لندن - أ.ف.ب
بعد ثلاثيته الأولمبية العام الماضي كرَّس العدّاء الجامايكي أوساين بولت أسطورته في سباقات السرعة في بطولة العالم الرابعة عشرة التي أقيمت في موسكو بإحرازه ثلاثية ثانية في تاريخ العرس العالمي. ولفتت مواطنته شيلي-آن فرايزر-برايس الأنظار بإحرازها ثنائية نادرة لدى السيدات، ونال البريطاني محمد فرح ثنائية تاريخية في سباقي 5 آلاف م و10 آلاف م، فيما كانت النتائج العربية مخيّبة واقتصر تتويجها على ميداليتين يتيمتين. في المقابل، تلطّخت سمعة ألعاب القوى الجامايكية بالمنشّطات بسقوط 6 عدّائين في فخّها أبرزهم البطلة الأولمبية في سباق 200 م فيرونيكا كامبل-براون، وحامل الرقم العالمي السابق في سباق 100 م اسافا باول، وحاملة الفضية الأولمبية مرّتين شيرون سيمبسون. بولت وألقابه الخرافية واصل بولت سيطرته على سباقات السرعة وحصد ألقابه الخرافية بتحقيقه الثلاثية (100 م و200 م والتتابع 4 مرّات 100 م)، وذلك للمرّة الثانية في تاريخ مشاركاته في بطولة العالم بعد الأولى عام 2009 في برلين، ورفع رصيده إلى 8 ذهبيات في العرس العالمي بعد ثنائيته في دايغو. وعادل بولت الرقم القياسي في عدد الميداليات الذهبية في بطولة العالم، الذي كان يتقاسمه الأميركيون كارل لويس واليسون فيليكس ومايكل جونسون، بيد أن الأسطورة يتفوّق عليهم جميعاً كونه نال فضيتين مقابل واحدة لكلّ من لويس وفيليكس، علماً بأن الأخيرين أحرزا برونزية أيضاً، فيما نال جونسون 8 ذهبيات فقط. وهي الثلاثية الرابعة لبولت في البطولات الكبرى بعد أولمبيادي بكين 2008 ولندن 2012. ولو لم يسقط الاعصار الجامايكي في فخّ الانطلاقة الخاطئة قبل الدور النهائي في نسخة دايغو 2011، لكان رصيده 3 ثلاثيات متتالية في بطولة العالم، و5 في المواعيد الكبرى. وقال بولت: "تدرّبت بقسوة هذا العام وحاولت دائماً تقديم أفضل ما لديّ"، مضيفاً "سأحاول فعل الأمر ذاته في مونديال بكين (2015) لتحقيق الثلاثية أيضاً، كلّ شيء ممكن هذا رأيي في ألعاب القوى". وتابع "بالفعل لن تكون المهمّة سهلة، فالأمور تصعب كلّ عام، فكلّما تقدّمت في السن تكون الأمور صعبة كما أن العدائين الآخرين يحاولون هزيمتي، وبالتالي لا يسهلون المسألة". وحذت فرايزر-برايس حذو بولت بتحقيقها الثلاثية ذاتها، وباتت أوّل عداءة في التاريخ تجمع الذهبيات الثلاث لسباقات السرعة. وأصبحت فرايزر-برايس ثالث عداءة في تاريخ البطولة تحقّق ثنائية 100 م و200 م بعد الألمانية الشرقية سيلكه غلاديش في روما عام 1987 والألمانية كاترين كراب عام 1991 في طوكيو. فرح لا يقهر وكرر البريطاني محمد فرح إنجاز دورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها بلاده الصيف الماضي وجمع بين ذهبيتي سباقي 5 آلاف م و10 آلاف م في نسخة واحدة. وبات فرح، الصومالي الأصل، ثاني عداء فقط في تاريخ بطولات العالم يجمع بين ذهبيتي سباقي 10 آلاف م و5 آلاف م بعد إنجاز الأثيوبي بيكيلي في مونديال برلين عام 2009. وكان فرح وضع حدّاً لسيطرة العدائين الأفارقة على سباقي 5 آلاف م في النسخ الأربع الأخيرة في الأولمبياد، وعلى سباق 10 آلاف م، منذ أن توّج الإيطالي ألبرتو كوفا بطلاً عام 1984 في لوس انجليس، علماً بأن اللقب كان اختصاصاً أثيوبياً في النسخ الأربع الأخيرة، حيث تقاسم الفوز به الأسطورة هايله جبريسيلاسي ومواطنه كينينيسا