القاهرة / شيماء مكاوي
كشف عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة واستشاري الأطفال، وزميل معهد الطفولة في جامعة عين شمس الدكتور مجدي بدران، أن المساحات الخضراء واحة الاسترخاء والمناعة في الأعياد. وأضاف "على مدار التاريخ كان هناك ميل فطري للبشر لعشق المعيشة بجوار الغابات والحقول والحدائق ، وعرف الأجداد بالفطرة أن الاحتكاك بالطبيعة خاصة المساحات الخضراء يفيد في الاسترخاء و الراحة والارتباط بالأرض والوطن".
وتابع بدران في تصريحات خاصة إلى "العرب اليوم"، أن الجلوس أو النوم أو الصلاة على طين المساحات الخضراء له مفعول السحر في الغدة النفسية التي تريح البال والجسد. وتبين بعد ذلك أنه يخلص الجسم من الطاقة السلبية والشوارد الحرة، وأن هي البكتيريا الصديقة "فاكي" التي تعيش في التربة الزراعية تقوم بتحفيز المخ على إنتاج هرمون السيروتونين وهو هرمون السعادوة والانشراح والمزاج العالي وتقبل الأخرين".
وواصل "هى من ضمن الأسباب التي تفسر أن الفلاحين أكثر سعادة وبساطة من أبناء المدن إذ يستنشقونها ويبلعونها , بينما ساكني الغابات الأسمنتية في المدن الحديثة يستنشقون ويبلعون الرصاص الذي يسبب العصبية ويقلل الذكاء، وتعتبر سبباً من نبوغ أبناء الريف الذين يلعبون في طفولتهم في طين الزراعية. وتجعلهم أكثر ذكاء و قدرة على التعلم مقارنة بأبناء المدن الذين يتعرضون للرصاص ويحرمون من المساحات الخضراء. والمساحات الخضراء هي الحقول الزراعية ، و الغابات ، و الحدائق العامة و الخاصة ، و المتنزهات ، و حدائق الحيوان ، و مناطق لعب الأطفال و المرافق الترفيهية ، و الحواجز على جانبى الطريق و الشواطئ ، و ممرات المشاة ، و أشجار الشوارع ، و الأسطح الخضراء فوق المنازل و البنايات ، و الملاعب الرياضية، والمساحات الخضراء تقلل من الحساسية و بالرغم من غناها بحبوب اللقاح التي تسبب الحساسية في الذين لديهم استعداد وراثي لحدوث الحساسية، تقلل المساحات الخضراء من الحساسية في عموم البشر".
واستطرد بدران "المعيشة بالقرب من المساحات الخضراء يرتبط بمعدلات أقل لضيق الشعب الهوائية، والصفير التهاب الشعب الهوائية، والحرمان من المساحات الخضراء يرتبط بمعدلات أعلى في حساسية الصدر، والتهابات الشعب الهوائية". وارتبط زيادة التعرض للمساحات الخضراء الحضرية برفع المناعة، وبانخفاض مخاطر التوتر والاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكر والوفاة المبكرة والتخفيف من الإجهاد المزمن. والمساحات الخضراء تزيد من الإقبال على ممارسة الرياضة في الهواء الطلق. وتتربط بالحركة واللعب وممارسة الرياضة وخفض الوزن الزائد، مما يزيد من المناعة، وتعود الأطفال على التعود على المؤثرات البيئية والتأقلم على الطبيعة والتنوع البيولوجي، وتنشط مكافحة الميكروبات المختلفة في المجتمع، والاسترخاء يقلل التوتر وكيمياء الغضب ويرفع المناعة، والشمس المشرقة تحسن المزاج، وتزيد من فيتامين د، والمساحات الخضراء توفر رؤية أكثر لضوء النهار و أشعة الشمس مما يزيد من المناعة والسعادة، ومن المعروف أن نقص فيتامين د أكثر أنواع نقص الفيتامينات انتشارا، وإهمالا، والوباء إنتشر في العصور الحديثة لأن الناس بتوا يقضون 90% من حياتهم في مبانى مغطاة بمثابة زنزانات المدنية الحديثة التي تغيب عنها الشمس، و 14 دراسة على 31 ألف فرد بينت أن نقص فيتامين د يرتبط بالإكتئاب، وكلما انخفضت نسبة فيتامين د زادت فرص الإكتئاب".
