الرئيسية » تحقيقات

الرباط ـ وكالات

لا يمكن للعارف بخبايا وأسرار الدوائر والأحياء الباريسية الكبرى أن يتصور الدائرة الباريسية الـ13 من دون نسيجها السكاني الآسيوي ولا يمكنه، أيضا، أن يتخيل فضاءات الدائرة العاشرة وبعض بيوت الدّعارة فيها وهي خالية من صنفين من شغالات الجنس المغربيات.. صنف وُلد وترعرع في الوسط الاغترابي ويحترف البغاء بدافع المتعة والحصول على المال، وصنف تم تهجيره بواسطة عقود عمل تقضي باحتراف البغاء وإسعاد الزّبائن مقابل أجور مغرية تتراوح ما بين 1200 و1800 أورو شهريا (حوالي 15 إلى 20 ألف درهم).. وتعيش هذه الفئة التي تم تهجيرها تحت وعود كاذبة حالاتِ استرقاق حقيقية تخفي وراءها مآسٍ إنسانية عديدة.  يعمد وسطاء البغاء إلى «تعهّد» الفتيات في بعض المناطق المغربية، وخاصة في مدن مكناس وطنجة والدار االبيضاء ومراكش.. ويتولون بأنفسهم مهّمة الحصول على تأشيرات وتأمين نفقات الإقامة والسفر التي سيتم خصمها بالأضعاف بعد أن يشرَعن إثر وصولهنّ في امتهان البغاء في بيوت الدعارة والفنادق والحانات وغيرها من معاقل الفساد الأخرى.. وتبدأ رحلة العذاب عند الوصول إلى العاصمة، حيث يتحول حلم العيش الرّغيد إلى جحيم بمجرد معاينة الواقع واكتشافهنّ الخدعة.. فوسطاء البغاء يفضلون استدراج شغالات الجنس ليس إلى بغاء المَراقص والحانات وصالونات التدليك، وإنما إلى أشدّ أنواع البغاء استهتارا بالكرامة البشرية: دعارة البيوت، التي تستوجب من بائعة الجسد ممارسة الجنس مع أكبر قدْر من الوافدين وبأجور زهيدة، إذ تتجاوز الممارسة في معظم الأحيان عشرين زبونا في اليوم، من فئات الآسيويين والأفارقة وغيرهم من المهمّشين الذين يجدون ضالتهم في هذه الممارسة، حتى وإن كانت تفتقر إلى بعض مُستلزمات النظافة والصحة.. وغالبا ما يلجأ هؤلاء الوسطاء، بعد أن تـُضيّق السلطات الخناق على بيوت الدعارة، إلى بعض الشاحنات الصّغيرة و»السيارات -القافلة» التي تنتصب في مداخل باريس وفي الحدائق الغابوية، كجزء من قلاع البغاء والفساد في عاصمة النور.. أما الفئة الأولى التي ولدت في ديار الغربة فتلجأ، في معظم الأحيان، إلى الملاهي الليلية العربية، وخاصة المراقص اللبنانية المتكاثرة في باريس، حيث الأجواء مناسبة لاقتياد الفرائس، بعد انتهاء ساعات السّهر، إلى بعض الفنادق المجاورة، التي يتراوح سعر المبيت فيها بين 400 و500 أورو. صعب معرفة العدد الحقيقي لهذه الفئة، التي غالبتا ما تدّعي انتماءَها إلى صنف الطالبات، وهو الصنف الأكثر دعارة في باريس، حيث يتراوح عدد الممارِسات بين 20 إلى 25 ألف طالبة من مختلف الجنسيات، حسب تقديرات المكتب المركزي لردع المتاجرة في الجنس. والمعروف في أوساط البغاء الطلابية أنّ طالبات المغرب على الخصوص، لا يبعن أجسادهنّ بدافع الحاجة فقط، وإنما أيضا بدافع الإغراء والاستمتاع بحياة الانفتاح الغربية والتأثر بزميلاتهنّ المغاربيات، وخاصة العربيات المقيمات في فرنسا (لبنانيات، سوريات، مصريات).. ولا بد أن يقف الباحث في أوضاع هؤلاء على مجموعة من التناقضات والاختلالات في التنشئة والقناعة والتوجّه.. فهناك فئات منهنّ تأثرن بسرعة بشابات الهجرة وانسلخن بشكل مباغت عن أصولهنّ ونشأتهن الاجتماعية... فلا نفوذ أو تأثير لذويهن عليهنّ. وتراهن «تائهات» في سلوكهنّ، حيث لحم الخنزير في ثقافتهن لحم مسموح ولذيذ، والأفلام الإباحية جزءٌ من المتعة الحياتية، والدعارة والفساد اختيار لا شأن للآخر فيه، والاحتشام والوقار ضربٌ من الممارسات الماضوية.. وقد تمكنت هذه الفئة من الانغماس والذوبان في المجتمعات المضيفة إلى حدّ أنها تتفادى بنات جلدتها «المتزمتات الغبيات»، ولا تتماهى