بيكيلي. وبات فرح سادس عدّاء في تاريخ الأولمبياد يُحرز الثنائية (5 آلاف م و10 آلاف م) في نسخة واحدة من الألعاب بعد التشيكي اميل زاتوبيك (1952) والسوفياتي سابقاً فلاديمير كوتس (1956) والفنلندي لارس فيرين (1972 و1976) والاثيوبي ميروتس ييفتر (1980) ومواطنه بيكيلي (2008). كما عادل فرح باحتفاظه بلقبه العالمي في سباق 5 آلاف م إنجاز الكيني اسماعيل كيروي الوحيد الذي نجح في الاحتفاظ باللقب عام 2005 في هلسنكي بعد الأوّل في شتوتغارت قبلها بعامين. غلة عربية يتيمة وحققت ألعاب القوى العربية ثاني أسوأ حصّة لها في تاريخ مشاركاتها في بطولات العالم باكتفائها بميداليتين يتيمتين، الأولى فضية عبر النجم القطري الصاعد معتز عيسى برشم في مسابقة الوثب العالي، والثانية برونزية بواسطة الجيبوتي الواعد عين الله سليمان في سباق 800 م. وكانت أسوأ غلّة عربية في النسخة الأولى في هلسنكي عندما اقتصرت على برونزية سباق 1500 م بواسطة المغربي سعيد عويطة. لكن شتان بين العصر الذهبي للعرب في النسخ السابقة والنسختين الأخيرتين اللتين خرجت منهما أم الألعاب العربية بميداليتين يتيمتين (فضيتان في دايغو 2011 عبر السوداني أبو بكر كاكي في 800 م والتونسية حبيبة لغريبي في سباق 3 آلاف م). وتبقى خيبة الأمل الأبرز لألعاب القوى المغاربية الممثّلة في المغرب صاحب حصة الأسد في البطولات العالمية منذ عام 1983، حيث جمع 27 ميدالية بينها 10 ذهبيات و11 فضية و6 برونزية، وجارته الجزائر صاحبة 9 ميداليات بينها 6 ذهبية و3 برونزية. ولطالما أسعد أبطال وبطلات المغرب والجزائر الملايين من عشّاق هذه الرياضة في العرس العالمي ليس في العالم العربي فقط بل في العالم بأسره بأسماء رنانة من طينة سعيد عويطة وهشام الكروج ونزهة بدوان وصلاح حيسو ونور الدين مرسلي وحبيبة بولمرقة وجابر سعيد القرني، لكن الأمور اختلفت كلياً ولم تعد هناك رهبة وخوف من عدائي هذين البلدين خصوصاً في المسافات المتوسطة والطويلة. وخرج المغرب للمرّة الثالثة على التوالي خالي الوفاض وفشل جميع ممثّليه في فكّ النحس الذي يلازمهم منذ فضية حسناء بنحسي في سباق 800 م في أوساكا، فيما واصلت الجزائر غيابها عن منصّات التتويج في البطولات العالمية منذ عام 2003، عندما نال سعيد جابر القرني ذهبية سباق 800 م في نسخة باريس. وهي المرّة الرابعة التي يخرج فيها المغرب خالي الوفاض في تاريخ مشاركاته في البطولة العالمية بعد الأولى في شتوتغارت عام 1993، والثانية في برلين، عندما تلطّخت سمعته بحالتي منشّطات، بعدما ثبت تناول العدّاء جمال الشطبي لمادة منشّطة محظورة هي "كلينبوتيرول"، والعداءة مريم العلوي السلسولي لمادة "الإرتروبوتين"، والثالثة في دايغو قبل عامين. تألّق برشم وسليمان ووسط النتائج المخيّبة لأمل الألعاب المغاربية، بزغ نجم برشم وسليمان اللذين أنقذا ماء وجه العرب. وأكّد برشم بما لا يدع مجالاً للشكّ تسلّقه المراتب تدريجياً، فبعد برونزية دورة الألعاب الأولمبية في لندن الصيف الماضي، حفر اسمه بأحرف من فضة في موسكو، وستكون الذهبية هدفه المقبل. وقال برشم: "أنا سعيد بالميدالية الفضية. دائماً ما أضع الأهداف وأحاول تحقيقها، في عام 2010 قلت إنني أريد تخطّي ارتفاع 2.35 في العام التالي وقد نجحت في ذلك، وفي هذا العام كان هدفي الرقم القياسي الآسيوي (2.39 م) وحقّقته (2.40 