القاهرة ـ شيماء مكاوي
كشفت أخصائية العلاقات الأسرية الدكتورة رشا عطية، أن الحوار الجيد هو السبيل الوحيد للتغلب على سموم الحياة الزوجية.
وأوضحت عطية في حوار خاص مع "المغرب اليوم"، أنه "بعض المشاكل الزوجية المطروحة بين الأزواج، يكون حلها بسيطًا، ولكنه يغيب عن كثير، منا فالحوار الجيد هو السبيل الوحيد للتغلب على سموم ومشاكل الحياة الزوجية"، مضيفة أن"المشكلة الأساسية تكون أن الزوج والزوجة في الأصل لا يقدرون على التفاهم والتواصل فيما بينهما أو الوصول فيما بينهما إلى ارض واحدة يتم التحدث من خلالها وبناء الحياة".
وأضافت "الحوار بين الزوجين هو الحلقة المفقودة للتفاهم والانسجام فيما بينهما، الحوار هو القناة التي توصلنا إلى الآخر، فعندما نتحاور مع الطرف الأخر ليس فقط نعبر عن أنفسنا بكل خبراتنا الحياتية وبيئتنا الأسرية والتربوية، ولكن نعبّر عن جوهر شخصيتنا عن أفكارنا عن طموحاتنا".
وبيّنت أن "الحوار ليس أداة تعبير لغوي فقط، بل الحوار هو أداة التعبير الذاتي، فكيف لزوجين هدفهما التفاهم والانسجام وتحقيق المودة والألفة دون تحسين أسلوب حوارهما مع بعضهما"، وأشارت إلى أنها تتابع في الآونة الأخيرة الباحثين في مجال العلاقات الزوجية، موضحة أنهم "أعطوا أهمية كبيرة للحوار في عملية الاتصال والتواصل الإنساني ونجاح هذه العلاقات".
ولفتت عطية إلى أنهم "اعتبروا انعدام الحوار بين الزوجين من الأسباب الأولى المباشرة المؤدية إلى الطلاق وفقا لما ورد في دراسات عديدة، والتي أظهرت أن انعدام الحوار بين الزوجين هو السبب الرئيسي الثالث المؤدي إلى الطلاق، وفي دراسة علمية أخرى لباحث في مجال العلاقات الزوجية لمدة تزيد عن 18 عامًا، أوضح أن أهم أسباب الطلاق المبكر هو عدم النضج، عدم التفاهم، وصمت الزوج".
وأردفت "أشار الباحث أيضًا إلى أن مشكلة انطواء الأزواج وصمتهم في المنزل أصبحت من القضايا التي تخصص لها نقاشات في الندوات العالمية لما لها من تأثير سلبي على نفسية الزوجة والحياة الزوجية عامة".
وتابعت "في دراسة أخرى أجريت على نحو مائة سيدة، اخترن كعينة عشوائية، بهدف الكشف عن أبرز المشكلات الزوجية التي تواجهن، تراوحت الإجابات بشكل عام ما بين الصور التالية، بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل، الاختلاف المستمر في الآراء ووجهات النظر، رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط، انعدام الحوار"
وأردفت "عندما طُرح في هذه الدراسة ما هو الأسلوب الأمثل لحلّ هذه المشكلات الزوجية، تبين أن ما يزيد على 87% من إجابات السيدات أنهم يفضلن الحوار المباشر والتفاهم والتواصل لحل أية مشكلات، وفسرن ذلك بأنه أقصر الطرق لحل أي خلاف ينشأ".
ونوّهت عطية بأن نسبة 4% فقط اللاتي قلن إنهن يلجأن إلى وسائل أخرى لحل الخلافات الزوجية أبرزها كتابة الرسائل المتبادلة التي توضح وجهة نظرهن في المشكلة المثارة، ومن هذه الأبحاث والدراسات نستطيع حصر المفاهيم الخاطئة التي يقع بها الزوجين من أجل التهرب من وجود حوار فيما بينهما منها
مفاهيم سلبية خاصة لدى الزوج:
- دائما يفترض الزوج أن الزوجة تتصرف كما يتصرف هو من حيث أسلوب التفكير والمحادثة.
- الاستهانة بشكوى الزوجة واعتبارها من أساليب الزوجة النكدية .
- التعامل معها بلغة العقل وإغفال الجانب العاطفي وذلك مقياسًا لطبيعة الرجل وأسلوب حياته.
- الاستخفاف باقتراحات الزوجة لحل المشاكل المطروحة نظرا لعدم الثقة بقدرتها على إيجاد الحلول المناسبة.
- أن الزوج يفترض انه أوفّى بكل مطالب الزوجة وأدى واجباته المالية من حيث السعي والعمل والإنفاق، وهكذا يكون قد أدى دوره.
- أن الزوجة بطبعها كثيرة الثرثرة فمن الأفضل عدم إعطائها الفرصة للتحدث والعمل على إيقافها عند اللزوم.
- على الزوجة فقط أن تبادر بالتحدث لزوجها لتؤمن له الراحة النفسية.