إلا مع الوجه القذر للحضارة الغربية، الذي يقدم الجسد الأنثويّ كسلعة قابلة للتجارة، ويتعامل معه عبر تسويقه في الأغاني والإعلانات التجارية. توسّعت ظاهرة الدعارة وارتفعت معدلاتها في أوساط الطالبات المغربيات، إذ تحولت، بعد سنوات، إلى حرفة عند بعضهنّ لكسب المال أو للحصول على وثائق الإقامة بشكل دائم. وتعيش هذه الفئة، التي ترفض اليوم العودة إلى وطنها، ضمن مناخَين لم ينتج عنهما مناخ معتدل: تجدها في النهار ميالة إلى التقوقع والانغلاق داخل بيوتها، حتى إذا أتى الليل، تسارع نحو مختلف المراقص العربية للبحث عن عاشق ليلة «تغتال» بقربه حالات الاغتراب والإحباط النهارية.. وتقصد بعض الطالبات المغربيات منتزه «بْوا دو بولون» في الدائرة الباريسية الـ15، المعقل الرئيسي للدعارة والرذيلة في فرنسا، الذي يمتدّ على 848 هكتارا، ويشكل أكبرَ منتزّه في العالم من حيث المساحة (يفوق مرتين منتزه «سانترال بارك» الأمريكي، وثلاث مرات منتزه لندن).. إما لممارسة الدّعارة في عين المكان، أو لحط الرحال هناك قبل أن يتم ترحيلهنّ في اتجاه الإقامات الفاخرة لوضعهنّ رهن إشارة من هم في حاجة إلى بعض لحظات الاسترخاء والاستمتاع، من شخصيات سياسية واقتصادية وازنة.. وإلى جانب الفئات الثلاث، تعيش باريس أيضا على وقع دعارة الموظفات أو العاملات في قطاعات مختلفة، عمومية وخاصة، وبعضهنّ مغربيات، يلجأن بعد انتهاء أوقات العمل إلى بعض المقاهي المنتشرة في الدائرة الباريسية العاشرة، حيث الأجواء مناسبة للبحث عن عاشق ليلة «تغتال» في قربه حالة الاغتراب، وتقضي معه لحظات من المُجون والمتعة مقابل غلاف ماليّ بمعدل 300 أورو في الليلة الواحدة، يساعدها على تأمين حياة مستقرّة، وإن لم تكن رغيدة. وفور الانتهاء من عملهنّ الأصلي، تضرب شغالات الجنس، من موظفات ومستخدمات وحتى مربيات وعاملات في البيوت وغيرهنّ، مواعيد في بعض المقاهي للتجاذب والتحاور قبل الانطلاق إلى الملهى أو النادي الليلي المُبرمَج.                          ابمقهى «لاريجانس» الملتقى الرئيسي لبائعات الهوى العربيات، تكشف منال (23 سنة من أصول مكناسية) وهي مُستخدَمة في شركة «فرانس  تيليكوم»، أنها نادرا ما تلجأ إلى الدعارة، حيث تقتصر على الممارسة عن طريق الإغراء الجسديّ فقط، بعد أن تقوم بتحميل صور إباحية لها ونشرها على المواقع الإلكترونية الساخنة مقابل مَبالغ تؤمّن لها «حياة كريمة»، من ملابس آخر صيحة وسيارة جميلة ومسكن لائق.. وتعترف منال (دون أدنى حرج) أنها لجأت، في البداية، إلى تصوير جسدها، مع إخفاء الوجه لتحصل على دخل إضافيّ تساعد به أسرتها المقيمة في مدينة مكناس.. أمّا صديقتها كريستين (23 سنة) وتعمل بائعة في أحد متاجر الأحذية، فإنها إضافة إلى الصور الإباحية التي تبعث بها إلى بعض المواقع، تسهر في ديسكو «فيينا»في الحي اللاتيني الصاخب. وتفضل الملابس المثيرة واحتساء البيرة والسّهر إلى وقت متأخر من الليل في أحضان الرجال، لكسب ما يلزم لسد نفقات الشهر الكثيرة والمُتعدّدة.. وفي الجانب الخلفي من المقهى، حيث بعض المستخدَمات ينتظرن من يستضيفهنّ إلى الملهى الليلي المجاور، تعترف إيمان (27 سنة -بيضاوية) التحقت قبل خمس سنوات بباريس وتعمل «مُربّية»، أنها اقتحمت عالمَ البغاء بعد تعرّفها، في الحي الذي تشتغل فيه، على لوسي، وهي ممرضة فرنسية دعتها مرة إلى ليلة حمراء في أحد المراقص الفرنسية. ومنذ ذلك الحين أصبح الملهى جزءا من حياتها، لأنها غير قادرة، من جهة، على تأمين تكاليف العيش بما يلزم من رغد وطمأنينة، ومن جهة ثانية، غير مُستعدّة، في الوقت الراهن، للتخلي عن لحظات المتعة التي توفرها، وفق قولها، الليالي الساخنة