديدية، بل هي عوائق وضعت لغرض خنق هذه الفئة ومحاصرتها بقوانين مكتوبة يعتبرها الكاتب “أصفاد من ورق” تقيد حركة فئة البدون. الرواية عبارة عن بحث عن الهوية الضائعة، ولعل كل من يقرؤها يتساءل عن أصل هذه الفئة وهويتهم الحقيقية كما جاء في الرواية على لسان بطلها فهد: ” هل نحن أمة حتى نبحث عن وجودنا؟ أم علنا طائفة ما أو أقلية تروم انتزاع الاعتراف الدولي بكيانها؟ كلا..وعلى العكس من ذلك، فنحن نبحث عمن يلغينا، ينهي كياننا، نتمنى لو نعدم هذه الكلمة من قاموس الحكومة الكويتية، فخلاصنا في إلغائنا.” لعل السؤال عن هوية “البدون” يقودنا للتساؤل عن هوية الرواية ذاتها، هل ندرجها ضمن الروايات العراقية كون كاتبها من العراق أم نعتبرها رواية كويتية لأنها تعيش أحداثا كويتية صرفة. وتتعرض لتابوهات سدلت دونها وسائل الإعلام ستارا يحجبها عن الظهور.. أكثر ما يثير الانتباه صورة الغلاف والتي تعبر عن مضمون الرواية، وهي صورة فوتوغرافية، لشاب تغطي كل وجهه ورقة يحملها كتب عليها”البدون يشهد لهم 1920، 1967، 1973، 1990″ وهي أعوام ابلي بها البدون بلاء حسنا في معارك خاضتها الكويت.. لا شك إن ما يكشف عنه المؤلف في هذه الروايه سيثير دهشة القارئ. فقد استطاع من خلالها طرح قضيه أزليه لاتوجد أي أراده سياسية في تسويتها منذ سنين عده ، فهو يعلن وبصراحة ان هذه الفئة ، تحتاج إلى تسليط الضوء إعلاميا وسياسيا لفئة لاتعرف انتمائها ، ولو قرأنا هذه الرواية قراءة حقيقية ، لأدركنا سمو أهدافها ونبل غاياتها الأخلاقية والروحية ا لتي هي تأكيد لقيم التسامح وتقبل الآخر، واحترام حقوق الإنسان ورفض مبدأ العنف الأديب الروائي يوسف هداي ، يمتلك قلباً رقيقاً تمكن من أن يصيغ به أروع القصص الاجتماعية والرومانسية وينسج خيوط شخصياتها لتصبح في النهاية عملا مكتملا يقدم للقارئ كل الفائدة والمتعة معاً. وهذه قراءة انطباعية سريعة عن روايته الأخيرة التي ابرزت فقدان الهوية الضائعة للإنسان ثم المجموع في وطن لايعترف بالهويات لأسباب عدة ندعوكم ان تشاركونا المتعة في تصفح اوراق هذه الرواية التي ارى بأنها ستحدث ضجيجا نقديا ان صح التعبير في الوسط الثقافي ، في محيط المنطقة لما تتناوله من موضوع غاية في الحساسية لاسيما في الوضع الراهن اليوم .