لندن - كاتيا حداد
اتخذت مارتا درو وعائلتها قراراً صعبا لكنه يُعدُّ صحيحاً من وجهة نظر العائلة. وأوضحت درو أنه منذ ثمانية أعوام بدأ ابنها كريستوفر (7 أعوام) يشكو من المدرسة، موضحة أن نجلها الذي كان طفلا محباً للمدرسة، وفجأة أصبح يقول أشياء مثل "أنا أكره التعليم، والتعليم ممل" ، ولذلك بدأت اقرأ عن التعليم المنزلي وأهميته.
وتقول درو: " في البداية ، اعتبر زوجي أنني فقدت عقلي، ولكنه بدأ يقرأ عن التعليم المنزلي أيضا، وبعد ثلاثة أشهر قررنا إخراج أطفالنا من المدرسة واستمتعنا بذلك للغاية"، وعملت درو التي تشرف حاليا على التعليم الذاتي لابنها كريستوفر (15 عاما) حاليا وشقيقته أليسا (13 عاما) مديرة تسويق سابقة، لكنها تخلت عن وظيفتها عند ميلاد كريستوفر، وكانت تعمل بدوام جزئي في بيع المجوهرات عندما كان أطفالها رضعاً، لكنها تخلت عن هذا العمل أيضا من أجل التعليم المنزلي، ولا يزال زوجها مارتن الذي يعمل مصمم غرافيك المعيل للأسرة، لكنه يؤيد الأنشطة خارج ساعات العمل مثل كرة القدم لكريستوفر والدراما لأليسا.
وأوضحت درو أنها كانت تقدم التعليم لأطفالها مباشرة عندما كانوا صغار، لكنها الأن تعمل خارج الدوام الزمني الأسبوعي لدراستهم، والذي تقدمه منظمة تدريس خاص عبر الأنترنت مثل MyTutorWeb فضلا عن ممارسة بعض الأنشطة الثقافية والرياضية.
ويبدو أن عائلة درو هي جزء من اتجاه ينمو سريعا نحو التعليم المنزلي، ولا أحد يعرف بالضبط كيف يتم تعليم الأطفال في المنزل لأن الآباء والأمهات غير ملزمين بإخبار السلطات، إلا أن المعلومات التي حصل عليها قسم التعليم في "الغارديان" البريطانية تشير إلى ارتفاع الأعداد، حيث استجابت 134 من سلطات التعليم المحلي في انكلترا من بين 153، وتبيّن تلقي 30.298 طفلا للتعليم المنزلي في عامي 2014 و2015، وهناك 13.007 أطفال من بين هذه الأعداد في المرحلة الابتدائية، و 17.291 منهم تتراوح أعمارهم بين 11 إلى 16 عاما.
وتبيّن ارتفاع نسبة الأطفال في المرحلة الابتدائية ممن يتلقون تعليما في المنزل بنسبة 60% خلال ثلاثة أعوام أكاديمية من 1014 حتى 2015، من خلال البيانات التي قدمتها 103 سلطة محلية تعود إلى عامي 2011 و2012، بينما بلغت الزيادة في المرحلة الثانوية 37%، وفي مناطق السلطة المحلية الكبرى في انكلترا يحصل المئات من الشباب على تعليم منزلي.
ففي منطقة "كينت" هناك 1285 طفلا، وفي "إسيكس" هناك 1234 طفلا، وفي "نورفولك" هناك 1052 طفلا، وفي "لانكشاير" هناك 918 طفلا، وأشار 85% من السلطات المحلية إلى ارتفاع التعليم المنزلي خلال الأعوام الثلاثة، بينما أفادت 27 سلطة محلية بتضاعف الأعداد، وربما يكون ذلك جزء ضمن اتجاه طويل.
