الرباط - وكالات
الرواية الذاكرة... حاجة تنشأ داخل الفعل الثقافي... توثيق تاريخي موازي يرفض الإملاء والتضييق ، إنها رديف للحياة في تشكلاتها وبنياتها حيث المساحة لاستيعاب كل اشكال التوترات الإنسانية وعبور نحو تحقيق صور الأمل ومنطق التعايش الذي يصبو إليه الإنسان. هذا المدخل فرضه إصدار المناضل الحقوقي عبد الحميد البجوقي الذي ولد من رحم معاناة المنفى ليكون إضافة توثيقية لمرحلة عويصة عرفها المغرب في الثمانينات والتي اصطلح عليها بسنوات الرصاص... عبد الحميد اختار التوثيق في حلة إبداعية بعمق إنساني شفاف انصهرت فيه الذات بتلقائية مشكلة علاقات مع أحداث فرضت عليه ، وأحداث صاغها من وحي الذاكرة ليحدد من خلال ذلك تيمة إبداعه التي تبدت صدى مدويا غطت الفضاء الروائي. إنها تيمة المنفى لا في كلاسكيته المرتبطة بالغربة وصعوبة الاندماج ولكن بحضوره داخل الذات كلون ومادة للشم ولغة للتداول وروح للاستكان. شخوص عبد الحميد في عيون المنفى شاركته هموم الذات ، شخوص تجسدت من خلال السرد لتبرز هلامية تتجاوز تشكلها المادي لتعكس معنى لا متناهي في وضعها المتجسد لتتحول إلى رموز فنية وصور مركبة لها مرجعياتها التي تتحدد في علاقتها بتيمة المنفى من جهة وذات عبد الحميد عبر سعيد من جهة أخرى. في عيون المنفى عبرنا مع عبد الحميد سعيد إلى الضفة الأخرى عبورا تبدى أفقا مظلما خلق فتنة لدى المتلقي على شكل أسئلة استباقية انصهر فيها مع انتظارات عبد الحميد سعيد نفسه في عبوره وهو يرسم خطوط استحضاره للآخر وتعامله مع الوضع الجديد في مواصلة النضال من أجل قضيته وفي نسج علاقاته مع محيطه. في عيون المنفى حقق عبد الحميد حضورا حفر من خلاله الذاكرة ليقرب القارئ من مرحلة عنيفة ودموية عاشها المغرب معتمدا في ذلك على بناء تخييلي حضرت فيه الذات متمثلة للتناقضات والمآزق وصور قمع الحريات في أفق سياسي إبداعي متوازن تجلى ذلك كله في التراكم الذي غذته تجربته النضالية وقراءته لذاته التي لم يقمعها بل روضها لتتبدى رقيقة تشعر وتحس ، تتوتر وتتوتر، تهدأ وتتزن مستوعبة كل المواقف والوضعيات صيانة لها في صراعها مع كنه وحقيقة المنفى ... لقد قدم لنا عبد الحميد واقع المنفى بقلم فنان ، آلياته ذوقه الرفيع في عرض مشاعره العميقة المبرزة لقيم مستقرة في وعيه ولاوعيه الانساني والتي تشكلت كمعاني موجودة في الحياة تحولت إلى صور يتفاعل معها ، ويتلذذ بعرضها مدركا أبعادها الجمالية والفنية ، في إيقاع تحكمه في الأول والأخير تيمة المنفى. وأخيرا تعتبر رواية « عيون المنفى « نافذة فسيحة نطل من خلالها على تجربة إنسانية تؤرخ بشكل إبداعي شيق لواقع مغرب جريح ناضل أبناؤه من أجل تلميع صورته ناشدين الحرية كقيمة تنبذ كل أشكال الظلم والعدوان وترفض الباطل والاضطهاد لتكون إضافة نوعية للمكتبة المغربية. مشروع ربط هذا الدوار ، الذي يعتبر تجمعا سكانيا عشوائيا كباقي الدواوير المجاورة ، التي تزخر بها هذه العمالة حيث تعتبر خزانا انتخابيا لبعض الوجوه ، تتكلف به شركة