تونس ـ أزهار الجربوعي
قرّر المجلس التأسيسي التونسي تأجيل النظر في قانون إحداث "هيئة الوقاية من التعذيب" إلى الثلاثاء المقبل، بغية مناقشته تفصيليًا في حين دعا وزير العدالة الانتقالية سمير ديلو إلى حماية حقوق المتهمين الموقوفين في قضايا "إرهاب"، وعدم تعريضهم للتعذيب أثناء التحقيق، مؤكدًا أن التعذيب موجود في تونس، ولا بد من فتح أرشيف البوليس السياسي والقضاء والإعلام في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وقرر المجلس الوطني التأسيسي التونسي تأجيل النقاش بشأن مشروع قانون أساسي، لإحداث هيئة للوقاية من التعذيب، والمصادقة عليه، إلى جلسة عامة، تعقد الثلاثاء المقبل، وذلك بعد أن انتهى من النقاش العام بشأنه.
ودعا وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية سمير ديلو، أثناء تقديمه لمشروع القانون الأساسي "للهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب"، إلى "توفير ضمانات قانونية تحمي الموقوفين من المتهمين في قضايا الإرهاب، وتهديد الأمن القومي، من التعرض إلى التعذيب وضمان حقوقهم"، مشدّدًا على "ضرورة تنقيح المرسوم رقم 106، حتى لا يقع إسقاط جريمة التعذيب بالتقادم ومرور الزمن، وعلى ضرورة تأسيس هيكل خاص بفتح كل الأرشيفات الخاصة بالمتورطين في جرائم التعذيب والقمع مع النظام السابق، أطلق عليها اسم هيئة الحقيقة والكرامة"، محذرًا من "خطورة وعوائق فتح الأرشيف في الفترة الراهنة، من قبل الحكومة القائمة، التي يقودها حزبه (النهضة الإسلامي)"، مشيرًا إلى أن "ذلك من شأنه توطيف هذا الملف في التجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة، مما سيفقد هذه القضية العادلة أهدافها وجوهرها"، لافتًا إلى أن "قائمة الجلادين يجب أن تكون طويلة، على غرار قائمة الضحايا"، مُبينًا أن "ذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار فتح الأرشيف المتعلق بالبوليس السياسي، وأرشيف القضاء والإدارة والإعلام"، وأضاف "لو فتحت هذه الأرشيفات، في ضوء هذه الحكومة، لاعتبر ذلك في إطار التوظيف لمحاربة خصمسياسي، ولفقدت هذه الوثائق قيمتها، بل أكثر من ذلك، لأصبح المذكورون فيها أبطالاً يقدمون أنفسهم على أنهم مستهدفون، لا لأعمال ارتكبوها، ولا لجرائم اقترفوها، ولكن لمعارضتهم السلطة السياسية، التي تقودها النهضة".
ومع تصاعد اتهام الحكومة القائمة، التي يقودها حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم، باستعمال التعذيب أثناء استنطاق المتهمين في قضايا "الإرهاب"، قال القيادي في "النهضة" ووزير حقوق الإنسان سمير ديلو أن "الحكومة ليست بمنأى عن المحاسبة، حال ثبوت تورطها في مثل هذه الأعمال"، مشددًا على أن "تركيز هيئة وطنية لمقاومة التعذيب لن يكون كافيًا لاستئصال التعذيب، وأن استئصال التعذيب يكون على مستويات عدة"، مؤكدًا وجود عمليات تعذيب في تونس، وأضاف "أن الهيئة التونسية للوقاية من التعذيب، ستكون مستقلة وحاصلة على مصادقة المجلس التأسيسي، لتكون الإطار الذي يتم من خلاله تسليم الوثائق والحقائق، حتى لا تُتّهم السلطة السياسية والأحزاب الحاكمة (النهضة، التكتل، المؤتمر) بالاستغلال السياسي"، مشيرًا إلى "ضرورة أن يقف الجلادون أمام القضاء، وأنه من غير المعقول وجود قائمة طويلة، تضم أعدادًا من ضحايا التعذيب، من الذين اغتصبوا تحت التعذيب، ومن الذين لا يزالون يحملون آثار ذلك على أجسادهم، نساء ورجالاً، صغارًا وكبار، مقابل غياب قائمة لأسماء جلاديهم".
وأوضح وزير حقوق الإنسان أن "فتح الأرشيف لن يكون من باب الرغبة في التشفي أو الانتقام أوالقصاص منهم، ولكن حتى يكونوا عبرة لغيرهم، لأن المفلت من العقاب يشجع غيره على ممارسة التعذيب"، مشيرًا إلى أن "بعض القضايا صدرت فيها أحكام لم ترض لا الجلاّد ولا الضحيّة"، واصفًا جريمة التعذيب بـ"الشنيعة، التي لا تقف تداعياتها عند جسد الضحية فحسب، ولكنها تطال روحه وعقله وعائلته"، مشددًا على أن "التعذيب ليس لطمة أو صفعة أو تعرية وحسب، وإنما هو اعتداء جنسي واعتداء على الزوجة والابن والبنت، وتعد على الكرامة والضوابط الأخلاقية والقيم الإنسانية".
ويطالب حقوقيون السلطة التشريعية العليا في تونس، المتمثلة في المجلس الوطني التأسيسي، بمراجعة الفصل 3، الوارد في المرسوم رقم 106، الصادر في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، والمتعلق بسقوط جريمة التعذيب بعد مرور 15 عامًا.
ومن المنتظر أن يتم إلغاء ما ورد في هذا الفصل وتعويضه بمبدأ آخر، وهو عدم سقوط الدعوى العمومية في جريمة التعذيب بمرور الزمن، مثلما ينص على ذلك اتفاق الأمم المتحدة المناهض للتعذيب، بغية وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب، لاسيما أن التشريعات الدولية تعتبر أن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم، ومرور الزمن.
ويرى مراقبون أن المرسوم القانوني الشهير، الذي وضعه زعيم حزب "نداء تونس" المعارض الباجي قائد السبسي، عند توليه منصب رئاسة الوزراء، يرمي أساسًا لحماية أصحاب النفوذ في نظامي الرؤساء السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، الذين تعلقت بهم قضايا تعذيب، أو قد تثار ضدهم قضايا في هذا الشأن.
وكان الباجي قائد السبسي قد أصدر هذا المرسوم في اللحظات الأخيرة من توليه لرئاسة الوزراء، وتحديدًا قبل يوم واحد من انتخابات المجلس التأسيسي، التي تمت في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وجاءت بحكومة ائتلاف الترويكا (النهضة، التكتل، المؤتمر من أجل الجمهورية)، حيث يؤكد محللون أن السبسي أحد المعنيين بجرائم التعذيب، لاسيما خلال فترة حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، التي شغل فيها منصب مدير الأمن العمومي ووزيرًا للداخلية.