الرئيسية » تحقيقات
زنا المحارم

بغداد – نجلاء الطائي


زنا المحارم هو أي علاقة جنسية كاملة بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقا لمعايير ثقافية أو دينية، و هي جريمة خلف الستار وورم خبيث ينخر العراق في صمت خوفا من الفاعل وخوفا من الفضيحة والعار،  لتظل الظاهرة تتوسع والضحية تلعق مرارة الخيبة والعنف في كنف من يُفترض أنهم صمام الأمان .


وانتشرت الظاهرة في محافظات العراق وخصوصا في الجنوب كالطاعون الذي ينخر فيها غير آبهٍ بالنتائج و الانعكاسات، وحالات صادمة نسمع عنها مرة تلو أخرى :آباء، إخوة، أعمام وأخوال يعتدون جنسيًا على أقاربهم الفتيات،لتصبح بذلك محنة يومية يعيشها الضحايا ،كلها مشكلات تؤثر نفسيًا وجسديًا على المعتدى عليها والتي نادرًا ما تتعافى منها، فيتقوض بذلك كيان الأسرة والمجتمع لأنها تضرب في عمق لحمة النسب والقرابة .


    من خلال هذا التحقيق  لـ"العرب اليوم " نقف عند رأي علم الاجتماع وعلم النفس، و نعرض شهادات للضحايا تنزف ألما وبوحا فيه الكثير من الجرأة لتكسير جدار الصمت والبحث في أسباب هذه الظاهرة التي ما تزال تعتبر من الطابوهات و البحث عن طرق لعلاجها و استئصالها من مجتمعاتنا مراعاة لقداسة الدين و المعتقد و القرابة، أصعب حالات الاغتصاب التي تواجهها الفتاة اغتصابها من قبل ذويها، رأي أجمعت عليه جميع من التقينا بهن ولا يمكن وصف جريمة اغتصاب الأقارب بالزنا لان الجريمة تتم برضا الطرفين، إما هنا فهي إكراه وإجبار ضد رغبتها إلا في حالات الرضا.


استغلالها لكسب المال
"في صبيحة يوم من الأيام، صحوت من النوم لأجد أخي يكبل يداي وقدمي، ثم أخذ يخلع ملابسي وأنا على فراشي، فصرخت بكل صوتي وحاولت أن أنقذ نفسي لكني لم أستطع، فقد أحكم تقييدي واعتدى علي من الدبر. يومها كان والداي خارج المنزل."، تروي بمرارة (ح،ح) البالغة من العمر 17 عاما.


     وتتابع: "في اليوم الموالي، أخبرت والدتي بما جرى لكنها لم تصدقني وواجهت أخي فأنكر فعلته ولم يكتفي بذلك، بل كرر العملية، مستغلا وجودي لوحدي في البيت ولكن هذه المرة جلب صديقيه وتمكنوا مني جنسيا. بعدها، تعرضت للاعتداء من قبل أخي الآخر وأخذ الوضع يتكرر لمرات ليستخدمني اخواي في الأخير للسمسرة الجنسية وكسب المال".
وأرادت (ح.ح) أن تتخلص من سطوتهم، فهربت من المنزل وتوجهت إلى مديرية مكافحة الإجرام لغرض تقديم شكوى بهما وبوالديها الذين تسترا عليهما. ولكن تم إخلاء سبيل الجميع بعد التحقيق. وأودعت هي إحدى دور الإحداث المخصصة للشابات.