وبيّنت الـ"بي بي سي" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ارتفاع نسبة التعليم المنزلي إلى 65% في جميع أنحاء انكلترا وويلز في الست سنوات حتى عامي 2014 و2015، وفي 2007 وثقت القناة الرابعة نسبة 61% من التعليم المنزلي خلال خمسة أعوام منذ عام 2002، وكشفت إلينور ريردون التي أعدت خدمة تأييد قانونية للتعليم المنزلي منذ ثلاثة أعوام أن الآباء لديهم العديد من الدوافع، وأفادت ريردون " يخبرنا الآباء أنه لا يمكنهم إداخل ابنائهم إلى المدارس المحلية التي تبعد عنهم عدة أميال، ولذلك فهم يفكرون في التعليم المنزلي، أو ربما أن أطفالهم مرضى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن المدارس تهدد الآباء بالتغريم أو المحاكمة لعدم إرسال الأبناء إليها، فضلا عن تزايد عدد الحالات التي لديها احتياجات تعليمية خاصة ولا يتم الاهتمام بها في المدارس".
وأشارت ريردون وغيرها من خبراء التعليم المنزلي أن ارتفاع النسبة ربما لا يتعلق بالمدارس، حيث تطلب قانون التعليم والتفتيش 2006 شرط للسلطات المحلية لتحديد الأطفال الذين لا يتلقون التعليم المدرسي، ومن المرجح أن ذلك أثار نظام أكبر في حفظ السجلات، وفي عام 2009 أجري استعراض للتعليم المنزلي لحكومة العمل بواسطة مدير خدمات الأطفال السابق غراهام بادمان وتم تغطيته إعلاميا، وأوضحت ريردون أن ذلك يعني أن العديد من الآباء والأمهات أصبحوا على علم بإمكانية التعليم المنزلي، فضلا عن انتشار وسائل الاعلام الاجتماعية والتي نبهت أولياء الأمور إلى إمكانية التعليم المنزلي وتوفير شبكات الدعم.
وعلى الرغم من أن نسبة التعليم المنزلي لا تزال منخفضة حيث تمثل فقط 0.5% من إجمالي عدد التلاميذ إلا أن البعض داخل هذا المجال أشاروا إلى أن هذه الأعداد تمثل تعليقا على شعف سياسة التعليم باللغة الإنكليزية. وتقول إليزابيث ليل مدرسة العلوم السابقة والموسيقية الحالية التي اتجهت إلى تعليم أطفالها الأثنين في المنزل في لندن وبيدفوردشير أن بعض الآباء يرفضون الضغوط التي توضع على عاتق التلميذ في المدرسة، مضيفة " الاختبارات في المدارس لا تناسب سوى نسبة محددة من التلاميذ، وأن العديد من التلاميذ يكرهون التعليم مبكرا بسبب متطلبات محو الأمية، إنه أمر سيء خاصة للأولاد لأنهم لا يحبون الجلوس لفترة طويلة".
وتقول هيلين لي خبيرة التعليم البديل والمحاضرة في جامعة "نيومان" في "برمنغهام"، أن نظام التعليم السائد في انكلترا في خطر بسبب استعداء كل من الطلاب والموظفين له، مضيفة " تحدث مع قيادية بارزة في إحدى المدارس الحرة والتي هي جزء من سلسلة أكاديميات وكانت قلقة للغاية وأخبرتني أن التعليم أصبح رسميا جدا وأن الطلاب يدرسون الرياضيات والإنكليزية كل صباح، وعندما سألتها عن شعور الطلاب حيال ذلك، أخبرتني ساخرة أن نتائج الاختبارات رائعة وأن العديد من الناس لا يريدون ذلك لأطفالهم".