وأضاف "فيتامين د يحد من أعراض الحساسيه و يفيد مرضى الحساسية الصدرية المعرضون لمضاعفات الإنفلونزا ، و ينشط الجهاز المناعى خاصة ضد الفيروسات جميعاً ، و هام لسلامة كافة الخلايا و يساعد فى تشكيل خلايا الدم ، و الخلايا المناعية ، و يفيد مرضى الأرتيكاريا المزمنة ، و السكان القريبون من المساحات الخضراء أكثر صحة، وزيادة المساحات الخضراء القريبة بنسبة يقلل من الشكاوى الصحية للشخص بما يعادل شكوى خمس سنوات، وعند مقارنة الصحة العامة للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 سنة و يعانون من ظروف الحرمان الاجتماعي والاقتصادي تبين أن المعيشة في بيئات ذات مساحات خضراء 20 % تقلل مخاطر الصحة العامة 14 % مقارنة بالذين يعيشون في بيئات ذات مساحات خضراء أقل من 10 %. والحرمان من المساحات الخضراء يزيد من المخاطر الصحية، و يزيد من معدلات الولادة المبكرة وترميم الانتباه، والإجهاد المزمن و التوتر النفسى يقللا من الإنتباه".
وتابع "المساحات الخضراء تقلل من فرط الحركة وقلة التركيز، والعمى غير المقصود، والعمى غير المقصود وهو ظاهره طبيعية شائعة تجعلنا أحيانا لا نلاحظ الأشياء أو الأحداث بصورة غير متوقعة، عندما يتم توجيه اهتمامنا لشيئ أخر ربما أقل أهمية و تفسر حدوث الأخطاء بالرغم من حقائق واضحة للعيان، يعزوها البعض للإهمال ولكن السبب هو عدم الانتباه، وتقل هذه الظاهره عند الحصول على مكافأة أو تشجيع، والمساحات الخضراء و الطبيعة الخلابة تقلل من هذه الظاهره، وكأنها مكافأة طبيعه لنا تحسن إنتباهنا للأشياء والأحداث، والاهتمام غير الطوعي بالمحفزات في البيئات الطبيعية كالوجود وسط المساحات الخضراء يساعد على زيادة الإنتباه بشكل غير مباشر، ويعمل على تحسين الأداء في المهام التي تتطلب الاهتمام المباشر والتركيز، ويستعيد و يحسن الأداء المعرفي.
وأكد أن توافر الحدائق الكبيرة في الأحياء يؤثر بشكل إيجابي على الصحة العقلية للأفراد الذين يعانون من حالات مزمنة مسبقا، مما يحتم إدراج المساحات الخضراء فى تخطيط المناطق الحضرية. وجدت دراسة حديثة منشورة في 20 يوليو/تموز أن المساحات الخضراء، خاصة غطاء الأشجار في المناطق ذات الكثافة العالية للطرق، ترتبط بقلة انتشار اضطراب التوحد ( الأوتيزم ) في أطفال المدارس الابتدائية، وأن زيادة المساحات الخضراء بنسبة 10% ترتبط بانخفاض معدل انتشار التوحد، وكان الانخفاض بالنسبة الغابات 10٪ و المراعي 10٪ و أشجار الظل القريبة من الطرق 19 %، والتفسير المحتمل هو قيام المساحات الخضراء بفلترة الهواء الملوث و الحد من الضوضاء.
ومن المعروف عالميا، أن أدنى وزن للولادة يحدث في أكثر المناطق فى الحرمان الاقتصادي و غياب أو عدم إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء، ويعيش أكثر من نصف سكان العالم في بيئات حضرية، وبسبب العوامل المرتبطة بالبيئات الحضرية خاصة ارتفاع تلوث الهواء قد يواجه مواليد سكان المناطق الحضرية في العالم مخاطر أعلى مقارنة بسكان المناطق الغنية بالمساحات الخضراء مثل إنخفاض وزن المواليد.
