العيون ـ هشام المدراوي
لم تحرّك لنداءات التي أطلقها مهنيوا قطاع الصيد البحري في ميناء المرسى العيون ضمير مالكي عدد من المصانع المتواجدين داخل المنطقة الصناعية للميناء، لوضع حد للممارسات غير القانونية المرتبطة بأمر إدارة النفايات، والمخلفات، والتي يرمى بها علنًا في مياه البحر، بواسطة أنابيب تم تشييدها لهذا الغرض، وهو ما اضطر المهنيين إلى التهديد بطرق أبواب القضاء، أملاً في وضع حد لهذا الزيف الذي بات يهدّد مورد رزق الآلاف من الأسر التي تعيش على عائدات الأنشطة البحرية، بعد الضرر الكبير الذي لحق بها في المنطقة، والذي بات يهدّدها بالزوال في ضوء التمادي في ارتكاب جرائم جسيمة ضد الثروة السمكية، والتي تصنفها القوانين الدولية بكونها جرائم من الدرجة الأولى.
ويمنع القانون الصادر في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1973، الخاص بقانون رقم 1.73.255 المتعلق بتنظيم قطاع الصيد البحري، والذي يصرح في الفصليين 18 و19، أنه "يمنع أن يلقى عمدًا في مياه البحر بكل مادة أو طعم سام يعفن أو يخدر أو يسمم الأسماك أو الرخويات أو القنافذ البحرية أو القشريات أو قد يعفن المياه أو يلوثها، كما يمنع على مالكي ومستغلي المعامل الموجودة بالساحل أن يصرفوا عمدًا إلى البحر المياه المستعملة لحاجات صناعتهم، أو يعملوا على تصريفها إذا كان من شأنها أن تؤدي إلى إبادة بعض أصناف الأسماك البحرية".
ولم يمنع القانون أصحاب المصانع المتواجدين في المنطقة الصناعية لميناء المرسى، الذي يبعد عن مدينة العيون بحوالي 25 كيلومترًا من تصريف مخلفات مصانعهم السامة إلى مياه البحر، عبر إنشاء عدد من الأنابيب تحت الأرض، وأخرى صارت ظاهرة للعين المجردة، والتي تصرف من خلالها تلك المصانع المياه التي يتم استعمالها بصورة يومية، من لدن الآلات المتواجدة داخل المصانع المختصة أساسًا في الصناعة السمكية، سواء تلك الموجهة إلى السوق الوطنية، أو إلى أوروبا عبر المنفذ الشمالي.
وكان للممارسات الصادرة عن أصحاب المصانع في ميناء المرسى كثير من التداعيات على مستوى الثروة السمكية في المنطقة ككل، والتي تضررت جراء تسرب مخلفات المصانع السامة، حيث غزت المياه الداكنة الصادرة عن تلك المصانع إلى قاع مياه البحر، على طول العشرات من الأميال البحرية، انطلاقًا من موقع تواجد المصانع المشيدة على طول المنطقة الساحلية المقابلة للميناء، بما جعلها على اتصال مباشر مع مياه البحر، وحتى تلك المصانع التي لا يخول لها موقعها بأن تكون مطلة بشكل مباشر على البحر، فقد فضل أصحابها ربطها بمياه البحر عن طريق أنابيب تتميز بطولها وصلابتها والتي تجعل تلك المصانع لا تجد أدنى صعوبة في تصريف مخلفاتها إلى قعر البحر، دون مراعاة لتداعيات وخطورة تلك الممارسات، لاسيما إذا علمنا أن استمرار تلك المصانع في أنشطتها يرتبط أساسًا بالمحافظة على الثروة السمكية وليس تدميرها.
وإذا كان القانون المنظم لقطاع الصيد البحري قد حرم صراحة كل تصرف أو إجراء من شأنه أن يضر بالثروة البحرية أو يساهم في زوالها، فإن المسؤولين عن تدبر أمور القطاع في ميناء المرسى، وكذلك ممثلي السلطات المحلية هناك فضلوا انتهاج الصمت لأعوام أمام تمادي أصحاب المصانع في ممارساتهم وجرائمهم ضد البيئة البحرية من دون قيامهم بأي تحرك يذكر، لاسيما أنَّ زيارة إلى المنطقة الصناعية تكفي للوقوف على فظاعة تلك الجرائم، حيث ظهرت العديد من المستنقعات، وتغيرت ألوان المياه، وانبعثت روائح كريهة جراء ما يتم قذفه من مواد لا تحتاج إلى وقت كبير حتى تدمر عددًا مهمًا من الكائنات الحية المتواجدة في المنطقة.
وكشف عدد من مهنيي القطاع عن تراجع كبير للثروة السمكية في المنطقة، مشيرين في السياق ذاته إلى أنّه "أمام هذا الوضع اضطر كثير من بحارة ميناء المرسى إلى التوجه نحو الجنوب، وبالضبط إلى ميناء الداخلة، حيث يبقى هذا الأخير المنفذ الوحيد، في ضوء ما بات يعيش على وقعه ميناء المرسى، الذي كان يعول عليه كثيرًا ليحمل مشعل القطاع في الأقاليم الجنوبية، بالنظر إلى الإمكانات التي رصدتها السلطات المركزية لتهييئه وتأهيله للعب دور طلائعي في المنطقة ككل"، محذّرين السلطات من "مغبة التستر على الممارسات الصادرة عن مالكي المصانع، لأن ذلك ستكون له نتائج غير محمودة العواقب، سيصعب معالجتها في المستقبل".