واقترح اثنان من الخبراء أن نسبة التعليم المنزلي تزيد جزئيا بسبب محاولة المدارس استبعاد بعض التلاميذ، حيث أشار فيك غودار المدير السابق لإحدى المدارس أن المدرسة ربما تطلب من أولياء الأمور الموافقة على التعليم المنزلي لأطفالهم مع تهديد غير مباشر باستبعادهم من المدرسة، وكشف إحدى موظفات الحضور في مدرسة تديرها سلسلة أكاديمية ناجحة أن حياتها تحولت إلى جحيم بسبب مدير المدرسة لأنها رفضت التواطؤ في إزالة بعض التلاميذ من سجلات المدارس بشكل غير قانوني، وأوضحت الموظفة أن المدرسة هددت أولياء الأمور باستبعاد أطفالهم إذا لم يوافقوا على تعليمهم في المنزل، وبيّنت أن المدرسة كانت تخفي نتائج الطلاب ذات المستوى المنخفض من النتيجة الرسمية للإمتحان عن طريق تسجيل طلاب السنة 11 الذين يأخذون شهادة GCSEباعتبارهم في السنة العاشرة.
وأكد مدرس سابق حدوث ذلك أثناء عمله في إحدى المدارس الثانوية حيث طلب من أولياء الأمور التوقيع على استمارة تقضى بموافقتهم على تعليم ابنهم في المنزل بعد تعرضه لضغوط من مدير المدرسة في محاولة لتحسين نتائج المدرسة، وكشفت بيانات دورست أكبر السلطات المحلية في انجلترا عن الأسباب التي ذكرها أولياء الأمور لإخراج أبنائهم من المدارس، ومن بين 776 تلميذا يتعلمون في المنزل في عامي 2014 و2015 كانت الأسباب الأكثر ذكرا من أولياء الأمور هي عدم الرضا عن بيئة المدرسة (184 من أولياء الأمور)، وكان نمط الحياة والثقافة والجانب الفلسفي سببا أخر ذكره 178 من أولياء الأمور، وجاء بعد ذلك أسباب طبيا للأطفال (42 ولي أمر)، والبلطجة (25 ولي أمر)، وعدم تفضيل المدرسة (20 ولي أمر)، بينما جاء استبعاد الأطفال في أخر قائمة الأسباب واختاره اثنين فقط من أولياء الأمور.
وتضم منطقة "دورست" 46058 تلميذا في سن التعليم الإلزامي، وبالتالي فلا تزال أعداد التعليم المنزلي منخفضة إلى حد ما، وهناك مناطق في انكلترا مثل الشمال الشرقي تضم أعداداً صغيرة ممن يدرسون منزليا، حيث أن مناطق "ميدلسبره" و"ستوكتون أون تيز" وجنوب وشمال "تينيسايد" لديهم فقط 105 أطفال في التعليم المنزلي عامي 2014 و2015، ولم يتضح بعد كيف ستقوم الورقة البيضاء في وزارة التعليم والتي طالبت بإنهاء السلطات المحلية بشكلها الحالي بحلول عام 2022 بترك الإشراف على الطلاب الذين يتعلمون في المنزل.
ودعت وزيرة التعليم نيكي مورغان إلى مراجعة للنظر في خطة التسجيل للتعليم المنزلي الإلزامي بما في ذلك السلطات المحلية، وذلك لحمايته جزئيا من التطرف، إلا أن هذا يعد أمرا مثيرا للجدل، حيث أن العائلات غير ملزمة بإخبار أي أحد بقرارهم في تعليم طفلهم في المنزل إلا في حالة رفض العائلة عرض المدرسة.
ويعد خيار التعليم المنزلي الذي اختارته عائلة مارتا درو خيار لأقلية صغيرة إلا أن معلمي المنازل يعتقدون أن هذا الاتجاه سيستمر في النمو، وخاض كريستوفر اختبارات GCSE في يناير/ كانون الثاني وحصل على تقدير ممتاز (A*)، وتقول مارتا " إن قرار التعليم المنزلي كان أفضل قرار للعائلة، لقد أصبحنا أكثر قربا ونشأ الأطفال على حب التعلم، وهم سعداء ومتحمسين ويحبون الحياة".