الرئيسية » عالم الإعلام
سلبيات الشُح الكبير في الإعلاميين

الرياض - المغرب اليوم

تحتوي منطقة الشرق الأوسط على نحو 65 في المائة من إجمالي احتياطي النفط في العالم، وتتركز معظمها في دول الخليج العربي. ورغم هذه الوفرة الضخمة في الموارد النفطية، فإن هناك شحا كبيرا جداً في الكفاءات والكوادر الإعلامية التي تغطي هذا المجال المهم لكل شعوب المنطقة. ورغم أن النفط تم اكتشافه في المنطقة في دول الخليج ابتداءً من ثلاثينات القرن الماضي، فإن الإعلام النفطي لا يزال في بداياته المتواضعة، ولا يوجد في كل دولة خليجية أو شرق أوسطية سوى عدد بسيط جداً من الصحافيين المتخصصين في تغطية النفط، لا يتجاوز أصابع الكف الواحدة.

لماذا كل هذا؟ وكيف نشأت هذه الفوضى؟ وما الحل؟ وإلى متى ستستمر؟ تساؤلات نطرحها ونتناولها بالتفصيل من أصول هذه المشكلة، وأهمية غياب الصحافة النفطية، وصعوبة العمل في هذا المجال والتحديات القائمة.

بدايات نسائية
"فتش عن المرأة"... هكذا قال نابليون بونابرت، وبالفعل فإن تاريخ الصحافة النفطية بدأ مع النساء اللواتي تمكن من اختراق عالم الرجال الذي يسيطر على كل مفاصل الصناعة. إلا أن تغطية النفط والشركات النفطية ليست حديثة؛ فمنذ نهاية القرن التاسع عشر وهناك الكثير من الأخبار تمت كتابتها عن النفط، مع بدء عمليات البحث والاستكشاف في الولايات المتحدة والإنتاج من أول بئر نفطي في تتسفيل في ولاية بنسلفانيا في عام 1859.

لكن الأخبار النفطية أصبحت مؤثرة أكثر مع قيام إحدى أوليات الشركات النفطية العملاقة في العالم وهي شركة "ستاندرد أويل ترست" التي أسسها أول ملياردير في التاريخ الأميركي جون دي روكفيلر. وكانت البداية في عام 1902 مع أول امرأة تمتهن الصحافة في الولايات المتحدة، وهي الأميركية إدا تاربيل، والتي لقبها روكفيلر فيما بعد بلقب "تار باريل" أي برميل القطران.

وساهمت في كتابة سلسلة مقالات في مجلة "مكلورز" كشفت فيها الممارسات الاحتكارية والتجارية الخاطئة لشركة "ستاندرد أويل ترست"، وهو ما أدى في الأخير إلى انهيار إمبراطورية روكفيلر، التي تم تقسيمها إلى شركات أصغر، تحولت فيما بعد إلى أكبر شركات نفط في العالم اليوم مثل "إكسون" و"موبيل" و"شيفرون".

وظهرت الكثير من النشرات النفطية المتخصصة مع تطور الصناعة مثل نشرة "أويل دايلي" التي صدرت في عام 1951، أما الصحافة النفطية بشكلها الحديث فقد ظهرت في الستينات مع صحافية أميركية أخرى وهي واندا يابلونسكي، التي أسست نشرة "بتروليم إنتلجنس ويكلي" في عام 1961، والتي لا تزال تصدر إلى اليوم رغم أنها فقدت الكثير من بريقها السابق.

وكانت نشرة "بتروليم انتلجنس ويكلي" مرجعا كبيرا في الصحافة النفطية العالمية، وكما يتذكر أحد المسؤولين في وزارة البترول السعودية في حديث إلى "الشرق الأوسط" عن النشرة في السبعينات والثمانينات: "لقد كانت تأتينا الأعداد بصورة منتظمة، وكانت تذهب مباشرة إلى مكتب الوزير، ومن بعد أن يقرأها يتم نسخها وتوزيعها على الموظفين. لقد كانت هذه النشرة هي عيننا على العالم وقتها".

