الدار البيضاء ـ سعيد بونوار
غابت فارسات المغرب عن كبرى العروض الاستعراضية المعروفة عند المغاربة بـ"المواسم"، والتي تتسابق القبائل والمحافظات في تنظميها خلال فصل الصيف احتفاء بالمحصول الزراعي، وترويحًا عن سكان القرى الذين يمضون عاما من العمل في غياب أبسط وسائل الترفيه، كما أضحت مجالا لتزيين فضاءات المهرجانات المحلية.
هذا و يتعلق غياب الفارسات بأعراف الفروسية التي عادت إلى فرض سيطرتها في هذه المحافل السنوية التي تستقطب إليها آلاف الجماهير المعجبة بتنافس الفرسان في إطلاق البارود، "لا" لمنافسة الفتيات، والمرأة مكانها في خيام الطبخ أو على جنبات "المحرك"(حلبة الاستعراض)، ودورها أن تزغرد مع تصاعد دخان البارود لا أن تكون هي من ضغطت على الزناد، عبارة تكاد تتكرر على ألسنة فرسان و"قواد" المجموعات.
و يذكر أنه حتى وقت قريب، كانت السمة الأساسية في حفلات الفروسية التقليدية في المغرب أن تشارك فرق نسائية تعرف محليا باسم "الصربة"، وكانت مشاركة هؤلاء الفتيات تبدو نشازا إلا أن تحفيز السلطات لهن كان دافعا لصمت الرجال الذين ما كانوا ليقبلوا أن تصطف بينهن نساء، ولكنها رياح الحداثة ورغبة الدولة في أن تعبر عن إيمانها بالمساواة بين الجنسين في كل المجالات وإن اقتصر على مجال استعراض البطولة والشهامة.
و رفع الفرسان المتذمرون رايات العصيان، وباتت الفرق الممثلة للقبائل أو الخواص تستفسر عما إذا كانت فرق الفتيات ستشارك لتحدد بناء على الإيجاب أو القبول إمكانية المشاركة من دونها.
فيما ظل الصراع الخفي حبيس الكواليس، ولم تصدر أي مواقف علنية حتى لا يتأجج الخلاف ويتحول إلى صراع لا ينسجم مع عادات الفروسية التقليدية المغربية التي تستحضر شهامة أبناء القبائل في الدفاع عن الأرض والوطن من مكائد الأعداء والمستعمر.
أما حكاية "سفور" المرأة وامتطاؤها ظهر حصان لم تكن بمحض الصدفة، فالمجازفة بولوج المرأة فضاء رجوليا تطلب صبرا وأناة، والتفافا على عادات القبيلة، والظاهرة لم تبرز في المغرب إلا قبل ثمان سنوات أو أقل وعادت لتختفي رويدا رويدا.
ومن جانبها تروي فاطمة قائدة فارسات مدينة المحمدية "إنها ظلت تستعطف والدها إلى أن سمح لها بركوب حصانه المفضل الذي اعتادت على خدمته، وهي تؤمن أن الإسلام لم يستثن المرأة من ركوب الخيل والتباهي بها واستعراض مهارتها، رغم أن هناك من الدعاة والمفتين من يذهبون إلى "تكريه" هذا السلوك بالنسبة للمرأة".
وتقول فاطمة:"الفروسية ليست شأنا رجاليا كما يعتقد الكثيرون، والتاريخ الإسلامي أنجب فارسات مشهورات شاركن باقتدار في مجموعة من الغزوات، ولن نخالف الشرع في هذا الشأن ".
و تابعت فاطمة : "كان من الممكن أن تظهر فارسات كثيرات قبلنا، إلا أن غلاء الخيول الأصيلة، وتشدد زعماء القبائل والآباء، وتخوفهن من حمل السلاح جعلهن يكبتن هذا الرغبة إلا أن ساعدت ظروف الانفتاح النساء إظهار مهاراتهن".
وحتى إن تقبل المجتمع ميلاد الفارسات، فإن عددا من الشباب يعتقدون أن اقتحام المرأة المغربية للفروسية التقليدية فيه تطفل على مجال ذكوري.
و يروي البعض أن الفروسية المغربية التي يسميها البعض بـ"الفانتازيا"، تعبر عن تقنية حربية قديمة عرفت بـ"الكر والفر"، وكانت تقوم على انقضاض مجموعات خفيفة ومتتالية من الفرسان بسرعة خاطفة على الأعداء وتنسحب بالسرعة ذاتها، ومعاودة العملية عدة مرات إلى حين إرهاق العدو.