وتفيد الرفاه الصحة النفسية و الصحة البدنية للفرد , و تغزز الوقاية من الأمراض و الصحة العامة للمجتمع، و ترتبط بالسعادة و الرضا و طول العمر. وفقدان مساحة خضراء قد يؤثر على الرفاه أكثر من التنمية التجارية لمنطقة ما ، و الأفراد الذين يتمتعون بمستويات عالية من الرفاه هم أكثر إنتاجية في العمل , وأكثر من يساهموا في حل مشكلات مجتمعاتهم. وتزداد معدلات ممارسة رياضة المشي بزيادة المساحات الخضراء خاصة لدى كبار السن ، و فوائد المشي و يمنع تآكل العضلات الهيكلية الذى يزيد بعد الأربعين ، و يقوي القلب ، و يحد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية ، و يحسن ضغط الدم ، و يحسن مستويات السكر ، و يخفض مستويات الدهون في الدم ، و يحافظ على وزن الجسم و يقلل من خطر السمنة ، و يعزز الصحة النفسية ، و يقلل من خطر الإصابة بهشاشة العظام ، و يقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي و القولون.
و حوالي 40 دراسة طبية أكدت على وجود علاقة بين المساحات الخضراء، وانخفاض السمنة، واستخدام المساحات الخضراء لزراعة الأغذية، الاهتمام بحديقة المنزل يزيد من النشاط البدني والصحة النفسية ويشجع على اتباع نظام غذائي صحي و بالتالي الحد من السمنة، وصعوبة الوصول إلى الحدائق وقلة المساحة الخضراء يرتبط بزيادة الوزن والسمنة، والمساحات الخضراء تحسن نوعية الهواء بضخ مزيد من الأوكسجين، وتحسين نوعية الهواء، وتقلل من الحاجة لإستخدام الطاقة وبالتالى خفض تلوث الهواء المرتبط بانبعاثات الغازات الدفيئة.
وتزيل ملوثات الهواء أولا بأول وتخزن وتحجز غاز ثاني أكسيد الكربون الحقول والحدائق والمزارع، و تولد الاكسجين سر البقاء على الأرض، ويوفر التمثيل الضوئي 98% من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، والباقى ( 2 % ) ينتج من تحلل الماء بواسطة الأشعة الفوق بنفسجية و غياب اللون الأخضر الطبيعى من الكوكب سبب الإحتباس الحراري، وتغير المناخ وتلوث الهواء والأكسجين ضروري للنشاط والمناعة والذاكرة والشفاء والراحة والإسترخاء. ونتنفس 20 ألف مرة في اليوم لاستقباله والأكسجين يشكل 90% من كتلة جزئ الماء والماء يشكل 70% من كتلة الإنسان، و غياب الأكسجين يعني الموت. وغابات الأسمنت لوثت هواء كوكب الأرض مما زاد من معدلات الاصابة بالالتهابات التنفسية خاصة الالتهاب الرئوي والإصابة بحساسية الصدر أو الأنف أو الجلد، ومعدلات سرطان الرئة.
و مع استمرار ميل البشر للنمط الغربى في الحياة بدعوى التمدين، أصبحت نسبة البشر ساكني غابات الأسمنت ( المدن ) 60 % بدلاً من 45% . وتجريف الأراضي الزراعية والتلوث الجوي وقتل أعشاب البحر، يقلل من كمية الأكسيجين المتاحة في الغلاف الجوي ! وانخفاض استخدام الطاقة المباني التي تتمتع بظل الأشجار تنخفض فيها الحاجة لاستحدام أجهزة تكييف الهواء.
وتقلل الأشجار والنباتات من الحاجة، لاستخدام الطاقة وبالتالى خفض تلوث الهواء المرتبط بانبعاثات الغازات الدفيئة. وتخفض المساحات الخضراء من درجات الحرارة السطحية و درجات حرارة الهواء ، و من خلال توفير الظل ومن خلال التبخر. والأسطح المظللة أكثر برودة من 11-25 درجة مئوية من درجات حرارة الذروة للأسطح غير المظللة. تحدث الجزر الحرارية على السطح وفي الغلاف الجوي، وتزداد فى الأيام الحاره المشمسة.