وساهمت "يابلونسكي" في تأسيس منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بصورة غير مباشرة، حيث كانت هي من رتب اللقاء في عام 1959 في القاهرة بين وزير النفط الفنزويلي خوان بابلو بيريز ألفونسو بوزير النفط السعودي عبد الله الطريقي، والذي كان نواة فكرة تأسيس المنظمة. وظهرت في الفترة نفسها نشرة أخرى، هي نشرة "ميس" التي صدرت من لبنان على يد فؤاد اتيام، والتي انضم لها كبار الكتاب المتخصصين في النفط والتي ظلت إلى جانب "بتروليوم ويكلي انتلجنس" أهم نشرتين تنشران أخبار منطقة الشرق الأوسط و"أوبك".

غياب النشرات العربية
اليوم، يوجد الكثير من النشرات والوكالات المتخصصة في أخبار النفط مثل "" و"بلومبيرغ" و"بلاتس" و"أرغوس" وغيرها. ومن الملاحظ أن صناعة الإعلام النفطي كلها كانت على يد أجانب من خارج المنطقة أو على يد أشخاص ليسوا من أبناء أي دولة نفطية. وإلى اليوم لم تصدر نشرة واحدة متخصصة من أي من الدول النفطية في الخليج العربي عن النفط. والأسباب في ذلك كثيرة، والبداية هي أن منظمة "أوبك" عندما نشأت فقد كانت منظمة موجهة ضد العالم الغربي والشركات الدولية للدفاع عن مصالح المنتجين في الدول النامية. ولم يكن وزراء النفط في "أوبك" حينها في حاجة إلى التواصل مع العالم من خلال الإعلام المحلي، بل كانت هناك حاجة إلى التواصل مع الإعلام الغربي والإعلام في الدول الصناعية التي يجب أن تسمع رسائل "أوبك".

وفي البداية، كانت تغطية "أوبك" غير مهمة بالنسبة لوسائل الأعلام الغربية؛ لأن عند نشوء المنظمة في الستينات كانت السوق النفطية بالكامل تحت تحكم الشركات النفطية الدولية التي تعرف باسم "الأخوات السبع"، وهي شركة "اكسون" وشركة "موبيل" وشركة "بي بي" وشركة "شيفرون" وشركة "غلف" وشركة "تكساكو" وشركة "رويال دتش شل". وحتى إنتاج دول "أوبك" كان خاضعاً لسيطرة هذه الشركات التي كانت تحتكر غالبية الامتيازات النفطية، إضافة إلى أنها كانت المسؤولة عن تسعير النفط. وكان سبب قيام "أوبك" هو قرار هذه الشركات بخفض أسعار النفط حينها.

"أوبك" والإعلام
بدأ اهتمام وكالات الأنباء العالمية والصحف في "أوبك" بصورة كبيرة في عام 1973 عندما أعلنت السعودية وبعض دول "أوبك" حظر النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبسبب قرار "أوبك" ارتفعت أسعار الوقود، وانتشرت صور لعشرات السيارات وهي تقف أمام المحطات التي عانت شحاً في الكميات. ومن هنا بدأت المجتمعات الغربية تريد معرفة المزيد عن أخبار هذه المنظمة التي أدت إلى كل هذا.

ومن بين الأمور التي غيرت تعاطي الإعلام مع "أوبك" كذلك هو القرار الذي أخذته "أوبك" بتسعير نفطها. وبسبب هذا الأمر أصبح من الضروري معرفة السعر الذي تريده الرياض وباقي "أوبك" في كل شهر، وماذا يحدث في المنظمة. وفي الثمانينات زادت أهمية "أوبك" أكثر عندما بدأت في تطبيق نظام الحصص وما تلى ذلك من حرب أسعار.

ويرتبط نمو الإعلام النفطي بأنشطة السوق والتسعير. وساهم قيام السوق الفورية وسوق العقود الآجلة في الثمانينات في تطور الصحافة النفطية، فالمتعاملون في أسواق العقود الآجلة يسعون دوماً إلى المعلومة من أجل البيع والشراء. وتتحرك مليارات الدولارات في السوق النفطية بسبب عناوين للأخبار تظهر على شاشات أجهزة "" و"بلومبيرغ" المنتشرة في صالات كبرى شركات التداول في نيويورك ولندن وغيرها.