- لا يوجد وقت كافي للتحدث مع الزوجة نظرا لضغط الأعمال وضيق الأوقات وهي تتفهم هذا.
أما المفاهيم السلبية الخاصة لدى الزوجة:
- أن تقارن الزوجة تصرفات زوجها بتصرفاتها.
- تتوقع الزوجة من الزوج أن ينفذ ما ترغب في أن ينفذه، لأنه يفكر بالأسلوب نفسه.
- تعتمد أسلوب الاستفزاز لكي تخرجه من صمته وتدفعه للحوار .
- تتوقع أن يبادرها في الحوار وأن يعبر لها عن مشاعره الرومانسية في كل حديث وساعة.
- أن تعاند الزوجة آراء زوجها لاعتقادها أن الرجل لا يأتي إلا بهذه الطريقة.
- أن الزوج عندما يصمت إنما يعبر عن غضبه عليها وعن فتور الحب بينهما.
إذا الحديث عن المفاهيم الخاطئة لدى الأزواج ينقلنا لنقطة أخرى وهي شرح ما يعنيه الحوار لكل من الزوجين، وهل يختلف معنى الحوار والحاجة إليه عند كل منهما وما هي الفروقات النفسية والفكرية في طريقة استخدام الحوار ؟
ثانياً: الفروقات النفسية والفكرية في طريقة استخدام الحوار عند الزوج والزوجة:
أولا / عند الزوج:
- سنجد إن الرجل لا يتكلم إلا لهدف معيّن، هو لا يحب الكلام في حد ذاته ولكن هو يريد أن يحقق هدف محدد من كلامه وحواره مثال إثبات الذات، جلب المصالح، المناقشة والمنافسة، كسب العلاقات العام.
لذلك نجد الرجل يتكلم خارج المنزل أكثر من داخله، ويستعمل كل أسلحته خارج المنزل للفوز ولتحقيق أهدافه، لذا هو يستهلك الكثير من الكلام وعند عودته إلى المنزل نراه قليل الكلام لأنه بذل مجهودًا كبيرًا في الخارج ولم يتبقى لديه الطاقة التي تعينه على الحوار في البيت.
وارتبط المنزل بالنسبة لمعظم الرجال أنه هو المكان الذي يصمت به، فهو قادم للراحة فالراحة للرجل هي الابتعاد عن المنافسات والمناقشات الطويلة، الراحة بالنسبة للرجل هي عدم الكلام، أيضا الرجل لا يستخدم أسلوب الحوار إلا إذا أراد أن يستفسر عن أمور معيّنة أو يتحقق من واقعة، ونادرًا ما يتحدث الرجل عن مشاكله إلا إن كان يبحث عن حلّ عند خبير، لأن بنظره "طلب المساعدة عندما يكون باستطاعتك تنفيذ العمل هو علامة ضعف أو عجز"، وبالتالي هو مستحيل أن يظهر في هذا الدور.
ويجد الرجال صعوبة في التعبير عن مشاعرهم ويشعرون بأن كيانهم مهدد إن أفصحوا عن ذلك، وهذا ما يدفعهم للتعبير عن مشاعرهم بطرق أخرى مختلفة عن الحوار.
ثانيا / عند الزوجة:
تشعر النساء بقيمتهن الذاتية من خلال التعبير عن مشاعرهم ونوعية العلاقات التي تقييمها مع الآخرين، ويشعرن بالاكتفاء الذاتي من خلال المشاركة والتواصل.
وواصلت عطية "الحوار والتواصل بالنسبة للمرأة هي حاجة ضرورية وملّحة، هي حاجة نفسية فإن لم تشبعها يحدث لديها اضطراب وقد تلجأ المرأة إلى تصريف هذه الحاجة من خلال إقامة العلاقات الاجتماعية والمشاركة في جلسات حوارية مختلفة خارج المنزل، وبالرغم من أنه يلبي حاجة في نفسها إلا أن الزوجة لا يمكن أن تشعر بقيمتها الذاتية إلا من خلال إشباع حاجة الحوار لديها مع زوجها، فإن كان الزوج من النوع الذي لا يحاور زوجته أو لا يصغي لحديثها، فإن الزوجة تفسّر ذلك بأنه لا يحبها ولا يقدّرها و لا يهتم بها، وهذا بالتالي يؤثر على نفسية الزوجة فتقوم بردود فعل تجاه الزوج مسيئة للعلاقة الزوجية".
وتابعت "كما أن الزوجة داخل المنزل تكثر الكلام وتتكلم في أمور شتى لأن المنزل هو المكان الأمثل الذي تشعر فيه بحرية الكلام وعدم خوفها من ملاحظات الآخرين، فتتكلم بأمور كثيرة مهمة وغير مهمة الحياة بالنسبة للمرأة عبارة عن اتصال ودي ومحاولة خلق جو ملئ بالمحبة، والكلام هو أفضل وسيلة، فتظهر أنها ثرثارة تختلق الكلام حتى ولو لم يكن هناك شيء مهم".
