عمان - بترا
أقامت جامعة العلوم الإسلامية العالمية، بالتعاون مع المركز الثقافي الملكي، مساء اليوم الأربعاء حفل الوفاء للراحل المؤرخ الدكتور عبدالكريم الغرايبة بحضور رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور. وقال رئيس مجلس الأعيان الدكتور عبدالرؤوف الروابدة: "ما كان أبوالرائد سياسياً كَبرَ بالمناصب ولا قائداً عسكرياً زانته النياشين، ولكنه كان معلماً وكفى، وهل تداني رتبة المعلم رتبة، فكيف بمن كان شيخ المعلمين واقعاً وممارسة. وأضاف في الحفل الذي حضره عدد من رؤساء الوزراء السابقين والوزراء والاعيان "سلام عليك أبا الرائد، أستاذاً شيخاً معلماً، عشقه العلم ومحرابه غرفة الدرس وخير أصدقائه رفوف الكتب، ترود بطلابك وهم بلا عدد طيب المغاني وصادق المعاني، فأحبوك وقدروا علمك وأجلّوا خلقك واحترموا إخلاصك". واستعرض الروابدة معرفته بالراحل فقال: عرفتُ أبا الرائد قبل خمسين عاماً، صحيح أنّ فارق العمر في ذلك الحين كان واضحاً، لكن فقيدنا بمودته وحنانه ضيّق تلك الفجوة ثم رتقها، عرفته كتاباً مفتوحاً، باطنه كظاهره، لا يداري ولا يماري، يحلل الأحداث ماضيها وحاضرها بمصداقية التزم بها، ويقرأ المستقبل بحيادية المؤرخ المتبحر، لا تهزه الأحداث بظواهرها الخادعة، ولا تغيّر ثاقب نظرته مداراة أو استرضاءات. وقال كان أبو الرائد سنديانة وطنية، يحب الأردن ويعتز بالانتماء إليه، يفخر بإنجازاته وهو إحداها، وطني هويته جامعة لا تعرف التعصب أو الإقصاء أو التهميش، الكل في عينه سواء، وهذه نظرة الأردنيين الصافية منذ نشوء الأردن الحديث. وأكد "عزاؤنا فيه خلفه وعشيرته الطيبة، وما ترك لنا من كتب ودراسات وأبحاث، أمّا وعدنا له ولكل الشرفاء وللوطن الأحلى أن نبقى على العهد، نبني الأردن على عين الهاشميين، وطناً تطيب فيه الحياة، وطن الحرية والكرامة، محضن العروبة الدافئ، بوتقة الأسرة الواحدة المتحابة". وتناول رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور عبدالكريم خليفة في كلمته السيرة الذاتية والعلمية للمؤرخ الغرايبة، كما استعرض جانبا من علاقته معه في اربعينيات القرن الماضي، وتناول قصة مخطوطات قمران الاردنية التي وجدت في البحر الميت وتناول جهود الغرايبة في المحافظة عليها وأهمية مؤلفاته التاريخية، داعيا لدراسة منهجه في كتابة التاريخ ونظريته في إعادة كتابته. وقال القائم بأعمال رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور صلاح جرّار أتطلع إلى أن يكونَ حفلُنا اليوم فاتحةَ كشفٍ جديد عن الشيخ المعلّم الأستاذ الدكتور المرحوم عبدالكريم الغرايبة، وبدايةَ قراءةٍ جديدةٍ لمسيرته وفكره وإنجازاته وخبراته، فالمرحوم الغرايبة لم يكن مجرّد شخصٍ عابرٍ في حياة الأردنّ والأردنيّين، بل كان وسيظلّ رمزاً من رموز هذا الوطن وعلماً من أعلامه الشامخة ومنارةً من مناراته المشعّة، لأنّ ما زرعه من العلم والقيم ومناهج البحث والتفكير في عقول تلاميذه سوف يستمرّ في الإثمار والتكاثر إلى يوم الدين. وأكد انّ العلْمَ الذي نشره المرحوم الغرايبة وعلّمه لطلبته على مدى عقود كان نوعيّاً وسينتقل من جيلٍ إلى جيلٍ من أجيال الباحثين والدارسين، فإنه ضمانةٌ لعدم انقطاع عمل المرحوم الشيخ المعلّم. ووجه الدكتور جرار الدعوة إلى طلبته الذين تخرّجوا على يديه وإلى أصدقائه الذين عرفوا الكثير من أخباره واطّلعوا على جوانب من سيرة حياته، وما أكثرهم، أن يبدأوا في العمل على كتابة سيرته وجمعها من مصادرها المختلفة، ولاسيّما الوثائق النفيسة التي ظلّ يحتفظ بها زمناً طويلاً. واضاف ان جامعةُ العلوم الإسلاميّة العالمية تشرّفَتْ بانضمام الدكتور الغرايبة إلى أسرتها الأكاديمية منذ الأول من أيلول سنة 2012، وخصّص رئيسُها الأستاذ الدكتور عبدالناصر أبو البصل فريقاً للإشراف على مجموعة الوثائق التي كانت في حوزة المرحوم، وتنظيمها وفهرستها والبدء في نشرها في مجلّدات تباعاً. وقال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور اخليف الطراونه ان الحديث في ذكرى رحيل عالم ومؤرخ أردني وعربي بمثل قامة راحلنا العزيز الدكتور عبدالكريم غرايبة، يحمل مضامين عدة متصلة بزمان التكوين والوعي والتأثر. واستعرض اثر الغرايبة في التكوين والوعي والتأثير، مؤكدا ان الغرايبة ظل محايدا بعيد عن تأثير الأيدولوجيا والسياسة مستقلا ما أمكنه ذلك. كما وتحدث الطراونة عن تأثر الغرايبة بأعمدة شوامخ من رجال الفكر العربي في اربعينيات القرن الماضي، وعلاقته وأثره على الجامعة الأردنية. وفي كلمة أصدقاء الفقيد قال الدكتور رؤوف أبو جابر "يعز علي أن أقف اليوم مؤبناً لصديق العمر الشيخ الجليل والمؤرخ الكبير الأخ عبدالكريم بعد هذه الصداقة التي بدأت منذ أواخر العام 1942 لم تشبها قط شائبة خلال الاثنين وسبعين سنة التي أينعت خلالها مكللة بالمودة الصادقة والمحبة البريئة الخالية من الغرض فكانت صحبة العمر التي أغنت حياتنا وكان استمرارها حديثاً يشار إليه". واضاف أبو جابر "أبو الرائد الأخ العزيز عاش الواحدة والتسعين من حياته الحافلة في أرجاء الوطن العربي وكان دائماً العربي الأصيل بكل مافي الكلمة من معنى مؤمناً متديناً واثقاً من نفسه ومن عظمة أمته وحتمية اصطلاح أمورها نزيهاً نظيف الفكر واليد عفيفاً وإني أشهد أنه عاش حياته المديدة كلها فلم أسمعه قط يتلفظ بلفظة بذيئة أو بكلمة نابية بحق إنسان". وفي كلمة آل الفقيد التي قال الدكتور فيصل غرايبة "شرفني أهلي وأقاربي وبالأخص الدكتور رائد ابن الفقيد، أن أقف أمام هذه النخبة الخيرة من رجالات الأردن ونسائه لاتحدث باسمهم عن الفقيد ابي رائد، فساءلت نفسي قبل أن أقف أمامكم من على هذه المنصة، ماذا عساي أن أقول بعد كل ما قاله الكرام الأفاضل الذين تفضلوا بالحديث عن الراحل الكريم عبد الكريم، فقد تعاملوا معه لمدة طويلة اكثر مما تعاملت، وماذا يمكن أن أضيف الى ما زاد به الأصدقاء والزملاء الأوفياء من حديث عن أخيهم وزميلهم وصديقهم عبد الكريم، فقد لازمهم بالصداقة والزمالة أكثر مما زاملته وصادقته. كما وتناولت كلمات المتحدثين مسيرة الراحل وانجازاته وابداعاته وخدمته للعلم والتربية والتعليم في الأردن خاصة والوطن العربي عامة، ويبرز المتحدثون اسلوبه المتميز في تعاونه وعلاقاته مع زملائه وطلابه وأصدقائه وأهله والذي كان يكرسها من أجل تحقيق العدالة وحفظ حقوق الانسان وصون الديمقراطية. وأختتم الحفل بقصيدة للشاعر الدكتور محمود محمد الغرايبة. يشار إلى أن جامعة العلوم الاسلامية العالمية تحتضن وقفية الغرايبة المتمثلة بالمشروع التوثيقي للمعلومات التاريخية. يذكر ان الغرايبة يعتبر شيخ المؤرخين الأردنيين، وهو أول من حصل على شهادة الدكتوراة في التاريخ في الدولة، من مواليد قرية المغير في محافظة اربد، في العشرين من حزيران العام 1923، وظل الغرايبة حاضرا في كل أزمنة الدولة، معلما وأستاذا ورجل إدارة، إذ عمل عقب عودته الى الاردن مفتش آثار 1951-1952، ثم أستاذا متعاقدا مع جامعة دمشق بين عامي 1953- 1961، ورئيس قسم التشريع في ديوان الموظفين 1955- 1961، ومديرا عاما للآثار 1956- 1957، ثم أستاذا في الجامعة الأردنية 1962- 1997، حيث ظل ملتزما بالتعليم فيها.