صعوبة الصحافة النفطية في الخليج

من الصعب جداً نشوء صحافة نفطية متخصصة في الخليج لعوامل كثيرة. أولها بسبب ظروف نشأة الصحافة النفطية، فقد ارتبط في ذهن المسؤولين أن الصحافي النفطي يجب أن يكون غربياً، أو أن ينتمي إلى صحيفة أو جهة إعلامية غربية. ويبدو هذا واضحاً في تعامل المسؤولين في الجهات المختلفة في الدول النفطية بصورة عامة مع الصحافة النفطية.

ومن العوامل التي تضعف نشوء صحافة خليجية نفطية، عدم وجود سوق محلية وعدم اهتمام السوق العالمية بما تكتبه الصحف المحلية عن النفط. وفي بعض الفترات لعبت الوكالات الحكومية دوراً بسيطاً في نقل المعلومة الرسمية إلى السوق، إلا أن السوق النفطية لا تفضل التعاطي مع الوسائل الرسمية لأنها غالباً ليست محايدة.

وبسبب ضعف كليات الإعلام عن خلق صحافيين متخصصين في المجال النفطي، وبسبب عدم رغبة المؤسسات الإعلامية الاستثمار بشكل كبير في تأهيل صحافيين متخصصين لا يزال الإعلام النفطي غير قادر على خلق الكوادر المناسبة. فالصحافي النفطي اليوم يحتاج إلى الكثير من المهارات، مثل التحدث باللغة الإنجليزية، وهي لغة الصناعة الرسمية، وعليه معرفة الكثير من الأمور المتعلقة بكيفية إنتاج وتسويق وتسعير النفط.

أزمة المتحدثين
أحد أبرز العوامل التي تؤثر سلباً على الصحافة النفطية في الخليج، ثقافة المسؤولين. إن المعلومة النفطية مصدر قوة كبير وبفضلها يتمتع الكثير من المسؤولين الإعلاميين في الوزارات والشركات بأهمية بالغة عند الصحافيين، بل إن أحد المسؤولين الإعلاميين السابقين في أحد أكبر الدول المنتجة للنفط في الخليج يشتكي دوماً في كل المؤتمرات من كثرة اتصالات الصحافيين عليه، لكنه في الوقت ذاته كان يرفض أن يصدر بيانات منتظمة وتصريحات رسمية على موقع الوزارة الإلكتروني. وبسبب إبقاء الأمر عشوائياً ظل الصحافيون في حاجة دائمة إليه. وظلت الشركات النفطية الخليجية بلا متحدثين رسميين؛ في دلالة على مدى صعوبة الأمر. وبدأت الأمور تتحسن تدريجياً في الخليج العربي مع انضمام الكثير من جيل الشباب إلى الشركات النفطية.

وفي السعودية والكويت يقود الكثير من مديري الإعلام في الشركات النفطية خطوات حقيقية لتغيير التفاعل مع الإعلام. وأصبح هؤلاء الشباب أكثر استجابة وأسرع للرد من سابقيهم الذين التحقوا بهذه الشركات في السبعينات والثمانينات عندما كان الإعلام المحلي لا تزال لوحة للإعلانات الرسمية بشكل كبير قبل أن تتطور الوسائل المحلية في العقدين الأخيرين.

"أرامكو" تستعين بالشباب
يقود فريق إعلامي جديد في "أرامكو السعودية" تحولات كبيرة على مستوى طريقة التواصل مع الصحافيين، وعلى مستوى تفعيل المحتوى الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي وموقع الشركة. وتزامنت هذه التغييرات مع رغبة الحكومة في طرح الشركة للاكتتاب؛ مما سيجعلها أكثر شفافية مع الإعلام.

وفي الكويت، تقدم مؤسسة البترول الكويتية نموذجاً جيداً في التعامل مع الإعلام المحلي، حيث تتواصل الشركة بصورة دائمة من خلال الهواتف المحمولة وتطبيق "واتساب" مع الصحافيين. ويتم إرسال البيانات وأسعار النفط اليومية إلى الصحافيين من قبل الجهاز الإعلامي. كما يسبق تجهيز أي مؤتمر إلى حديث مع الإعلاميين الذين يقومون بتغطيته.

واستفاقت دول الخليج إلى أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام النفطي، وأطلقت دول الخليج الست مؤتمراً دورياً للإعلام النفطي الخليجي يعقد كل سنتين؛ بهدف تنمية الإعلام النفطي. وانطلق المؤتمر الأول في الكويت في 2013 ثم الرياض في 2015 وأبوظبي في 2017. وتبنى وزراء الخليج سياسة إعلامية موحدة للدفاع عن مصالح دول الخليج. وتم الإعلان عن رغبة هذه الدولة في تأسيس جمعية دولية للصحافيين النفطيين مقرها الخليج.

إلا أن المسؤولين لا يزالون غير مهتمين بأبناء الخليج، وكل الاهتمام ذهب إلى كتاب الأعمدة في الصحف أو المحللين أو الصحافيين الأجانب. ولم يحصل الصحافيون الخليجيون الذين يقومون بتغطية الأخبار بصورة يومية سوى على وعود لفظية حتى الآن بمزيد من الدعم. وفي ظل ثقافة عند المسؤولين تقدر الأجانب على الخليجيين، وفي ظل وجود مسؤولين يفضلون التكتم على المعلومات أو يخشون غضب مرؤوسيهم من التصريح للإعلام، فإن الوضع سيظل صعباً، ولعل اكتتاب "أرامكو" القادم يدفع بالتغيير في المنطقة.

 

View on libyatoday.net

أخبار ذات صلة

تفاصيل جديدة في في أزمة وفاة "اليوتيوبر" المصرية ماما…
الشرطة الصينية تعتقل صحافية نقلت ما يحدث في ووهان…
إعلامي سعودي يتجاوز البروتوكولات ويتصرف بعفوية في موقف مضحك
"ذا نورث فيس" أول علامة تجارية تسحب إعلاناتها من…
تطورات متسارعة لإسقاط الجنسية عن مذيع مشهور في مصر…

اخر الاخبار

تسجيل 487 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا
نقل محولين إلى محطتي الخضراء الجديدة والمصابحة في ترهونة
إطلاق خط بحري جديد بين الموانئ الإيطالية والليبية
مفوضية اللاجئين تتصدق بمواد غذائية على 2500 أسرة ليبية

فن وموسيقى

روجينا تكّشف أنها تحب تقديم شخصيات المرأة القوية فقط
رغدة تكشف كواليس مشاركتها في مسرحية "بودي جارد" مع…
ريهام عبد الغفور تكشف أنّ قِلة ظهورها في الدراما…
هيفاء وهبي تُعرب عن استيائها الشديد من الأحداث المؤسفة…

أخبار النجوم

نور تؤكّد أن "درب الهوى"سيكون تجربة درامية شديدة الاختلاف
أحمد جمال يعرب عن تفاؤله بالعام الجديد 2021
أروى جودة تؤكّد أن أصداء مشهد "ده هاني" في…
مايا نصري تكشف سبب ابتعادها عن الساحة الغنائية لعدة…

رياضة

قرعة الدوري الليبي تسفر عن قمة بين الأهلي بنغازي…
فريق الأخضر يضم إلى صفوفه االمدافع وجدي سعيد
قبل مواجهة الاتحاد الليبى كورونا تضرب بيراميدز
نادي المدينة يتعاقد مع "سالم عبلو " استعداد ًا…

صحة وتغذية

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها
طبيب يحذر من خطأ "كارثي" يبطل فعالية لقاحات كورونا
الولايات المتحدة الأميركية تستقطب ربع إصابات كورونا في العالم
10 حالات غريبة يكشف عنها الطب خلال 2020

الأخبار الأكثر قراءة