نيويورك ـ مادلين سعادة
يعتقد العلماء أنَّ الدواء قد يعمل بشكل أفضل إذا تناوله المريض في وقتٍ معين من اليوم، بعد اكتشاف فاعلية الآلاف من العقاقير المرتبطة بالساعة البيولوجية للجسم، وعلى الرغم من أنَّ بعض الأدوية المعروفة لدينا مثل الأسبرين والستاتين بتأثيرها الصباحي مقارنة بتناولها في المساء، فلم يكن واضحًا لماذا أو هل ينطبق ذلك على الأدوية الأخرى ؟
عمل بعض العلماء في جامعة "بنسلفانيا" على الجينات في الأجهزة الفردية المختلفة من الجسم على مدار اليوم، ووجدوا أنَّ الكبد والكلى يعملان بشكل أكثر فاعلية بعد الساعة السادسة مساءًا، فالجينات مرتبطة بالرئتين تعمل بشكل كبير أثناء فترة الغداء، أما القلب فهو الأكثر نشاطًا في الصباح.
ويعتقد العلماء أنَّ العقاقير التي تستهدف هذه الجينات ستعمل على نحو مختلف اعتمادًا على الوقت الذي أخذت فيه.
وأظهرت الاختبارات على الفئران، أنَّ ما يقرب من نصف منظمات الصحة في العالم يبيعون أفضل 250 دواء يعملون بشكل مختلف أثناء الليل والنهار، كما أنَّ الكثير من الأدوية لا تستمر كثيرًا في الجسم، لذلك من المهم استخدامها في الوقت الأكثر فاعلية.
وأخذ الأدوية في الوقت الخطأ من اليوم في حال عدم نشاط الجينات يمكن أن يجعلها عديمة الفائدة، وفي المقابل، يمكن للأدوية التي يتم اختبارها في
الصباح أن تكون سامة في المساء والعكس.
ويؤكد البروفيسور جون هوغينيش "بالنسبة للعقاقير الفردية والحيوان السليم والدراسات السريرية تحتاج للقيام بها، ولكن الآن نحن نعرف مكان الجسم وكيف يبدو والآثار المحتملة للأدوية أثناء فترات اليوم"، موضحًا "الجرعة المنخفصة من علاج الأسبرين تفضل قبل النوم لخفض ضغط الدم، ولكن لا يقل عن 50% من الأشخاص يتناولون الأسبرين في الصباح، وواحد من كل ستة لا يأخذون الستاتين في الوقت المناسب".
ويضيف هوغينيش "على الرغم من أنَّ هناك مئات الأوراق التي تبين فاعلية العلاج الكيمائي، إلا أنَّه يتم إعطاء عدد قليل من مرضى السرطان أدويتهم في أوقات معينة من اليوم"، وأصبح الأطباء أكثر اهتمامًا بعلم الـ"كرونوثيرابي"، وهو مواءمة العلاج الطبي على إيقاع الساعة البيولوجية لجسم الإنسان، خصوصًا لعلاجات التهاب المفاصل الروماتويدي والسرطان.
مشروع الخمس أعوام الذي أعلن عنه في الأكاديمية الوطنية للعلوم، هو الأول لإنتاج خريطة توضح أنماط الآلاف الجينات في الثدييات على مدار الـ24 الساعة، وقد تساعد الأطباء في عمل العقاقير التي يستفيد منها المريض وفقا للجرعات المحددة زمنيًا.
تقريبًا كل الكائنات الحية لديها آلية داخلية والتي تتزامن مع وظائف الجسم على مدار 24 ساعة من دوران الأرض، في البشر والثدييات الأخرى يتم تنظيم الساعة عبر الحواس الجسدية، وأهم طريقة هي التي تصور ضوء العين والظلام وطريقة إحساس الجلد بتغيرات درجة الحرارة، وأيضًا الأنماط الخاصة بالنوم والاستيقاظ.
وأوضح الدكتور مايكل هيوز، من جامعة "سانت لويس ميسوري" "إنَّ الجينات تخضع للساعة البيولوجية أكثر بكثير مما كنا نعتقد، ومنذ دراسة القليل من الجينات في وقت سابق، كنا نبحث عنها فقط تحت عمود الإنارة، ولكن الآن لدينا المسح الأشمل".
ووجدت الدراسة تحديدًا أنَّ 43% من مجموع الجينات المكونة للبروتين تعمل على إيقاعات الساعة البيولوجية، كما أنَّ الكبد هو الأكثر إيقاعية من جميع الأجهزة التي لها نشاط وراثي في ساعات الفجر والذروة والغسق.
الدراسة الخاصة بتوقيت تأثير الأدوية مستمرة منذ أربعين عامًا، وحققت الكثير من النجاحات مثل مبحث المعالجة الكيميائية والستاتين قصير المفعول والجرعة المنخفضة من الأسبرين، ولكن الكثير منها تم عن طريق الخطأ والتجربة.
ويتابع هوغينيش "الآن نحن نعرف ما هي أهداف الأدوية تحت سيطرة الساعة البيولوجية، وأين ومتى يتحركون في الجسم، وهذا يوفر فرصة أكبر للعلاج من خلال الساعة البيولوجية".
يمكن أن تشمل فوائد توقيت الدواء السليمة الامتثال بشكل أفضل إلى الشفاء وتحسين الكفاءة، أي تفاعلات أقل بين الأدوية ونتائج أفضل بشكل عام وبتكلفة أقل.
ويوضح الدكتور هوغينيش أنَّ الخطوة المقبلة هي تطبيق هذه المعرفة على نماذج حيوانية محددة للنظر في وقت الفاعلية، وفي نهاية المطاف سوف تطبق الدراسات السريرية الصارمة لتحديد الوقت الأمثل للأدوية.