بغداد - المغرب اليوم
كشف محافظ ذي قار، يحيى الناصري، عن تسجيل 750 إصابة بمرض السرطان في عام 2014، بسبب وجود إشعاعات نووية في المحافظة، مبينًا أن الاصابات في تزايد مستمر، مع عدم قيام الجهات ذات العلاقة بمعالجة أسباب هذا التلوث.
وقال "الناصري" إن سبب انتشار مرض السرطان في المحافظة هو مواد مشعة منتشرة في أماكن متعددة من المحافظة، وهي عبارة عن مخلفات حربية تعود إلى حرب عام 1991 وحرب عام 2003.
وينفرد العراق باستمرار تعرض أبنائه للإشعاع منذ 14 عامًا، وكأنما لا يكفي ما عانته الغالبية الساحقة من العراقيين وهي تعيش، منذ نحو ثلاثة عقود، في بيئة موبوءة بسموم أخطر الملوثات.
ومنذ ذلك الإعلان، لا تزال المشكلة قائمة، اذ يؤكد مجلس المحافظة وجود مواقع مشعة لا تزال تنشر مرض السرطان بين سكان المحافظة، إلى الحد الذي دفع منظمات دولية إلى تخصيص 11 مليون دولار لإنشاء مركز لمعالجة مرضى السرطان، في وقت كشف فيه مصدر صحي عن إصابة ما يقارب 13 ألف مواطن، على الأقل، في عموم المحافظة، لكن الأمر يجري التكتم عليه بسبب مخاوف متعددة، من دون أن يكشف عن طبيعة هذه المخاوف.
وأكدت وزارة البيئة العراقية وجود أكثر من 300 موقع ملوث في العراق، يحتمل وصول أضرارها إلى22,5 مليون نسمة، في عموم المحافظات. وأضافت أنه تم اختيار خمسة من المواقع الأكثر تلوثًا، وهي مخازن الصويرة، لتلوثها بالمبيدات الزئبقية، وموقع عويريج، لتلوثه بالعناصر الثقيلة ومركبات الفينول المتعدد الكلور واليورانيوم المستنفد، وموقع القادسية، الملوث بكبريتات الكروم والسيانيد، وموقع المشراق، الملوث بالكبريت ومركباته، وموقع خان ضاري، الملوث بمادة رابع أثيلات الرصاص.
وأعلن مصدر في وزارة الصحة العراقية عن وجود أكثر من 140 ألف عراقي مصابين بالسرطان حاليًا، تضاف إليهم 7500 حالة جديدة كل سنة. ويستقبل مستشفى الطب الذري والإشعاع في بغداد كل يوم نحو 150 حالة من كل المحافظات. وتوقع خبراء أن يرتفع عدد الاصابات في العراق إلى أكثر من25 ألف إصابة سنويًا.
وفي حين تؤكد التقارير الطبية وفاة عشرات الآلاف من العراقيين والعراقيات المصابين بالسرطان لأسباب عدة، لمس القاصي والداني مدى تجاهل سلطة الاحتلال لتفاقم التلوث الإشعاعي الخطير، الذي سببته ذخائرها الحربية المشعة، وعدم قيامها بأي إجراء لدرء المخاطر، ناهيكم عن معالجة المشاكل البيئية الوخيمة، وإنكار وجود التلوث الإشعاعي في العراق، ومخاطره، التي ظلت تنفيها.
وكشف مدير الشرطة البيئية في محافظة ذي قار، رشيد عبيد، عن وجود سبعة مواقع ملوثة إشعاعيًا في المحافظة، مؤكدًا أن بعض هذه المواقع لا يزال غير معالج، وعرضة لعوامل الطبيعة والتعامل البشري غير المختص.
وأشار إلى أن فرق المسح البيئي الميدانية تمكنت من رصد سبعة مواقع ملوثة بالإشعاع، وهي في مناطق مختلفة من المحافظة، لافتًا إلى أن بعض المواقع تمت معالجتها بشكل كامل، مثل قطع غيار السيارات اليابانية الملوثة، إثر انفجار مفاعل فوكوشيما في اليابان، حيث قامت بعض الجهات بإدخال قطع السيارات الملوثة إلى المحافظة عبر منافذ إقليم كردستان العراق، إلا أن فرق المسح الميداني تمكنت سريعًا من رصد هذه القطع، حيث بلغ عددها 266 قطعة غيار ملوثة.