ثالثا / لغة المرأة مختلفة عن لغة الرجل:
وأكدت عطية أن "الرجل لا يختلف عن المرأة بيولوجيا ونفسيا فقط، و لكن أيضا في طريقة استخدام اللغة ، فعندما يتكلم الرجل يختار كلماته بدقة وواقعية، فهو كل كلمة ينطقها يقصدها ويعنيها بذاتها لذلك نرى كلامه مرتباً متسلسلاً منطقياً، ويبتعد عن استخدام لغة العاطفة في حديثه".
وأردفت "لكن المرأة عندما تتحدث تستخدم لغة العاطفة في كلامها فغالبا ما نراها تستخدم هذه العبارة: " أنا أحسّ، أشعر.." وعندما تتكلم المرأة فهي تطلق أحكاما عامةّ شمولية ولا تقصدها لذاتها إنما لتبالغ في التعبير عن شعورها أو ما يزعجها. مثال تقول للزوج "أنت بحياتك ما خرجتني، ألف مرّة قلت لك لا تفعل ذلك، إنك لا تشعر بي أبدا".
وبيّنت أن "هذه العبارات لا يفهمها الرجل كما هي على الإطلاق وذلك لأنه يفهم كلامها من منظاره هو، أي يفهم هذه العبارات كلمة كلمة، وهذا ما يثير غضب الزوج، وقد نرى في هذه الحالة ردة فعل عنيفة لها قائلا على سبيل المثال " لقد فعلت كذا لأعبر لك عن شعوري معك، ألا تذكرين موقف كذا في يوم وتاريخ قد فعلت لك وقمت وشاركتك مشاعرك "وهذه الأمثلة الصغيرة كثيرا ما تتكرر في الحوار بين الزوجين، وهو حوار سلبي في حال استمر على هذا الحال، فإن الرجل هنا يحكم على حديث المرأة مقارنة باستخدامه الخاص للغة، كما أن المرأة لا تستوعب ردة فعل زوجها وتظن أنه يحاسبها على ما فعله لأجلها وهو يسرد لها هذه التفاصيل".
رابعا / الحوار النفسي السلبي عند الزوجين:
ذكرت الدكتورة عطية أن "الحوار النفسي السلبي هو الحوار الداخلي الذاتي، أي طريقة الحوار مع النفس فالحوار عند الإنسان ينقسم إلى حوار داخلي أي أفكارك التي تدور في بالك وما تحدثه لنفسك، وحوار خارجي هو التعبير اللغوي".
وأوضحت "في موقف من المواقف بين الزوجين على سبيل المثال، عندما يطلب الزوج من زوجته أن تسهر معه وقتا طويلا وترفض ذلك الزوجة لأنها تشعر بالتعب نتيجة يومها الشاق وتستأذن لتنام، وطبعًا هذا الموقف يختلف فيه ردود فعل الأزواج، وهذا يكون وفقًا للحوار النفسي للرجل، فنجد الرجل يقول لنفسه في هذا الموقف "إنها لا تحترمني لا تقدّر رغباتي تحججت بالتعب لتتهرب مني- إنها تتعمد إغضابي- لا تحبني- إنها أنانية"، هنا استخدم الرجل الحوار النفسي السلبي (وكذلك الحال لو عكسنا المثال على المرأة)
وأضافت "بهذا دخل الرجل في دائرة الحوار النفسي، والتي هي: فكرة سلبية- تضخيم هذه الفكرة وإيجاد تفسيرات ذاتية لها- توتر داخلي- تصاعد التوتر- غضب- مشكلة مع الطرف الآخر، لذا نلاحظ في كثير من الأحيان أن الزوجين يطلبان الطلاق لأسباب ظاهريه بسيطة، ولكن يكون الدافع من وراء ذلك هذا الحوار النفسي السلبي الذي لم يتعالج ولم يتم التحدث عنه وتفريغه.
ولففت إلى أن "هذا الرجل أو المرأة الذي دخل في هذه الدائرة سنجده يفتعل أي مشكلة مع زوجته ويضخمها عقابا لها، وفقا لما يعتقده من أفكار سلبية نحوها لا تمت بأي صلة للواقع إنما هي أفكار سلبية وهمية، وإن الإنسان (زوج أم زوجة) تكثر عنده هذه الحالات من الحوار في حال كان يعيش ظروف عدم الأمان وعدم الشعور بالأهمية والتقدير الذاتي، وأفضل نصيحة للذي يعاني من هذه الأفكار أن لا يأخذ الأمور علي محمل شخصي بل يفسّر الحدث بواقعه وأن يحارب هذه الأفكار السلبية بأن ينظر لها من أفكار نفسية إيجابية، فبدلا أن يتهم الزوجة بأفكار سلبية معينة يمكن أن يستبدلها بأفكار إيجابية، يعني أن يخلق لها مبررات إيجابية ويضخم هذه الأفكار في نفسه بحيث أن يقتنع بها ويعامل زوجته على هذا الأساس الإيجابي، فلا بد من التماس الأعذار الإيجابية للطرف الآخر حتى نتجنب حدوث مشاكل".