تونس - المغرب اليوم
في ناصية شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية تونس، ينتصب نُصب تذكاري مُجسّد للمفكر المشهور ابن خلدون. وجود هذا النُّصب وسط أكبر شوارع العاصمة التونسية يَعكس الاهتمام الكبير الذي توليه تونس للثقافة؛ وهو الاهتمام الذي أسهم إسهاما كبيرا في اجتياز التونسيين لمثبطات "الربيع الديمقراطي" بسلام، نظرا لارتفاع منسوب الوعي في صفوفهم، وفق رؤى متتبعين.
في مدينة سيدي بوسعيد، وتحديدا داخل قصر النجمة الزرقاء، ثمّة مؤشرات دالة على أن التونسيين يولون عناية خاصة للثقافة؛ فلا يزال هذا المَعلم التاريخي الذي شُيّد عام 1922 محافظا على جماله المستوحى من المعمار الأندلسي المغربي، كما أنّ أروقته لا تزال محافظة على مجموعة من التحف والقطع الفنية النادرة التي تعود إلى عصور قديمة.
تضمّ قاعة عرص التحف بقصر النجمة الزرقاء تحفا متأتية من الشرق، مثل الزرابي الفارسية والتركية والتحف الصينية والحِليّ التقليدية الفضية والتُحف المصنوعة من البلّور واللوحات الزيتية التي رسمها البارون الألماني رودولف ديرلنجي، وهو الذي صمّم قصر النجمة الزرقاء وشيّده خلال الفترة ما بين 1911 و1922.
الاهتمام الذي يوليه التونسيون للثقافة دفعهم إلى تهيئة جناح الخدَم في قصر النجمة الزرقاء، المطل على البحر، والذي كان يضم قاعة الحقائب وقاعة المؤونة وسكَن الخدم ومرافق أخرى، لاستيعاب معرض قار للآلات الموسيقية، يضمّ آلات مختلفة جرى جمعها في جميع أرجاء تونس خلال بحث دام شهورا عديدة.
"الثقافة هي الأساس"، يقول شاب تونسي يعمل في وزارة الشؤون الثقافية، وهو يشير إلى سرير داخل أحد أجنحة قصر النجمة الزهراء، يظهر كأنه وُضع هناك بالأمس القريب، على الرغم من أن وجوده مضت عليه عقود من الزمن. أما الوزير الوصي على قطاع الثقافة في "بلاد الياسمين"، فيقول، في تصريح لمصدر إخباري، إنّ الدليل على أهمية الثقافة من عدمه يتضح من خلال تقييم حقيقي موصوف بالمؤشرات، مضيفا "السياسة الثقافية اليوم لم تعد سياسة اعتباطية".
وتبين المؤشرات التي قدمها محمد زين العابدين، وزير الشؤون الثقافية التونسي، أنّ الثقافة في تونس تحظى بأهمية خاصة، إذ رُفعت الميزانية المخصصة لهذا القطاع من 22 مليون دينار سنة 2016 إلى أزيد من 77 مليون دينار سنة 2017. أما الأنشطة الثقافية فقد انتقل عددها من 26.800 نشاط في 2016 إلى 170 ألف نشاط ثقافي في 2019، أي بنسبة تطور بلغت 634 في المائة.
وعلى الرغم من أنّ تونس بلد صغير، من حيث المساحة والكثافة السكانية، فإنّها تتوفر على أزيد من 800 مؤسسة ثقافية، من مكتبات ومعاهد موسيقية ومراكز الفنون الدرامية، وغيرها.. وفق ما بينه محمد زين العابدين، في حديثه ، مضيفا: "وسّعنا خريطة المؤسسات الثقافية من أجل تأطير الفعل الثقافي تأطيرا جيدا".
وأوضح وزير الشؤون الثقافية التونسي أنّ النهوض بالثقافة من أجل أن تكون ذات مردود يقتضي أن تهتم الدولة بطبيعة المؤشرات ومدى تقدمها ونموها. كما ينبغي، يردف المتحدث، "أن نجعل الثقافة ثقافة مواطِنة، أي أنها تعني جميع المواطنين، وليس المثقف وحدَه، وأن ننهج سياسة القرب لتقريبها إلى المواطنين".
وجوابا عن سؤال حول ما إن كانت الثقافة أسهمت في اجتياز الشعب التونسي لارتدادات "الربيع الديمقراطي"، الذي انطلق من تونس، أجاب وزير الشؤون الثقافية التونسي: "أعتقد أن الثقافة مكّنت من تجاوز الاضطرابات التي شهدتها المنطقة؛ لأن الثقافة تسهم في جانب من الابتكار والمشاركة وإنتاج المعرفة وإنتاج الإبداع، ومكّنت من أن يستقيم نفَس التغيير الذي نعيشه".
قد يهمك أيضًا :
العثور على شواهد قبور تاريخية من القرن الـ13 في مكّة المكرمة