برلين ـ وكالات
أغلب مسببات مرض السل طورت نظاماً مناعياً للحد من تأثير المضادات الحيوية المستخدمة في العالم اليوم. وتعلق آمال كبيرة في دواء باداكفيلين الجديد للقضاء على المتفطرات السلية المسببة للمرض، لكن استخدامه لا يخلو من مخاطر بعد. ما يزال الطريق طويلاً أمام القضاء على مرض السل، فأعداد المصابين بهذا المرض في دول شرق أوروبا آخذة في الارتفاع. وتتسبب المتفطرات السلية، أو عصيات كوخ، بهذا المرض المعدي الذي يصيب الرئة في ثمانين بالمائة من الحالات. وما أن يضعف جهاز المناعة، من خلال فيروس نقص المناعة المكتسبة على سبيل المثال، حتى يكون الطريق سهلاً أمام هذه العصيات لإصابة الأشخاص بالمرض. ويُصاب قرابة تسعة ملايين شخص سنويا بهذا المرض، ويموت مليونان منهم بسببه، فعلاج هذا المرض يتم حتى يومنا هذه بأدوية تعود إلى عام 1963. لكن اليوم وبعد خمسين عاماً، تم تطوير دواء واعد بالقضاء عليه: باداكفيلين. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية باستخدام هذا العقار. لا يرى توم شاربيرغ في عقار الباداكفيلين مرحلة جديدة لمعالجة السل، لكن هذا الدواء يحتوي على فاعلية جديدة، "ما يجعل تأثيره مركزاً على مسببات المرض. ويمكن القول إنه يحدد في البدء الإنزيم في البكتيريا، التي يُراد الحد منها، ولذلك تم تطوير المادة المناسبة لذلك"، كما يقول شاربيرغ. ويعمل شابربيرغ مع أخصائيين آخرين في اللجنة الألمانية المركزية لمكافحة السل. وأُسست هذه اللجنة عام 1895، أي في وقت كان فيه السل من الأمراض الواسعة الانتشار في ألمانيا، وباتت هذه اللجنة اليوم من المنظمات المهمة لمكافحة المرض. دواء الباداكفيلين يحدد من إنزيم مهم لتزويد المتفطرات العصوية بالطاقة ويقود بذلك إلى موت مسببات المرض. وله فاعلية أيضاً في أمراض السل المتعدد المقاومة، التي طورت نظاماً مناعياً للمضادات الحيوية المعروفة اليوم. حد أهداف أبحاث مرض السل هو تقليص أمد فترة المعالجة. "الآن تبلغ طول هذه الفترة ستة أشهر. وإذا ما تمكنا من تقليصها إلى أربعة أو ثلاثة أشهر، فسيكون ذلك مكسباً كبيراً"، كما يوضح شاربيرغ. لكن من المهم أيضاً كيفية ملائمة دواء الباداكفيلين الجديد مع مواد ما تزال مُستخدمة اليوم. وما تزال معالجة السل تتم بالعديد من الأدوية، وبخلاف ذلك تهدد مسببات المرض بتطوير مقاومتها للدواء. في سلالات السل المتعدد المقاومة يُعالج الشخص المصاب بما يُسمى ب"أدوية الخط الثاني" لفترة قد تصل لأكثر من عامين. الباداكفيلين يمكنه أن يغير من ذلك، كما يوضح أوليفر مولدينهاوير من منظمة أطباء بلا حدود، الذي يضيف قائلا: "على كل حال فإن هذا الدواء يشكل خطوة مهمة في أبحاث معالجة السل، إذ بات لدينا دواء آخر لمعالجة هذه المرض للمرة الأولى منذ خمسين عاماً". لكن مولدينهاوير يرى أن الدواء لم يُستخدم بعد على نطاق واسع تمكننا من القول بأنه يمثل اختراقاً مهماً في تاريخ معالجة السل. طُور دواء الباداكفيلين بالتعاون بين منظمات غير حكومية وشركة أدوية أمريكية وما يُسمى حلف مكافحة السل. وهذا الحلف يتكون من منظمة الصحة العالمية ومؤسسة بيل وميلندا غيتس ومنظمات غير حكومية، وهدفه القضاء على مرض السل. ويشير شاربيرغ إلى أن من المهم هنا ضرورة توفير الأدوية في الدول الفقيرة. لكن دراسات طبية تؤكد أن استخدام الباداكفيلين ليس خالياً من الأعراض الجانبية كالغثيان وآلام المفاصل والصداع، كما أنه قد يؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب. لذلك تلزم إدارة الغذاء والدواء الأمريكية شركات صنع الدواء بأن تكون علبة الدواء تحتوي على تحذير "العلبة السوداء"، المخصصة للأدوية ذات الأعراض الجانبية الكبيرة. كما خلصت الدراسة الطبية أيضاً إلى ارتفاع معدل الوفيات الناجمة عن استخدام هذا الدواء. يُذكر أنه لم يسمح باستخدام الدواء إلا في الولايات المتحدة الأمريكية فقط حتى الآن.