  (ح،ح) ليست حالة منفردة في ظل الانفلات الأمني وتفشي الانحلال الأخلاقي  وانتشار المخدرات، في وقت تتكتم الجهات المعنية عن الإدلاء بأي تفاصيل حول مسألة زنا المحارم وغالبا مايفلت الجناة من العقاب مع صمت مطبق وتنصل الجهات الحكومية المعنية ومنظمات المجتمع المدني من مسؤوليتها.
تزوجها ابن عمها درءًا للعار
    (س،م) في العقد الخامس من عمرها يروي المقربون منها حكايتها، قبل بلوغها الثامنة عشرة من عمرها تعرضت للاغتصاب ولم تبح بالفاعل لكن عند الضغط عليها لاسيما أنها تسكن في دار جدها مع أهلها وأعمامها وأبنائهم الذين ضغطوا عليهم لمعرفة الجاني فأشارت إلى أنه واحد من أشقائها ومنذ ذلك الحين لم تستطع التكلم واتخذت من الصمت إلى يومنا بديلًا من الكلام في مأساتها وتم تزويجها من ابن عمها لدرء العار عن العائلة.
توقفت حياتها لحظة اغتصابها
    أما مها ( 17 عامًا ) فبالرغم مرور وقت من الزمن  على الحادثة  والفاجعة التي تعرضت لها، إلا أن تلك الحادثة تزامنها في كل زواية ،من حياتها مما جعلها تفقد الثقة با اقرب الناس لها حتى والدتها تقول مها كنت اعتقد أن الوالدان والأهل هم المكان الأمن بالنسبة  لي ولكن بعد أن تعرضت لتحرش جنسي من والدي فقدت الثقة بهم فاخترت أن أكون في حماية الأمن والجهات المسؤولة لعلها توفر لي الحماية وتوفر حقوقي كطفلة ،تعرضت إلى العديد من المواقف التي لم تكن  واضحة لي ، إلا بعد السؤال واللجوء إلى المعلمة التي أخبرتني على أهمية إبلاغ  إدارتي والتي قامت بالاتصال بحماية الأسرة والتي بدورها كشفت عن الحادثة وما زالت تحقق في الموضوع وتتحفظ عليه لحين فترة الإنجاب لكي ألد سفاحا لا اعلم كيف أتى ولماذا ،وماذا أفعل وهل أقول له، ماما بتلك الكلمات، ختمت مها حديثها لتسرع إلى ملجأها تبكي وتصرخ مؤكدة " أن الحيوانات المفترسة أرحم من  ذويها".
الخوف من الفضيحة
    تتعدد أسباب تفشي ظاهرة زنا المحارم وترتبط أساسا بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يكون لها تأثير على المنظومة الأخلاقية .


    أوضحت الباحثة الاجتماعية، هناء حسين في تصريح إلى "المغرب اليوم " إن انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية خطير جدا وان ذلك يفسر بالتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي للشباب وتعاطيهم المخدرات والمسكرات وعدم مراقبتهم من قبل الأهل ، بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الإجراءات القانونية والخوف المجتمعي من العار تسبب في تفاقم زنا المحارم، "فكثير من الفتيات تعرضن لمثل هذه الحالات ولكن تم السكوت عنهن ولم يفصح عن الأمر خوفا من شيء اسمه الفضيحة".


وتضيف "إن المصيبة الأكبر هي تستر الأهل والإفلات من العقاب وان اغلب الضحايا لا يصلن إلى الجهات الأمنية المسؤولة إما خوفا أو بسبب الحبس القسري، فتترك الفتاة لقدرها المحتوم ".
    من جهتها، تعتبر الناشطة في مجال حقوق المرأة، هناء ادور لـ"العرب اليوم " أن زنا المحارم يعتبر عنفا جنسيا ونفسيا صعبا للغاية في تشخيصه وإعلانه ومعالجته"، وترى أن "هذه الظاهرة تدخل في خانة اضطهاد المرأة من قبل الرجل، سواءا كان من اﻻقارب أو من اﻻغراب، داخل مجتمع يتسم بالذكورية ويغفر كل زﻻت الرجال".
وزادت أن عدم تصديق الأهل للضحية أو تسترهم على ما حصل لها، بالإضافة إلى خوف البنت نفسها وخجلها من التصريح بما تعرضت له، يفاقم المشكلة كما إن له تأثيرات نفسية عديدة على هذه الأخيرة وجبت معالجتها.


