تونس ـ أزهار الجربوعي
قررت جمعية ونقابة القُضاة، تشكيل لجنة مشتركة لبحث أزمة القضاء في تونس، ملوّحين بتحركات تصعيدية وبالإضراب عن العمل، متهمين السلطة التنفيذيّة بمحاولة "تدجين القطاع" وفرض تعيينات مُقرّبة من الحكومة، في خطوة تبرز تعمق الصراع والهُوة بين هياكل القضاء في تونس والسلطة التنفيذيّة.
وقضت المحكمة الإداريّة التونسيّة،
بوقف تنفيذ أمر صادر عن رئيس الحكومة التونسية علي العريض بتعيين قاضيين في الهيئة المشرفة على القضاء العدليّ التونسيّ، في انتظار أن يتمّ خلال شهر إيقاف كلي لتنفيذ التعيين.
وأصدرت الرئيسة الأولى للمحكمة الإدارية روضــة المشيشي، قرارًا يقضي بتأجيل تنفيذ التعيينات الصادرة عن رئيس الحكومة علي العريض، والمُتعلقة بتسمية قاضيين من بين أعضاء هيئة القضاء، في خطتي متفقد عام في وزارة العدل، ورئيس للمحكمة العقارية، معلّلة قرارها بأن "الأمرين المطعون فيهما من شأنهما التأثير الفوري على سير العدالة وعلى أعمال الهيئة الوقتية للقضاء، وهو ما يشير إلى اقتناع المحكمة بجدية الأسباب التي استند إليها الطاعنان، واتجاهها على ما يظهر إلى الاستجابة لطلب توقيف تنفيذ الأمرين المذكورين".
قد رفعا القاضيان المعزولان من المنصبين المذكورين بمقتضى قرار صادر عن وزير العدل، قضية لوقف التعيينات الجديدة في المنصبين ذاتيهما، التي أقرها رئيس الحكومة.
وجاء قرار رئيسة المحكمة الإدارية، استنادًا إلى مقتضيات الفصل 39 من القانون المتعلق بالمحكمة الإدارية، الذي ينص على أنه "يجوز للرئيس الأول أن يأذن بتوقيف التنفيذ إلى حين انقضاء آجال القيام بالدعوى الأصلية، أو صدور حكم فيها إذا كان طلب ذلك قائمًا على أسباب جدية في ظاهرها، وكان تنفيذ المقرر المذكور من شأنه أن يتسبب للمدعي في نتائج يصعب تداركها".
ورأى وزير العدل التونسيّ نذير بن عمو، أن التعيينات القضائية الأخيرة التي قام بها كانت على أساس الصلاحيات الراجعة إلى السلطة التنفيذية عبر وزير العدل وفق القانون، فيما نفى أن تكون التعيينات القضائية الأخيرة خدمة لطرف معين، مشددًا على أنه لم يتدخل في صلاحيات الهيئة الوقتية المشرفة على القضاء العدلي.
وأكد وزير العدل، أنه لن يتم التراجع عن التعيينات الأخيرة في سلك القضاء، وأن هذا الإجراء من صلاحيات رئاسة الحكومة، معتبرًا أنّ إضراب القضاة الذي تم تنفيذه غير قانونيّ، وأنه ليس للقضاة الحق في الاضراب، فيما فنّد المرصد التونسيّ لاستقلال القضاء طرح وزير العدل، مؤكدًا أن "القرار التي أصدرته رئيسة المحكمة الإدارية والقاضي بتجميد التعيينات بات ونافذ، ويترتب عليه إعادة الوضعية القانونية التي وقع تنقيحها أو حذفها بالمقررات الإدارية إلى حالتها الأصلية بصفة كلية، وهو ما يعني تجميد تعيين القاضيين والجديدين وإبقاء المعزولين في منصبهما إلى حين البت في ملف القضية بشكل نهائي".
وأعلنت رئيسة نقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي، تكوين لجنة مشتركة بين النقابة وجمعية القضاة التونسيين وبقية الأطراف المعنية وهياكل القضاء التونسيّ، لإيجاد حل للوضعية المتأزمة التي يمر بها القضاة هذه الفترة، مشددة على ضرورة إيجاد حل للتعيينات الأخيرة في الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، أمام تمسّك وزارة العدل بموقفها ورفضها العدول عن التعيينات أو مراجعتها، وأن اللجنة ستعقد اجتماعًا لبحث الإجراءات اللازم اتخاذها لمواجهة هذه التعيينات.
وقد دعت نقابة القضاة، أعضاءها إلى الاستعداد "لخوض كل الاشكال النضالية" بعد رفض الحكومة التراجع عن التعيينات الأخيرة في سلك القضاء، في حين طالبت الجمعيّة التّونسيّة للقضاة "عموم القضاة في المحافظة على الاستعداد والجاهزية لمواصلة خوض الأشكال النضالية كافة حتى تحقيق أهدافهم الشرعية"، فيما أكدت نائبة رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي، أن "السلطة السياسية تريد إعادة الأخلاق الانتهازية للقضاة".
ونفّذَ قضاة تونس في الآونة الأخيرة، إضرابًا عامًا في محاكم البلاد كافة، احتجاجًا على ما سموه "اعتداء" من الحكومة على صلاحيات "الهيئة الوقتية للقضاء العدلي"، التي من بين مهامها التعيين في الوظائف القضائية العليا.
وتعكس أزمة القضاء التونسي اليوم، صراعًا قديمًا جديدًا منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011، بين السلطة التنفيذية مُمثلة في وزارة العدل، وهياكل القضاء التي أكدت أن "الحلم في قضاء مستقل ونزيه قد تبخّر بعد الثورة"، مشيرة إلى أن السلطة التنفيذية الحالية تحاول فرض التعيينات بالقوة، في محاولة لتجاوز صلاحياتها، والتعدي على السلطة القضائية، في إعادة إنتاج لممارسات النظام السابق.