تونس ـ أزهار الجربوعي
رفضت حركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة، الاثنين، استقالة الحكومة التونسية، التي يترأسها أحد أهم قيادييها علي العريض، معتبرة تنحيها عن السلطة قبل استكمال الدستور وضبط تاريخ نهائي ودقيق للانتخابات خطرًا على الانتقال الديمقراطي. يأتي ذلك فيما قرر وسيط حل الأزمة، وراعي الحوار الوطني، "اتحاد العمل" (منظمة النقابات)، اللجوء إلى الضغط والتعبئة الشعبية للمطالبة برحيل الحكومة،
معلنًا عزمه تنظيم تحركات احتجاجية في المحافظات كافة، تُتوّج بمسيرة ضخمة في العاصمة.
وأكد القيادي في حركة "النهضة" الإسلامية الحاكمة ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، خلال ندوة صحافية عقدتها الحركة، ظهر الاثنين، أن "النهضة متمسّكة بإنهاء المهام التأسيسية للمجلس الوطني التأسيسي، والمتعلقة بإتمام المصادقة على الدستور، وتحديد تاريخ واضح ودقيق للانتخابات قبل استقالة حكومة علي العريض، وأن الحركة، تخشى فشل تجربة الانتقال الديمقراطي، في صورة تنحيها عن السلطة، قبل إنهاء الدستور، في ضوء غياب ضمانات حقيقية لنجاح التجربة الديمقراطية".
من جانبه، أكّد القيادي في حركة "النهضة" العجمي الوريمي أنّ "قواعد الحزب وشبابه غاضب من النسق البطيء للمشاورات الهادفة للخروج من الأزمة القائمة، التي تعيشها تونس، ومن تمشي الحركة، لاسيما عقب تقديمها للعديد من التنازلات لهدف التوصل إلى اتفاق"، موضحًا أن "النهضة قدمت العديد من التنازلات، وأنها ترفض دكتاتورية الأقليّة، التي لها تمثيل ضعيف في المجلس التأسيسي (البرلمان)، ولا تقبل الإقصاء، ولا هيمنة طرف على آخر"، مجددًا أن "الحركة لا تؤمن بوجود عصيان مدني سلمي".
وردًاعلى تصريحات نائب رئيس حركة "النهضة" عبد الفتاح مورو، التي أكّد فيها "وجود شباب متطرف داخل النهضة"، قال الوريمي أن "النهضة، حركة تونسية لحمًا ودمًا، وهي مستأمنة على هذا الموروث، ولا تضم شبابًا متطرفًا، بل تضم شبابًا غاضبًا".
وبشأن مبادرة الرباعي الراعي للحوار، قال الوريمي "إن هذه المبادرة ليست الوحيدة في البلاد، وليست الأفضل، لكن النهضة قبلت بها منطلقًا للحوار، لأن اتحاد الشغل يدعمها".
في سياق متصل، حمّل القيادي في حزب "التكتل" التونسي المولدي الرياحي مسؤولية فشل جهود الوساطة واستئناف الحوار الوطني إلى "جبهة الإنقاذ" المعارضة، مؤكدًا أن "رد الثلاثي الحاكم (النهضة،التكتل،المؤتمر من أجل الجمهورية) على ورقة التسوية السياسية للأزمة، التي قدمها الرباعي الراعي للحوار (اتحاد الشغل، ومنظمة رجال الأعمال، وهيئة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان)، كان صلب ورقة العمل المقترحة، وأنه تمت الموافقة على النقطة الأولى الواردة فيها، وهي استقالة الحكومة، وتكوين حكومة مستقلة"، مضيفا أن "الحكومة قد تعهدت بالاستقالة في ظرف 6 أسابيع"، ومشدّدًا على "ضرورة أن يكون خروج الحكومة خروجًا مشرّفًا، وأن تكون الحكومة الجديدة في المقابل محل توافق جميع الأطراف"، محذرًا من "التصعيد الذي سيفسح المجال أمام تقدم الإرهابين".
وتعقيبًا على رفض أحزاب "الترويكا" الحاكمة لاستقالة الحكومة، اتجه "الاتحاد العام التونسي للشغل" نحو التصعيد، وأعلن أنه سيدخل مرحلة الضغط الشعبي، للمطالبة باستقالة الحكومة.
وأكدت الهيئة الإدارية للاتحاد العام للشغل أنه "سيتم تنظيم احتجاجات في كامل مناطق البلاد، تتوج بمظاهرة ضخمة في العاصمة تونس، للضغط على الحكومة، التي تقودها حركة النهضة الإسلامية للاستقالة".
ودعت الهيئة كلّ القوى الديمقراطية للالتفاف حولها، علي أساس خارطة الطريق التي اقترحتها، لمتابعة تطور الأوضاع، واتخاذ القرارات الملائمة، بما يحفظ حق الشعب في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
وكانت المنظمات الأربع الراعية للحوار الوطني في تونس، قد اتهمت حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم بـ"الغموض والمماطلة"، معلنة رفضها لموقف "النهضة"، بشأن ورقة حل الأزمة السياسية، التي عرضتها الهيئة الرباعية للوساطة، معتبرة أن عدم إعلان "النهضة" عن استقالة فورية للحكومة، هو العقبة الجوهرية أمام انفراج الأزمة، التي تعيشها تونس منذ اغتيال المعارض محمد البراهمي، في 25 تموز/يوليو الماضي.
في حين أعلنت حركة "النهضة" عن قبولها مبادرة الرباعي، واستعدادها غير المشروط لاستئناف الحوار الوطني، إلا أن الأطراف الوسيطة لحل الأزمة رأت هذا الإعلان غير كاف، ما لم يقترن بإعلان فوري عن حل الحكومة، التي يقودها ثلاثي "الترويكا".
ويخشى التونسيون من التصعيد المعلن من المعارضة والحكومة، لاسيما بعد تلويح "اتحاد الشغل" بالإضراب العام، الذي يمكن أن يؤدي إلى شلل حقيقي في أجهزة الدولة، سيما وأن "اتحاد الشغل" يضم أكثرمن 800 ألف عضو، من نقابيين، يتواجدون في كامل مناطق البلاد، وفي كامل الإدارات العمومية والخاصة، وهو ما يعني أن تونس قد تعيش انتفاضة جديدة، تنتهي إلى الإطاحة بنظام الحكم القائم، لاسيما وقد أثبت التاريخ أن تحركات "اتحاد الشغل" كانت حاسمة على هذا الصعيد، لا سيما دوره في التعبئة الشعبية التي أسقطت حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.