رأي علم النفس
    الدكتورة ندى الشيخلي استشارية بحوث وعلم نفس ترى أن العري والملابس المثيرة والأفلام الفاضحة التي انتشرت عبر الوسائل الحديثة كالستلايت هي دافع لزيادة هذه الحالات إلا إن هذا لا يعني أنها لم تكن موجودة سابقًا لكنها اطردت في السنوات الأخيرة وتضيف قائلة: "على اختلاف أسبابه سواء بحجة سوء التربية أم الأوضاع المعيشية أم أي مبرر من ضعف إيمان ومخافة الله في ارتكاب الآثام ينطوي برمته على أمراض نفسية للجاني لقيامه بالفعل وأخرى يتسبب بها للمجني عليها، ولا يمكن التقليل من خطورة هذه الجرائم على نفسية الفتاة فالكثير منهن خاصة في المجتمع العراقي يسكتن خوفًا من الفضيحة وآثارها عليهن من قبل الأهل والمجتمع في حالة عدم التصديق، مما تسبب في الكثير من الأمراض النفسية الجمة أصبن بها وجعلتهن يقبعن في المصحات أو غرف داخل منازلهن ليطلق عليهن تسمية مجنونة وحالات مرضية  كثر لم نكن نسمع بها في السابق".


القضاء وجرائم زنا المحارم
 وذكر مصدر قضائي وقانوني أن "هذه الجرائم ليست بالجديدة لكن في الآونة الأخيرة باتت تردنا قضايا كثيرة لكل منها قصة وأسباب لكن اغرب الحالات التي وردتنا هو وقوع زنى المحارم برضا الطرفين"، قائلًا: "إحدى هذه القضايا تمت منذ عقد أو عقدين لأخوين تزوجت الفتاة ولم يعلم أحد بما كان يجري إلا ان وجد شقيق لهما صورًا، حيث كان الأخ يصور الفعلة مع أخته وعند قيام المحاكمة كانت المبررات أنهما بعمر المراهقة ولا يعرفان إن هذا الفعل مخالف للعرف والدين والقانون".


    وفي قضية أخرى كان بين العم وابنة الأخ علاقة محرمة حيث رفقت في الدعوى أوراق تثبت أن الفتاة مختلة عقليًا لهذا يعفيها القانون ويحاسب العم على فعلته وان كانت برضاها، من ناحية الأحكام التي تخضع لها هذه الجرائم كانت وفق المادة 393/1/2/ب/د من قانون العقوبات.


ويقول القاضي كاظم الزيدي لـ"المغرب اليوم " إن هذه الجريمة تصنف ضمن الجرائم الخطرة وعقوبتها الإعدام، وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 488 لسنة 2004، لكل من ارتكب فعل الاغتصاب لأنثى وأدى الفعل إلى إزالة بكارتها أو الحمل أو الوفاة وتكون من أقاربه إلى الدرجة الثالثة"، مضيفا "ولكن عقوبة الإعدام  تم تعليقها في هذه الجريمة من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة".


ورغم وجود القانون فإن الضحايا غالبا ما يلتجئن إلى رفع شكاوى إما خوفا من الفضيحة أو لعدم المعرفة به، لذلك وجب اتخاذ إجراءات من قبل الحكومة والمجتمع المدني لحمايتهن.
    وتبقى هذه الجريمة  عاملا مهددا لاستقرار المجتمع ما لم يتم الاعتراف بها والعمل على معالجتها، حتى يجدن الفتيات من ينصفهن ولا يتفاقم عندهن الإحساس بان الجميع تخلوا عنهن.

 

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

كويتيون يطعنون على الانتخابات البرلمانية بسبب "الكمامات"
الادعاء العام في فرنسا يتهم وكيل عارضات أزياء باعتداءات…
الكشف عن تفاصيل جديدة حول أخطر هجوم سيبراني في…
الشعب ما زال مصرا على إسقاط النظام في الذكرى…
أميركا تفتح "قضية لوكربي" بعد 32 عاما بتوجيه اتهامات…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة