دمشق - جورج الشامي
يعتقد المحلّلون العسكريون أنَّ الحكومة السورية استخدمت نصف مخزونها الصاروخي، خلال الثورة السورية، ضد المدن التي خرجت عن سيطرتها بشكل كامل، لاسيما أنها تعدُّ أحد مطوري منظومة صواريخ "سكود" الفاعلين عالميًا، حيث تمتلك مشروعًا صاروخيًا كبيرًا وواسعًا، يشمل طيفا من المنظومات الصاروخية السوفيتية والكورية، والتي طوّرت بمساعدة صينية وكورية وإيرانية وروسية.
وأكّد تقرير الهيئة العامة للثورة السورية أنَّ الدفعة الأولى من "السكود" السوفييتي وصلت سورية عام 1976، بعد أن أرسلت دفعة من العناصر للتدريب في الاتحاد السوفيتي عام 1974، على هذه المنظومة، والنوع الأول الذي وصل إلى سورية هو"scud- b".
ويمتلك النظام السوري واحدة من أكبر المنظومات الصاروخية في الشرق الأوسط، تضم أنواعًا متعددة من صواريخ "سكود"، التي يقدر عددها بقرابة 700 صاروخ (حسب بعض التقديرات)، وليس هناك معلومات واضحة ودقيقة عن أنواعها، لأن الحكومة قامت بتطوير وتغيير جزء من مواصفاتها، لكنها في الغالب "scud- c"، و"scud- d"، ونسخ معدلة منها.
وهناك تقارير تفيد بقيام الحكومة بتجميع عدد منها محليًا، كما أنها تمتلك ناقلاتها، وعربات إطلاقها، وشبكة من المستودعات، وأنفاق التخزين المنتشرة في المناطق الجبلية القريبة من دمشق، مشيرة إلى أنَّ السبب المعلن لتطوير صواريخ "سكود" هو محاولة خلق قوى ضاربة بعيدة المدى، عوضًا عن سلاح الجو.
وأشهر الوحدات العاملة في مجال صواريخ "سكود" هو اللواء 155، في القطيفة، الذي يتبع إدارة المدفعية والصواريخ التابعة للقوى البرية، والذي يتمتع بمستوى عال من التحصين, حيث أنَّ موقعه الجغرافي يجعله مناسبًا لاحتوائها، وهو ليس الموقع الوحيد الذي توجد فيه صواريخ "سكود"، حيث نشرت الحكومة هذه المنظومة في عدد من المناطق، لاسيما عندما لوّحت أميركا بتوجيه ضربة عسكريّة.
وهناك بعض الشائعات، غير المؤكّدة، التي تتحدث عن وجود عدد من هذه الصواريخ في منطقة جبل عبد العزيز، وجبل كوكب شمال شرقي البلاد، فيما يدعم احتمالية صحة هذه الشائعات عثور مقاتلي المعارضة على صاروخ، وثلاث منصات إطلاق في موقع "الكبر" النووي، غرب دير الزور، والذي قصفته إسرائيل في العام 2007.
ويعتقد المحلّلون العسكريون أنَّ الحكومة السورية استخدمت نصف مخزونها الصاروخي، خلال الثورة السورية، ضد المدن التي خرجت عن سيطرتها بشكل كامل، وشهد عام 2012 تسجيل الاستخدام الأول المعترف به دوليًا، دون أن يتمّ تحديد أنواع الصواريخ التي استخدمت بدقة، لكنها غالبًا صواريخ "SCUD- C"، أو (جولان2)، والذي هو نسخة مطورة من "scud-d"، الذي يزيد مداه إلى قرابة 750 كيلومترًا، بحكم أنها أطلقت قرب دمشق، تجاه قرى في حلب، من الفوج 155، مع وجود شهادات كثيرة تؤكّد استخدام الـ"سكود" قبل هذا التاريخ.
ويكرّر الجيش السوري التجربة الروسية في الشيشان، مستخدمًا التكتيكات نفسها، بما فيها تكتيكات استخدام الصواريخ الباليستية، ضد التجمعات السكنية الخارجة عن سيطرته، على الرغم من أنَّ دائرة الخطأ الكبيرة، التي تصل إلى ثلاثة كيلومترات في النسخ الأساسية منه، تجعله غير مناسب لإصابة أهداف محددة، لكن الفكرة الأساسية لاستخدام الصاروخ هي توجيهه نحو مدن بأكملها، وتدميرها عبر حمله رأسًا نوويًا أو كيميائيًا.
وبدأت الحكومة السورية في استخدام "سكود" بشكل سريّ، وعلى نطاق محدود، مستخدمة الأثر النفسي أساسًا، بحكم عدم قدرتها على السيطرة على الأثر التدميري للصواريخ، وعدم قدرتها على المجازفة باستخدام رأس كيماوي لهذا النوع من الصواريخ، لكنها سرعان ما زادت من وتيرة استخدامها، بغية تعويض انخفاض القدرة النارية لسلاح الجو لديها، مجرية عددًا من المناورات الاستعراضية، لتبيّن لمعارضيها أنها قادرة على الوصول إليهم، أينما كانوا، لتعود وتقلل من استخدامها بعد فشلها في تحقيق الغايات العسكرية المرجوة منها، حيث أنَّ أكبر رأس حربي يستطيع الـ"سكود" حمله لا يتعدى وزنه 1000 كيلو غرام، وعندما قامت الحكومة بزيادة مدى صواريخها، اضطرت إلى تخفيض وزن الرأس.
وأعلى حصيلة لهجوم بصواريخ "سكود" كانت 141 قتيل وعشرات الجرحى، في 17 شباط/فبراير 2013، بينهم 71 طفلاً، عندما تمّ الهجوم، بأربعة صواريخ، على حلب، علمًا أنه لا يوجد حصيلة دقيقة لهذا النوع من الهجمات، لأنه غالبًا ما يصعب التمييز بين الهجوم بصاروخ "سكود"، أو الهجوم بصاروخ "لونا" (بحكم تشابه الأثر التدميري للرأس الحربي)، في حال عدم وجود متخصصين على الأرض.
ويمكن التمييز بين أنواع الصواريخ المستخدمة عن طريقين، منها مراقبة منطقة الإطلاق، أو البحث عن حطام الصاروخ، لاسيما القسم الخلفي من الصاروخ، الذي يساعد على التمييز بين الأنواع، والذي يبقى سليمًا في كثير من الحالات.
ومعظم حالات القصف بـ"سكود" تتمّ ليلاً، لأنَّ الناس تكون في بيوتها، وبالتالي تزيد الخسائر البشرية الناجمة عن تهدم البيوت فوق ساكنيها، إضافة إلى خلق حالة ذعر بين المدنيين، حيث يزيد ليلاً صوت انفجار الصاروخ، بسبب انعدام صخب الحياة النهارية، بحيث يصل صوته إلى أماكن أبعد، ويخلق حالة انعدام الشعور بالأمان ليلاً، لاسيما في المناطق خارج نطاق مدفعيته، لأن معظم طيرانه غير مجهّز للعمليات الليلية.
وتبقى أغرب حالة استخدم فيها الـ"سكود" في سورية هي محاولة استهداف السدود، عندما وجّهت الحكومة الـ"سكود" تجاه "سد الفرات"، ليسقط أحدها في مكان قريب من السد، في محاولة يائسة للظهور بمظهر القادر على إغراق المنطقة.
وتستغرق عملية إعداد صاروخ الـ"سكود" للإطلاق وقتًا طويلاً، لاسيما أنه يكون مخزنًا، ضمن أنفاق منتشرة في مناطق جبلية، كالمعضمية مثلا، ويتطلب تركيبه وتجهيزه على العربة ثم الانتقال إلى موقع الإطلاق، ونصبه، 24 ساعة، منها ساعة لرفعه عموديًا على العربة، وملئه بالوقود السائل ثم إطلاقه.
ومن المعروف أنَّ كل القوى العسكرية العظمى في العالم لديها منظومات إنذار مبكر، سواء تلك الموروثة من الحرب الباردة، أو الحديثة والمرتبطة بالدرع الصاروخي، أو حتى تلك المرتبطة بالدفاع الذاتي لإسرائيل، أو غيرها، حيث أنَّ أيَّة عملية تحضير لصاروخ تلاحظ مباشرة، وعلى الأقل خلال الساعتين الأخيرتين، عندما يصل الصارخ إلى موقع الإطلاق، وبإمكان وحدات الاستطلاع الإلكتروني اعتراض الاتصالات اللاسلكية لتسلسل إطلاق الصاروخ، وحتى لو لم يتم هذا كله، فإن منظومة الإنذار المبكر، المكونة من مجموعة من الأقمار الصناعية، التي تلتقط إشارات الأشعة تحت الحمراء، قادرة على اكتشاف اللهب الناجم عن اشتعال محرك صاروخي بهذا الحجم، وبدقة هائلة، ومتابعة مساره، ومعرفة موقع سقوطه، لذلك فإن العالم المتحضر كلّه يعرف أنَّ الحكومة السورية ضربت الشعب بـ"سكود"، ويعرفون متى، وأين، وكيف، ومن أطلقه.