م) وبالطبع تكرار إنجاز لندن أو تحقيق الأفضل ونجحت بالفعل". وأضاف: "كنت أطمح إلى الأفضل بطبيعة الحال في موسكو، لكن الفضية نتيجة رائعة أيضاً، والطريق لا يزال طويلاً أمامي والمستقبل مشرق". من جهته، أعاد سليمان تدوين اسم بلاده جيبوتي في سجلّات بطولة العالم ومنحها الميدالية الأولى منذ 22 عاماً وتحديداً منذ بطولة العالم عام 1991، عندما توّج أحمد صلاح بفضية الماراتون، والثالثة في تاريخ المونديال بعد فضية صلاح أيضاً في الماراتون عام 1987 في روما. صدمة المنشّطات عاشت ألعاب القوى العالمية عموماً والجامايكية على الخصوص فترة سوداء الصيف الماضي بعد ثبوت تعاطي باول وزميلته في التمارين شيرون سيمسون، والبطلة الأولمبية مرّتين في سباق 200 م كامبل براون وعدائين آخرين خلال بطولة جامايكا في حزيران/يونيو الماضي، للمنشّطات. ودفعت الوكالة الجامايكية لمكافحة المنشّطات ثمن الفضيحة واستقالت من منصبها بسبب الشكوك حول فعالية الجهود التي تقوم بها في البلاد، التي تعزّزت منذ أن تحدّثت المديرة الادارية السابقة للوكالة الجامايكية ريني آن شيرلي عن العيوب في نظام مكافحة المنشّطات في بلادها، وذلك بعد أيام فقط من مشاركة العدائين الجامايكيين في بطولة العالم لألعاب القوى في موسكو. وتزعزت ألعاب القوى العالمية أيضاً بثبوت تناول العدّاء الأميركي تايسون غاي للمنشّطات أيضاً خصوصاً وإنه وباول صاحبا ثاني ورابع أفضل رقم في التاريخ في سباق 100 م على التوالي، كانا يعتبران المنافسين الكبيرين لبولت. وجرت العادة في الأعوام الأخيرة أن يتمّ اكتشاف حالات المنشّطات بعد انطلاق العرس العالمي إلا أن الأمر اختلف هذه المرّة، حيث شهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة قبل انطلاقه ضربات قوية لرياضة أم الألعاب باكتشاف حالات كبيرة لعدائين وعداءات تناولوا مواد محظورة. ولم تسلم ألعاب القوى الروسية من الظاهرة التي أدّت إلى استبعاد 40 عداءً وعداءةً بينهم بطلة أولمبياد أثينا 2004 في رمي المطرقة اولغا كوزينكوفا، صاحبة فضية رمي القرص في أولمبياد لندن 2012 داريا بيشتشالنيكوفا. وأعلن الاتّحاد الدولي أن 7 حالات منشّطات اكتشفت خلال بطولة العالم بعد أخذ 1919 عينة دم و538 عينة بول خلال المنافسات و132 عينة قبل البطولة. وأظهرت نتائج الفحوص لعينات البول تنشط 7 رياضيين، أحدهم بلغ النهائي هو رامي الرمح الأوكراني رومان افرامنكو، الذي حلّ خامساً. ودفعت هذه الفضائح الاتّحاد الدولي إلى المصادقة على قرار الانتقال من عقوبة العامين إلى الأعوام الأربعة بحقّ الرياضيين الذين يتناولون مواد منشّطة ارتباطاً بالقانون العالمي لمكافحة المنشّطات، الذي سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من عام 2015. وأوضح الاتّحاد الدولي أن "القانون الجديد للوكالة العالمية لمكافحة المنشّطات يعكس إرادتنا القوية لتعزيز العقوبات، وبالتالي فإن الاتّحاد الدولي سيعود إلى عقوبة الايقاف لمدّة 4 أعوام في الحالات الخطيرة لاستعمال المواد المنشّطة"، مشيراً إلى أنه تمّت الموافقة على هذا الاقتراح بالإجماع. وكان الاتّحاد الدولي يعاقب المتنشّطين بأربعة أعوام في البداية قبل أن يبدأ منذ عام 2004 في تطبيق عقوبات الوكالة العالمية والتي كانت تعاقب المخالفين بعامين فقط بموجب القانون العالمي الأوّل لمكافحة المنشّطات.