بيروت - غيث حمّور
يعتبر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أكثر الشخصيات التي عولجت بأفلام هوليوودية، ففضيحة التجسس (ووتر جيت) وتنحي الرئيس نيكسون عن الرئاسة في ظاهرة شهدها التاريخ الأميركي للمرة الأولى، كانت مادة دسمة لمخرجي السينما، بدايةً بفيلم المخرج آلان باكوك " كل رجال الرئيس" عام 1976، وفيلم" "Secret Honour عام 1984 للمخرج روبرت ألتمان، ولعب بطولته الممثل فيليب بيكر هول، ليأتي المخرج أوليفر ستون بفيلم "Nixon" عام 1995 والذي قام ببطولته الممثل انتوني هوبكنز، وآخر هذه الأفلام "frost\nixon" عام ،2008 وهو من إخراج رون هاورد ومن تأليف الكاتب البريطاني بيتر مورغان، و ترشح الفيلم لـ4 جوائز أوسكار منها أفضل مخرج وأفضل ممثل، ولكنه لم يحصد منها أي جائزة، والفيلم يتمحور حول المقابلة الشهيرة لنيكسون مع الإعلامي البريطاني ديفيد فروست بعد 3 سنوات من استقالته من الرئاسة. كما قدّم الثنائي فرانك لانغيلا (دور نيكسون)، والبريطاني مايكل شين(دور فروست) مسرحية تحمل نفس العنوان للمؤلف بيتر مورغان على مسرح لندن، ومن ثم على مسرح برودوي، وحصد في ذلك الوقت (لانغيلا) صاحب الـ71 عاماً جائزة توني المسرحية كأفضل ممثل، وعاد الثنائي (لانغيلا/شين) لتقديم نفس العمل ولكن في السينما تحت إدارة المخرج رون هاورد والذي قدم سابقاً الفيلم الاشكالي (دافنشي كود) وكان (رون) خطف إخراج فيلم (frost\nixon) من مارتن سكورسيزي وسام منديس وجورج كلوني، وقام بإعداد السيناريو نفس مؤلف المسرحية الكاتب البريطاني بيتر مورغان الذي اتسمت نصوصه بالجرأة في تقديم الشخصيات السياسية ومن أفلامه (الملكة) و (آخر ملوك أسكتلندا). يقع فيلم "نيكسون/فروست" في ساعتين، وتبدأ أحداثه 8 أغسطس/ آب عام 1974 وهو يوم الاستقالة التاريخية لنيكسون من السدة الرئاسية وانعزاله في بيته دون أي حديث صحافي عن الواقعة ودون أي اعتذار أو تبرير لما حدث في فضيحة الـ (ووتر جيت) أو في المجازر في فيتنام وكامبوديا، ليحاول في المقابل الإعلامي البريطاني ديفيد فروست الحصول على مقابلة حصرية من نيكسون لينجح بذلك بعد ثلاث سنوات من استقالته وذلك عام 1977 بعد أن يدفع 600 ألف دولار لقاء المقابلة، لتكون بأربعة جلسات كل منها عن ساعتين وبشرط أن يكون الكلام عن فضيحة التجسس (ووتر جيت) لا يتجاوز خمس الوقت الكلي, لتبدأ المقابلات في 23 آذار 1977 ويفاجئ فروست نيكسون بسؤاله الأول (لماذا لم تتلف الأشرطة الخاصة بالتجسس؟) ولكن نيكسون يفلت من السؤال ويعتمد السرد والإطالة والالتفاف حول السؤال، لتكون المقابلة الثانية 25 آذار حول محور فيتنام وكامبوديا والمجازر التي ارتكبت آنذاك، في المقابلة يتابع نيكسون تفوقه على محاوره ويجره لاستفاضته في الحديث عن الصلاة التي قام بها نيكسون (المسيحي) مع وزير خارجيته كيسنجر (اليهودي)، وقبل المقابلة الأخيرة وإحساس فروست بالهزيمة يأتيه اتصال من نيكسون (الذي أفرط في الشرب) وراح يتحدث بغضب عن طفولته، ووضعه السياسي، مشاعره حيال أصحاب الامتياز، لتكون الجلسة الأخيرة في 22 نيسان/إبريل والتي أسقط فيها فروست نيكسون بالضربة القاضية بعد أن حاصره من جميع الجهات ليعترف نيكسون بالأخطاء التي ارتكبها ويقدم اعتذاره. رغم أن الموضوع الذي يعالجه الفيلم قد يتصف بالجمود ولكن السيناريو كان بعيداً جداً عن ذلك، فكان محكماً في صياغته, بعيداً عن التنميق والتزيين, فالسيناريو تعامل مع شخصية نيكسون ليس بقصد التمجيد أو الإدانة الإيديولوجية (كما تعامل معها في الأفلام السابقة) بل اعتمد تسليط الضوء على شخصية مارست السلطة واتخذت القرارات في فترة من أهم فترات التاريخ الأميركي والعالمي، وحاول تقديمها عارية بقوتها وضعفها، وفرحها وحزنها، منطلقاً من الواقع التاريخي وإعادة صياغته ليتحول لكلمات على لسان الشخصيات، لينسج دراما مليئة بالجذب والإثارة. وبدوره قام المخرج (رون) بتحويل هذا السيناريو إلى مبارزة حقيقية بين نيكسون وفروست، ليحول كلاً منهما إلى مصارع في حلبة، وكان واضحاً كثرة اللقطات وتعدد زواياها مما أضاف بعداً حقيقياً خاصة في المشاهد التي صوّرت المقابلة بين الاثنين، وأضاف على ذلك لمسة وثائقية مميزة من خلال حديث الشخوص عن المقابلة وردود أفعال نيكسون وفروست. كان الثنائي (لانغيلا/شين) متميزين في أدائهما، وكانت الحرفية واضحة في أداء (لانغيلا) الذي رشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل ممثل لأدائه في هذا الفيلم وإن كان لم يحصدها، ولكنه كان في أوج عطائه، حيث صنع شخصية نيكسون ولم يستنسخها أو يقلدها، فلم يكتفِ بمحاكاته الشخصية بل أضاف إلى ذلك تجسيد ملامحها منطلقاً من فهمه لها ووعيه لجوانبها، متنقلاً برشاقة ومنطقية من الهدوء إلى الانفعال ومن السكينة إلى التحدي ومن الغضب إلى المرح ومن القلق والتوتر إلى الثقة بالنفس والتحكم، فلم يهمل (لانغيلا) أياً من أدواته كممثل من نظرات عينيه وحركات يديه، ومروراً بطريقة جلوسه وحركته، ووصولاً لصوته واستخدامه لعضلات وجهه في التعبير، وأضاف إلى ذلك منولوجاً داخلياً محكماً عبر عن مكنوناته دون أن يقول كلمة.