نواكشوط - المغرب اليوم
أثار فيديو كليب، نشر على موقع "يوتيوب"، جدلاً واسعًا في موريتانيا، بعد ما اعتبره محافظون أنه يدعو إلى التفسخ الأخلاقي داخل المجتمع الموريتاني، فيما رأت فيه أوساط شبابية عملاً فنيًا جريئًا يستحق التشجيع.
ومازالت تداعيات فيديو كليب الفنان الموريتاني حمزة براي تثير ردود فعل قوية في الشارع، على الرغم من مرور أسبوعين على نشره،حيث ينتقد غالبية المعترضين المشاهد التي تظهر
فيها فتاة الموديل، (ليلى مولاي)، حاسرة الرأس وبلباس "غير محتشم"، يختلف عن الزي التقليدي للمرأة الموريتانية المعروف بـ"الملحفة".
ووصفت "حركة لا للإباحية"، التي تنشط في مناهضة ما تسميه بالتفسخ الأخلاقي في المجتمع الموريتاني، الفيديو كليب بأنه "دعوة إلى الخروج على التقاليد الموريتانية الإسلامية"، معتبرة أن "الفتاة وسيلة لترويج الانحلال الأخلاقي"، متوعدة بـ"رفع دعوى قضائية ضد الجهة المنتجة، والشاب والشابة، اللذان لعبا دور العشيقين في الفيديو كليب".
في المقابل، عبرت مجموعة من المدونين والكتاب والمثقفين عن تعاطفها مع الجهات المنتجة للفيديو، واصفة إياه بأنه "عمل فني طموح، يستحق أصحابه التشجيع"، منتقدة ما وصفته بـ"أصحاب الفكر الرجعي، الذي يسعى إلى وأد كل تجربة فنية رائدة".
واعتبر المدون الموريتاني أحمد جدو أنه "لا تجوز محاكمة الإبداع أخلاقيًا، لأن طريقة التعامل معه يجب أن تعتمد على المقاييس الفنية"، مضيفا أن "الضجة القائمة مجرد انتصار لثقافة القبائل البيضانية، ولو كانت الفتاة التي ظهرت في الفيديو من فئة الزنوج لما حدثت أية ردة فعل، لأن اليوتيوب مليء بفيديوهات تظهر فيها فتيات من الزنوج، دون أن يقول أي أحد بأنهن خدشن الحياء، أو تصرفن ضد القيم الإسلامية، رغم أنهن مسلمات، أيضًا تركيز الهجوم على الفتاة دون المغني الشاب يوحي بأننا نعيش في مجتمع منافق".
أما الناشط مزيد الشيخ فرد بالقول "نحن مجتمع يريد إظهار الفضيلة قصد التعتيم على الكثير من الأعمال المنافية لها، فبناتنا يسافرن إلى الخارج بمفردهن ويعشن حياتهن بكل حرية، لكن ثمة منظمات تنصّب نفسها وصية على الأخلاق، ومحاولاتها ستبقى بائسة وفاشلة".
ومن الطاقم المشرف على إنتاج الفيديو كليب، قال المخرج أحمد المختار "مبدئيًا لم نقصد إثارة الرأي العام ضدنا، ولم تكن لدينا أية أجندة خفية، كما يقول البعض، كما لم يكن لدينا تخطيط مسبق لاختيار فتاة تلبس زيًا مخالفًا للمألوف"، موضحًا أنه "كل ما هناك، أن الفتاة ليلى مولاي لديها طريقتها في اللبس، وقد اختارت بنفسها أن تظهر في الفيديو بطريقتها الخاصة، ونحن من جهتنا نعتبر الموضوع حرية شخصية"، مشيرًا إلى أن "بعض مشاهد الفيديو على شاطئ البحر تطلبت من الممثلين لبس زي يلاءم المكان، ولأن القصة عبارة عن يوميات عشيقين، فكان من اللازم أن تظهر واقعية عبر الملابس، والأغنية في النهاية ليست موعظة".
وختم بالقول "مثل هذه القصة تحدث في نواكشوط مئات المرات يوميًا، ونحن لم نأت بأي جديد، وكل ما قمنا به هو تصويرنا للواقع بطريقة فنية، لكن الناس يتهربون من هذا الواقع ويريدون أن يظل دائمًا خلف الأبواب".
أما منتج الفيدو كليب إيلي باريك، فقد علق بالقول "لم نقصد الإساءة للمجتمع الموريتاني، وكنا نتوقع بكل تأكيد بعض ردود الفعل، لكننا لم نتوقعها بهذه الحدة وهذا الحجم، وكانت ثمة جهات وقفت إلى جانبنا، وهذا كله شيء إيجابي، لأن الشهرة تولد عادة من الضجة، رغم أننا لا نرى مبررًا لمنتقدينا، فنحن لم ننتج فيلمًا إباحيًا، وإنما أغنية بسيطة، بمجهود شباب طموح، لم يكن هدفهم سوى الرقي بالفن الموريتاني، دون الرغبة في إحداث أي ضرر معنوي لأحد"، موضحًا أن "الجهة التي تعتزم رفع دعوى قضائية ضدهم، تعبر عن موجة التشدد، التي اكتسحت موريتانيا منذ التسعينات، وهدفها فرض نمط من السلوك عبر الإرهاب والتهديد تارة والتشهير والكذب تارة أخرى".
ورأت "حركة لا للإباحية"، التي تعد أبرز جهة منتقدة للفيلم، في هؤلاء الشباب "مجرد مجموعة تهدف إلى محاربة القيم الإسلامية في المجتمع الموريتاني، مع دعم من جهات أجنبية".
وقال الناطق باسم الحركة الشيخ بابا ولد محمد الأمجد أن "الفيلم يحمل رسالة غير أخلاقية، جرحت مشاعر الناس، لأنه يظهر امرأة مسلمة شبه عارية، ومن شأنه تشجيع الشباب على التخلي عن الزّي المحتشم، وهذا استهداف للثقافة الموريتانية الإسلامية، لذا قررنا رفع دعوى قضائية ضد كل من شارك في إنتاج هذا الفيديو".
وقال ولد محمد الأمين "نحن لسنا ضد الثقافة بوجه عام، ولكننا ضد الفن غير الملتزم"، نافيًا أن تكون الحركة الدينية قد تحركت انطلاقًا من خلفية عنصرية، ومؤكدًا أن "حركتنا نشأت من رحم المجتمع، وهدفنا هو تغيير الظواهر السيئة في كل فئاته وأعراقه، وقد نبهنا إلى وجود بعض الممارسات المنافية للإسلام في أوساط بعض فئات الزنوج".
وفي ختام حديثه، طالب ولد محمد الأمين الدولة الموريتانية بـ"تحمل مسؤوليتها كاملة، عبر تطبيق المادة 306 من القانون الجنائي الموريتاني، التي تلزم المرأة بالاحتشام في الشارع والأماكن العامة".
وفي خضم هذا الجدل، أوضحت الخبيرة الاجتماعية السالكة منت أحمين سالم أن "البعد الديني للقضية يشكل الجانب الأكبر فيها"، مستبعدة أن "يكون للثقافة أي دور في صراع التيارات المعارضة للتحرر وتلك المؤيدة له، بل إنه مجرد صراع قيمي ديني بامتياز، لأننا مجتمع لا يولي أهمية كبيرة للثقافة والفن، بقدر ما يوليها للدين والعادات والتقاليد، ولذا لم ينتقد المجتمع فيديوهات نشرت سابقًا لأنها لم تتجرأ على المس بالتقاليد الدينية".
واختتمت منت أحمين سالم قائلة "إن التركيز على زي الفتاة في الفيديو يعود إلى أنه يشكل أحد العادات غير المشتركة بين مكونات الشعب الموريتاني، فلكل فئة زيها الخاص، الذي يخضع لمقاييس الاحتشام الخاصة، لكن الفتاة ظهرت بزي مختلف عن كل الأزياء المحلية، في طريقة غير محتشمة".