ويمكن للحرارة أن تسخن الأسطح في المدن مثل أسطح الشوارع والأرصفة والأسطح المباني لدرجات حرارة 27-50 درجة مئوية، بينما تظل المناطق الظليله والرطبة بنفس مستوى درجة حرارة الهواء. وتجعل الهواء أكثر سخونة ليلا و نهارا، وقلب المدن أكثر سخونة من الأطراف و المناطق الريفية، وتميل إلى أن تكون أقوى خلال النهار عندما تكون الشمس مشرقة. وتصبح أكثر وضوحا بعد غروب الشمس بسبب الإفراج البطيء للحرارة من البنية التحتية الحضرية.
ويمكن أن تساهم المساحات الخضراء في تعزيز الصحة العامة، والوقاية من مضاعفات أمراض العصر بما فيها من أمراض نقص المناعة والحساسية، والأمراض العقلية، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكر من النوع 2 والسرطان، وزيادة النشاط البدني و إنتاجية القوى العاملة تدعم المساحات الخضراء المعيشة الصحية في المدن الحديثة. وتساعد على إعادة ضبط للجسم ، وتعزز نوعية المياه، يقلل الغطاء النباتي من الجريان السطحي لمياه الأمطار، ويحسن نوعية المياه عن طريق امتصاص وترشيح مياه الأمطار. وتقلل ظلال الأشجار من تدهور أرصفة الشوارع، مما يقلل مصاريف الصيانة اللازمة للأرصفة.
وتحسن نوعية الحياة و تقلل من الضوضاء بالحد من مرور السيارات المساحات الخضراء تقلل من الجرائم، وهناك أدلة على أن توفير المساحات الخضراء الجديدة في الأحياء المحرومة يقلل من معدلات الجريمة في المجتمع، ولوحظ أن الحدائق في الأحياء الفقيرة قد تجتذب المزيد من الرعاية والاهتمام من قبل السكان أنفسهم، مما يخلق جوا سلميا يحول دون وقوع حوادث العنف في هذه الأحياء. وأشارت الدراسات إلى أن معدلات الجريمة تنخفض بالفعل في المناطق المحيطة بالحدائق الجديدة.
ونشر المساحات الخضراء لم يعد فقط لأسباب جمالية أو لرفع الدوق العام وتهذيب السلوك أو لأسباب اقتصادية أو صحية بل لمكافحة الجريمة أيضا. والدراسات الحديثة الأميركية وجدت ارتباطات كبيرة بين المساحات الخضراء، وخفض أنواع معينة من الجرائم في مناطق عديدة، ووجد أنها تقلل من حوادث العنف و حيازة المخدرات. ولكن هذا لا ينفي حدوث سرقات للأفراد في المساحات الخضراء القليلة الأفراد. ويمكن للمساحة الخضراء أن تلعب دورا مهمًا في تعزيز التفاعلات الاجتماعية و التماسك الاجتماعي وتعزيز الشعور بالمجتمع و الأنشطة الاجتماعية، وهناك تأثير وقائي معروف للعلاقات الاجتماعية على الصحة الجسدية والنفسية، والعزلة الاجتماعية مؤشر معروف للأمراض والوفيات. ووجدت علاقة بين كمية، و نوعية المساحات الخضراء في الشوارع، والتماسك الاجتماعي على مستوى الأحياء.
وغياب المساحات الخضراء يزيد من مشاعر الوحدة، ويقلل من الدعم الاجتماعي، وتعزز الإحساس بالمكان والبيئة، وترسخ هوية المكان فى وجدان الفرد، وثبت ارتباط المكان بالبيئة الاجتماعية و الطبيعية و صحة الإنسان، والمساحات الخضراء يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على النشاط البدني والاجتماعي و ينبغى توفير مساحات خضراء عامة مفتوحة خاصة في المدن بغض النظر عن الظروف الاجتماعية و الاقتصادية، و يجب ان تخصص لها مساحات مناسبة في المناطق السكنية للإقلال من الجزر الحرارية، والمستشفيات لإستكمال العلاج والاستشفاء ، و في المدارس والجامعات لزيادة التحصيل الدراسي، وفي السجون للأقلال من الميل للإجرام، وفي دور العبادة للمساهمة في الاسترخاء والإقبال عليها، و في أماكن العمل لزيادة الإنتاج والإبداع، و توفير مرافق ترفيهية مناسبة لجميع الفئات العمرية، وتسهيل الوصول إلى المساحات الخضراء.