ليدك، و التي «استأجرت»احدى الشركات المختصة للقيام بحفر هذا النفق بعمق 6 امتار لربطه بشبكة الواد الحار، و العاملان الضحيتان يعملان بهذه الشركة ، حيث أكد للجريدة أخ الضحية عزيز صابر، أن شقيقه يشتغل بهذه الشركة لمدة 7 سنوات دون أي ترسيم و دون ان توفر له الشركة تغطية صحية و لاحماية و لا اي شئ حتى أجرته يتسلمها إما شهريا او في نصف الشهر، وقد وجد نفسه مضطرا للعمل لضمان توفير سبل العيش، خصوصا يضيف أخ الضحية، انه يساعد عائلته بنواحي اقليم اسفي. وقد حضر هذا الاخ فورا بعد ان تم إخباره عن طريق اتصال هاتفي ، أما والدته فلم تتحمل الصدمة، فما كادت تسمع الخبر حتى انهارت، شأنها في ذلك شأن والده ، حيث قصدا مدينة الدار البيضاء في الحين. عائلة حميد شفيق هي الاخرى لم تتمالك نفسها حين بلغها هذا الخبر المشؤوم. «لكن هذا قدر الله و هذه حكمته» ، بهذه الكلمات كانت تتلقى مواساة الجميع . فاجعة دوار الضرابنة كشفت واقعا مرا ، يتجلى في المغامرة بأرواح ابرياء، ذنبهم الوحيد هو السعي و راء الحصول على لقمة العيش، فالشركة التي يعمل بها القتيلان لا توفر ادنى شروط السلامة المهنية، رغم ان الاوراش التي تتسلمها لا تخلو من الاخطار ، يصرح أفراد من الأسرتين المكلومتين. وعقب هذه الفاجعة طرحت تساؤلات حول القيام بدراسة مسبقة للموقع و لأرضيته ، خصوصا و ان هذه النقطة بالذات و التي تم الحفر بها ، كانت ممرا لمياه الامطار القادمة من الطريق السيار والتي اصبحت تصب في اتجاه يمر من قلب دوار الضرابنة ، فالاتربة هشة و لا بد لها من تدعيم حتى لا يقع مثل الذي وقع! ايضا لا توجد اي لوحة بالقرب من الورش توضح و تبين نوعية هذا الحفر و طوله و هدفه و الجهة التي تموله و مكتب الدراسات الذي انجز الدراسة و المقاولة التي تشرف على الحفر، الى جانب انعدام وسائل التدخل السريع في حالة ما اذا وقع مكروه او خطر و لا حتى وسائل الاغاثة الاولية ، زد على ذلك ان رجال الوقاية المدنية حين حضروا لعين المكان لم تكن لهم وسائل متطورة فقط الاحبال و بعض السلالم و «البالات» و اعتمدوا فقط على الخبرة الميدانية للعناصر و على رافعة / الجرافة التي تستعمل للحفر و على سائقها! إن ما وقع يوم الجمعة بدوار الضرابنة يستلزم فتح تحقيق عميق و دقيق ، بشأن الظروف التي وقعت في ظلها هذه الكارثة، من خلال الجهات المتدخلة في مثل هذه الأوراش، بدءا من مجلس المدينة و شركة ليدك و الشركة التي تقوم بإنجاز هذا الربط . وقد انتقل إلى مكان حدوث الفاجعة رئيس المنطقة الامنية لامن عين الشق و مختلف الأجهزة الامنية : الشرطة العلمية الشرطة القضائية الدرك الملكي القوات المساعدة ،وكذا عامل عمالة مقاطعة عين الشق، إلى جانب عدد غفير من سكان دوار الضرابنة و الدواوير المجاورة الذين استنكروا الاستخفاف بأرواح المواطنين بعدم توفر الوسائل الضرورية للعمل و للاغاثة، هذا و تم نقل الجثتين الى مستودع الاموات بالرحمة في انتظار إجراء المساطر الطبية و القانونية قبل تسليم الجثتين لذويهما للدفن.