في الملهى. ولا تخفي إيمان إعجابها بالرجل الفرنسي والغربي عموما، لأنه، على حد وصفها، «شخص تلقائي وغير مُعقـّد». وفي الطابق العلوي من المقهى، تتجاذب سلمى ونزهة أطراف الحديث حول متعة الأمس والفرائس المُحتمَلة للأمسيات القادمة.. وترفض سلمى (28 سنة من أصول تازية) وتعمل في أحد المخادع الهاتفية، أن تتحول إلى مومس في يوم من الأيام لأنها أمّ لطفلين.. وتعمد إلى ارتداء الحجاب لتمويه أبناء الحي والجيران، لكنها تتخلى عنه بمجرد وصولها إلى المقهى.. وتؤكد مع ذلك أنها مواظبة على الصلاة وتفضّل اللباس التقليدي على بنطلون الجينز، «الملتصق على الخصر والمؤخّرة»، وفق تعبيرها. ملفت للنـّظر أنّ الكثير من شغالات الجنس المغربيات وغير المغربيات لا يجدن أي حرج في الحديث عن أمسياتهن الماجنة أو عن مهنتهنّ، التي يعتبرنها «مهنة كباقي المهن»، على غرار فاتن (24 سنة) وهي نادلة من أصول مراكشية، أكدت لـ»المساء» أنها تمارس «عملها» بسعادة، وتعرض جسدها على أنظار الزبناء المتوافدين على المرقص في انتظار قضاء ليلة ممتعة مع أحدهم في الفندق المجاور.. وتقول فاتن، باعتزاز: «بفضل مثل هذه الليالي، اشتريتُ منزلا في حي «تمنصورت» في مراكش، مسقط رأسي، وحجزت لوالدي تذكرة سفر لأداء مناسك الحجّ!».. تجمع شهادات شغالات الجنس الموظفات على أنّ تجارة الجنس تنتعش كثيرا في فصل الصيف مع توافد الزبناء من دول أوربية وأمريكية وحتى آسيوية، وخاصة من منطقة الخليج. وتتجلى مظاهر التهافت الجنسيّ بشكل أقوى في المحلات التجارية الكبرى في شارع «الشانزيليزي»، التي يتعمّد أربابها تشغيل فتيات «ناعمات» لإغراء الزبائن وحملهم على التسوّق بشكل مكثف.. ومن بين هذه المحلات محل العطور «سيفورا»، وهو أكبر وأعرق محل للعطور في أوربا، حيث تتكرر السيناريوهات نفسُها وتستمر المغازلات والملاحقات لتشمل المضيفات والبائعات وحتى الفتيات اللواتي يأتين للتبضّع.. ومن بين الفتيات من فضّلن الاستقالة أو العمل في أجنحة أخرى غير تلك المرتبطة بالضيافة أو البيع، على غرار إلهام، وهي مغربية من أصول تطوانية، لم تعد تطيق المضايقات المتكرّرة لبعض «شيوخ» الخليج، فطلبت الانتقال من خلية الإرشاد والاستقبال إلى جناح التغليف: «لقد وُلدت وتربيتُ مسلمة في باريس وتعرّفت على الخليجيين والعرب بشكل عامّ من خلال عملي، لكني طلبت الانتقال إلى جناح التغليف بعد المُضايقات والمهازل التي أشاهدها يوميا من بعض السياح العرب»، تقول إلهام، قبل أن تضيف: «يبدو البعض متعطشين إلى المرأة وكأنهم كانوا محبوسين في كهف!».. وتقاطعها صديقتها الفرنسية، بولين، وهي تعمل في أجنحة البيع، كاشفة لـ»المساء» أنها تتلقى يوميا العشرات من أرقام الهواتف وهدايا ودعوات من شيوخ عرب يدعونها إلى قضاء «ليلة ساخنة»، ويفعلون ذلك داخل المحل، وزوجاتهم في طابق آخر للتسوق.. «فالبنت عند هؤلاء جسد للمتعة فقط، وهذا ما يضايقنا نحن البائعات، حتى وإن كانت بعضنا قد استسلمن لإغراءات الهدايا والمال»، تقول بولين، قبل أن تؤكد أنّ الأموال التي تحصدها بعض صديقاتها من العرب الخليجيين في فترات الصيف وأعياد رأس السنة تغنيهنّ عن العمل بالمرة إلى أن يحين الصيف الموالي، لتتكرّر السيناريوهات نفسُها..

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

كويتيون يطعنون على الانتخابات البرلمانية بسبب "الكمامات"
الادعاء العام في فرنسا يتهم وكيل عارضات أزياء باعتداءات…
الكشف عن تفاصيل جديدة حول أخطر هجوم سيبراني في…
الشعب ما زال مصرا على إسقاط النظام في الذكرى…
أميركا تفتح "قضية لوكربي" بعد 32 عاما بتوجيه اتهامات…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة