دمشق – المغرب اليوم
دمشق – المغرب اليوم
كشف صحافيون وناشطون عن أن الحكومة السورية متورّطة في تجارة المخدرات، وأنه في الوقت الذي يتمّ فيه محاصرة مناطق كثيرة ومنع الطعام والدواء من دخولها، تلاحظ وفرة الحشيشة والسلاح فيها، ويعتبر لبنان المصدر الرئيس للحشيشة في سورية، خصوصًا منطقتي البقاع وبعلبك، إلا أنّ من يقوم بزراعة الحشيشة والاتجار فيها في بعض الأحيان هم سوريون ذوو نفوذ في لبنان بسبب ارتباطهم بالحكومة، أما المناطق الشمالية
من سورية، فتعدّ تركيا مصدرها الأهم لمادة الحشيشة، نظرًا إلى قرب المسافة، وفي ظل التبادل التجاري بين المناطق الحدودية، فضلاَ عن ذلك، شهدت سورية أول محاولة لزرع المادة خلال الأحداث الجارية في محافظة الحسكة، إلا أنّ الإنتاج لا يغطّي الطلب الكامل في المنطقة.
وليست ظاهرة تعاطي مادة الحشيشة في المجتمع السوري بجديدة كليًا، وإن لم تكن منتشرة قبل اندلاع الثورة وما تلا ذلك من أحداث عصفت بالبلاد بشكل كبير، إذ اقتصرت العادة على فئات معيّنة من المجتمع فقط، في حين ما زال يرفضها المجتمع الكبير والعائلة السورية.
ومن أكثر الأوساط التي تتعاطى الحشيشة في سورية هي الأوساط الفنية، يؤكد علي الطرطوسي، وهو مخرجٌ سينمائي سوري معارض، أن تناول الحشيشة بين الفنانين عمومًا على مختلف اختصاصاتهم من رسم أو فنون أداء أو صناعة أفلام أو شِعر يساعد من وجهة نظرهم على الاسترخاء و"السرد"، أي الإبحار في الخيال.
ويوضح الطرطوسي أن هذه الفئة تتعامل مع الحشيشة على أنها "مادة طبيعية ذات تأثير إيجابي" يتيّسر الحصول عليها ماديًا.
وينتشر تعاطي الحشيشة أيضًا بكثرة في أوساط الميسورين ماديًا من السوريين. إلا أن تعاطي هذه الفئات لا يقتصر على الحشيشة فقط، بل تستشري فيها حالة تداول وتعاطي المخدرات بشكل عام، وتشمل هذه الأوساط تقليديًا فئات مقرّبة من الحكومة السورية كالوزراء والقادة السياسيين والعسكريين والتجار وغيرهم، ولاتتجاوز هذه الفئة 7% من مجمل الشعب السوري.
ولم يختلف الوضع كثيرًا أثناء الفترة الماضية من الأحداث، سوى في اتساع نطاق الظاهرة لتشمل فئات أخرى من المجتمع.
ويوضح الصحافي والناشط سامر أنّ كل ذلك في ظل سيطرة الحكومة السورية الحالية وتحت عينها وعبر رجالها. فالحكومة ورجالاتها، كما دائمًا، هم القائمون الأكبر على هذه التجارة المربحة، والتي تتطلب النفوذ للتغلب على الرقابة الحدودية حتى تزدهر.
ففي الوقت التي كانت تُقصَف مدينة الزبداني وما حولها بشكل عنيف بالتزامن مع حملات مداهمات واعتقالات، لم تتعرض منطقة مضايا التجارية المتاخمة لها لطلقة رصاصٍ واحدة.
وتُعرف منطقة مضايا بأنها منطقة لتهريب البضائع الأجنبية ومصدر للاتجار ولمرور المخدرات، وظلّت المدينة تحت سيطرة الحكومة السوري لسنين عدّة، حيث تربط أهل المنطقة والحكومة معاهداتٍ واتفاقياتٍ مبنيّة على المصالح المشتركة، يصبّ جلّها في تجارة المخدرات، وخاصة الحشيشة.
ويؤكد ناشطون معارضون أنه أثناء العديد من مداهمات أجهزة الأمن لبيوت ومخابئ المعارضين أو المطلوبين للحكومة، لم يتطرق أي من العناصر لكميات من الحشيشة الموجودة علانيّة في المنازل، أو سجائر الحشيشة التي تفوح رائحتها بوضوح في بعض الأماكن التي تتم مداهمتها.
أما الأوساط شديدة الفقر، وخصوصًا تلك التي تقطن العشوائيات، فيتعذر عليها الحصول على الحشيشة نظرًا إلى الإمكانات المادية المحدودة، إلا أنّ أبناء هذه الشريحة يقبلون على المخدرات أيضًا هربًا من واقعهم المرير، حيث تجدهم دائمي البحث أيضًا عن المواد الأكثر تخديرًا والأقل ثمنًا كالحبوب المهدئة أو المنشطة المفضية لشكل من أشكال الهلوسة أحيانًا، والتي تمّ حظر تداول معظمها عالميًا حتى في حالات الاستطباب.
وتُباع هذه الحبوب كالكابتاغون والبالتان والبروكسيمول في الأكشاك والدكاكين بشكل غير قانوني.
وتؤكد السيدة سوزان، وهي ناشطة معارضة متقدمة في السن تنتمي لإحدى عائلات دمشق العريقة، أنّ من كان يتناول المخدرات قديمًا كان "منبوذًا" وغير مقبولٍ بشكل عام في كل أوساط المجتمع، بغضّ النظر عن حالته الاجتماعية أو المادية أو مستواه العلمي، وحتى إن كان تعاطيه يقتصر على الحشيشة، التي تعتبر من المخدرات الخفيفة والعشبية، وكان يحقّر بنعته "حشاشًا"، ويعامَل بكل ازدراء. وتكشف سوزان: "هذا كله تغير بعد الثورة"، فبالإضافة إلى أنّ الحشيشة أصبحت تلقى إقبالًا أكثر ممن تعوّدوا تعاطيها بطبيعة الحال، بسبب ارتفاع حالة التوتر والرعب والقلق الدائم، أصبحت هناك شريحة جديدة إضافيّة من المجتمع تُقبل عليها وتتقبل وجودها وتعاطيها، وبالتالي لا ترتبط هذه الطبقة بشريحةٍ معينة من المجتمع من حيث الحالة الاجتماعية أو العلميّة أو الماديّة كما كان الأمر في السابق، حيث أفرزت الحال العامة في البلاد فئةً جديدةً تتشابه كثيرًا في أحوالها اليومية وبسبب الضغوط النفسية التي تتعرض لها في ظلّ مخاطر التظاهر والنشاط الثوري.
وعلى مبدأ الضرورات تبيح المحظورات "أصبحت هناك أزمة أخلاق"، على حد تعبير سوزان.
وتتميز هذه الشريحة الجديدة أيضًا بوجود العنصر النسائي، الذي لم يكن موجودًا من قبل إلّا في حالاتٍ نادرة، وتوضح: "لم تعد الحشيشة مقرونًا بالفشلة والأثرياء والبؤساء والفنانين الذين يتفهم المجتمع أسباب إقبالهم على المخدرات بشكل عام."
وبينما وصل سعر المواد الغذائية لأوجه بعد الأزمة الاقتصادية وبسبب ارتفاع صرف الدولار مقابل الليرة السورية، لم يطرأ الكثير من التغيير على مادة الحشيشة من حيث السعر والتداول.
ووفقًا للأزور، وهو سجينٌ سابق بقضية مخدرات وأحد تجار الحشيشة في سورية، ما زالت كلفة الحشيشة للمستهلك والتاجر تعتبر "مقبولةً" رغم ارتفاع سعرها في دول المصدر، مثل لبنان، حيث تُعتبر الحشيشة في سورية أقلّ سعرًا من لبنان بسبب "سيطرة المسؤولين السوريين على هذه التجارة".
وأشار بكف يده قائلا "قطعة بهذا الحجم تشتريها في بيروت بـ100 دولار، بينما في سورية لا تتجاوز الـ40 دولارًا أميركيًا". ويضيف الأزور قائلاً: "قضيت في سجن عدرا مدّة محكوميتي، ولم ينقطع فيها الحشيش يومًا لا في الخارج ولا في الداخل". ويفسّر الأزور أن تجارته لم تتضرر بسبب حبسه، بل على العكس وجد زبائن جُددًا ومصادر إضافية، وكان يقوم بعمليات كثيرة عبر الهاتف من داخل سجنه وعلى مرأى من الضباط المرتشين والفاسدين، ويستطرد الأزور مؤكدًا أن تجارة المخدرات لا تعتبر بالجرم الخطير، بل هي أقرب إلى تعامل القانون معها كجنحة.
اليوم وبعد حوالي عامين من خروج الثورة السورية أصبحت الحشيشة متداولة ويتم تقبّلها اجتماعيًا من قِبل معظم الفئات الشبابية ونشطاء المعارضة الميدانيين، ومن هم ضمن الحراك المدني والسلمي وغيرهم، بالإضافة إلى انتشاره بكثرة بين المحاربين والمقاتلين الجدد الذين "خرجوا بداية للدفاع عن أنفسهم وعن ذويهم"، وفقًا لعمرو، الناشط الميداني، وفي الوقت الذي يتم فيه حظر الخمور في مناطق كثيرة بحجّة حرمتها الدينية، في ظل سيطرة بعض فئات المعارضة ذات الطابع المتشدد دينيًا على رقعة كبيرة من المناطق السورية، يتم "غض النظر عن الحشيشة" فهي لا تعتبر أساسًا مادة محرّمة أو حتى غير مرغوبة، وذلك من أجل الحفاظ على قبلة للتنفيس، وترك هامشٍ "للحصول على بعض السعادة" في ظل الأوقات العصيبة التي تعيشها البلاد.