ويضيف: "أثر ذلك بادرنا بإقامة دعوى قضائية ضد الجهات المستوردة، وبعد الكشف الدلالي تبين وجود هذه القطع في مرائب في مركز المحافظة، وكذلك في قضاءي الشطرة وسوق الشيوخ، لتتم بعد ذلك مصادرة هذه القطع ومعالجتها عبر حجرها في محجر مؤقت، خُصص لهذا الغرض".
وعن المواقع الأخرى، يقول "عبيد": "تم اكتشاف قطعة مدفع في قضاء الغراف، التابع لمحافظة ذي قار، وكذلك تم اكتشاف تلوث إشعاعي في موقع 22 النفطي، وتم رفع هذه المشعات من هذه المواقع بالتنسيق بين دائرة بيئة ذي قار والعلوم والتكنولوجيا".
ويضيف: "هناك أيضًا ثلاثة مواقع أخرى ملوثة إشعاعيًا، هي مواقع تابعة لمديرية الجنوب الغربي، التابعة لوزارة الكهرباء في المحافظة، وهي مواقع ملوثة بسبب العمليات العسكرية عام 2003، حيث تتوزع في مقر المديرية، وكذلك المخازن الريفية التابعة لها، والمخزن الرئيسي". وأشار إلى أن هذا التلوث عبارة عن كتل كونكريتية ملوثة، مضيفًا: "هناك أيضًا تربة ملوثة باليورانيوم المنضب، إلا أن المشكلة التي تواجهنا هي غياب التنسيق والعمل الكافي لرفع هذه المواد المشعة من قبل الدائرة ذات العلاقة، حيث إن هذه المواقع هي مواقع عمل مستمر، وهناك موظفون وعمال يعملون ضمن نطاق هذا التلوث، إلا أن وزارة الكهرباء ودائرة العلوم والتكنولوجيا في المحافظة لم يقوما بما هو مطلوب من أجل وضع حد لهذه المشكة الخطيرة".
ولفت إلى أن مديرية شرطة البيئة قامت من جانبها بثبيت هذه المواقع في تقرير مفصل، وتقديمه إلى القضاء للبت فيه، وإلزام الجهات المعنية برفع هذه الملوثات الخطيرة. وعن إمكانية رفع هذه الملوثات الإشعاعية، أكد "عبيد" أن هناك خلافًا بين وزارتي الكهرباء والعلوم والتكنولوجيا المنحلة بشأن تنفيذ عقد بمبلغ أكثر من 100 مليون دينار عراقي، لرفع هذه المخلفات، إلا أن "إجراءات بيروقراطية" حالت دون تنفيذ هذا العقد، حتى الآن .
وحمَّل "عبيد" وزارتي الكهرباء والعلوم والتكنولوجيا مسؤولية عدم رفع التلوث من دائرة الكهرباء، مؤكدًا أن تقارير مركزه أثبتت بالأدلة ظهور العديد من حالات الإصابة بالـ"لوكيميا" (سرطان الدم)، وكذلك حالات التشوه الخلقي بين الأطفال، وضعف الإخصاب، وغيرها من الأمراض.
أما الموقع الأخير، وفق "عبيد"، فاكتشف أخيرًا في مقر قاعدة الإمام علي الجوية، غرب مدينة الناصرية، وهو عبارة عن مقاومة طائرات ملوثة إشعاعيًا، وفي مكان آهل بالعسكريين، ما يستدعي سرعةً في متابعة هذا الموقع، مضيفًا: "لجأنا الى القضاء العراقي لالزام الجهات المسؤولة بسرعة التحرك ورفع هذه المقاومة الملوثة". وأشار إلى أن وزارة العلوم والتكنولوجياأنشأت، في وقت سابق، محجرًا مؤقتًا لتخزين المواد المشعة، غرب مدينة الناصرية، ولكن هذا المحجر يفتقد شروط السلامة والأمان، وهو غير مطابق للمواصفات العالمية، حيث إن هذه المقبرة الكيميائية الخطرة عرضة للرياح وتجريف التربة والحيوانات السائبة، وغيرها، ما يعني إمكانية تسرب هذه الملوثات إلى المياه الجوفية، وكذلك تجريفها بالرياح ونقلها إلى المدينة، مطالبًا بايجاد حل لهذه الكارثة النووية التي تحيق بمدينة الناصرية، وإلا فإنها في طريقها إلى التوسع والتحول إلى كارثة، مضافة إلى كوارث المواد المشعة المنتشرة في عموم المحافظة.
وقال علي عطية شجر، رئيس لجنة المتابعة في مجلس محافظة ذي قار، إن المحافظة سجلت، منذ عام 2013، تزايدًا في حالات الإصابة بمرض السرطان، وبمعدلات مرتفعة. وأرجع ذلك إلى التلوث الإشعاعي الناجم عن العمليات العسكرية، التي جرت على أرض المحافظة خلال حرب 2003، وما تلاها، مضيفًا: "هناك سبب آخر لظهور حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، حيثُ تستخدم الشركات العاملة في حقول نفط المحافظة، لاسيما حقل الغراف النفطي، موادًا مشعة في عمليات الاستكشاف النفطية، وهي من المواد المحرمة".
وتابع بالقول: "لوحظ وجود أسباب إضافية لحالات الإصابة بالسرطان، منها الرمي المباشر للمخلفات الطبية دون معالجة في نهري الغراف والفرات، مضافًا إلى ذلك معامل الطابوق التي تقوم بالحرق العشوائي، ما يسبب إصابات سرطانية للعاملين والقاطنين بالقربِ من تلك المناطق".
وعن الحلول أو الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية للحد من هذه المشكلة، يقول "شجر": "أصدر مجلس المحافظة، في دروتهِ السابقة، قرارًا لمعالجة هذه المشكلة، وخولنا دائرة البيئة بموجبه بمقاضاة الجهات ذات العلاقة، كما تم التواصل مع منظمات دولية لغرض لإيجاد حل لهذه المشكلة".
وأضاف: "أسفر هذا التحرك عن تأسيس مركز علاج الأورام السرطانية في المحافظة، لمتابعة هذه الحالات، وهو مشروع مُوِّل عبر منظمات دولية، ولكن المشروع لم ير النور حتى الآن".
وأكد المهندس باسم ياسر، موظف في دائرة العلوم والتكنولوجيا في ذي قار، أن دائرتهِ، منذ تأسيسها في المحافظة، عملت على إنجاز مهامها، كونها مسؤولة بشكل مباشر عن معالجة المواقع الملوثة إشعاعيًا وكيميائيًا، مضيفًا: "بالفعل قمنا برفع عدد من المواد الملوثة إشعاعيًا، دون أن تتم عملية معالجتها بشكل نهائي، حيث تم حجزها في محجر مؤقت". وعن المواقع الثلاثة في شبكات الجنوب الغربي التابعة لوزارة الكهرباء، أكد "ياسر" أن دائرتهِ في انتظار إبرام عقد بقيمة 120 مليون دينار مع الكهرباء، لتغطية نفقات عملية رفع المواد المشعة.
وأوضح أن الجهات المسؤولة أكدت وجود تلوث إشعاعي في الشبكات منذ 2004، ولم يجرِ، حتى الآن، اتخاذ الإجراء المناسب تجاهها، بسبب بعض الإجراءات الروتنية.
وكشفن مصدر في دائرة بيئة ذي قار عن وجود مخاطر إضافية، وصفها بـ"الكبرى" على حياة المواطنين في المحافظة، لا سيما في المناطق الشمالية منها، حيث أكد استخدام الشركات الأجنبية المستثمرة لحقول نفط الغراف وصبة والناصرية موادًا مشعة في عملية الاستكشافات النفطية، وهي عملية خطرة جدًا على حياة العاملين والسكان.
وأشار المصدر إلى أن هذه الشركات تمنع فرق التفتيش والمسح الميداني، التابعة لوزارة البيئة، من الدخول إلى تلك المواقع، والتعرف على نوعية هذه المواد المشعة، أو كميات المواد المستخدمة، أو كيفية تخزينها.