واشنطن ـ يوسف مكي
واشنطن ـ يوسف مكي
عندما سار الرئيس باراك أوباما في حديقة روز غارد الشهر الماضي بعد اسبوع من تزايد التوتر بشأن استخدام سورية للأسلحة الكيميائية ، افترض كثيرون أنه سيعلن أن الهجوم الذي تم التلويح به من قبل حلفائه قد بدأ. لكنه بدلا من ذلك، القى الكرة في ملعب الكونغرس لإتخاذ القرار. و عندما ظهر أوباما على شاشات التلفزيون مساء الثلاثاء ، يلقي خطابًا يعتزم فيه تعزيز قوة حجته للدبلوماسية.
على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية ، شهدت البلاد سلسلة غير عادية من المحاور فقد غير الرئيس اتجاهه تقريبا في الوقت الحقيقي وعلى شاشات التلفزيون في البث الحي. وقد تم التعامل مع سياسة أوباما لمواجهته هجوم الأسلحة الكيميائية على المدنيين في سورية على أنها حالة نادرة للقائد العام الذي يقوم بالتفكير بصوت عال ٍ ويغيّر رأيه من حين لأخر.
بالنسبه الى مساعديه وحلفائه ، أجل أوباما قراره بشن الغارات الجوية لمعاقبة النظام السوري لاستخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه مرتين، وهو ما يعكس التردد في استخدام القوة . في هذا الرأي ، يُعتبر أوباما زعيمًا ذكيًا يريد الحصول على الجواب الصحيح أكثر من رغبته في ارضاء طبقة سياسية حريصة جدًا على أن تنتقد كل خطوة .
وقال ديفيد بلوف ، مستشار الرئيس البارز السابق :" ان جميع الانتقادات المشابهة فشلت بسهولة ، نحن نسير على خط مستقيم و سينتهي الطريق كما نود جميعا أن ينتهي به الأمر. هذه ليست الطريقة التي يسير بها العالم بالطبع ، وخاصة في مثل هذا الوضع."
لكن بالنسبة الى المنتقدين لأوباما ، بما في ذلك العديد من الشخصيات في حزبه ، فقد تعامل معهم باستهتار من خلال قراراته بالاستعانة بقرار المشرّعين في مواجهة معارضة الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومن ثم احتضان الخيار الدبلوماسي الروسي البديل الذي يعتقد مستشاروه انه امر مشكوك فيه. بدلا من اتخاذ قرارات حاسمة ، فقد أظهر أوباما ، لهؤلاء النقاد رد فعل دفاعي وتحدي عميق للوقوف في وجه عالم خطر .
وقال السناتور بوب كوركر من تينيسي ، وهو جمهوري عمل مع البيت الأبيض لدعم استخدام القوة ضد سورية ، في مقابلة : "ليس هناك شك على الإطلاق في انه لا يشعر بالراحة كونه القائد العام ، وفي لقاء شخصي بدا قوياً وواثقاً من نفسه ، كنت أتمنى أن ألقي خطابا كما يفعل هو. ولكنه بلا شك يشعر وكأنه في قفص أو فخ و يحاول الخروج " .
لحسن أو سوء الحظ ، هناك كثيرون يناقشون كل وجهات النظر ، وأوباما يمثل تناقضا صارخًا في أسلوبه عن جورج دبليو بوش . فقد كان الرئيس السابق يأخذ القرارات بشكل حاسم و نادرا ما يعيد النظر فيه. وقال بوش لمساعديه أن الرئيس لا ينبغي أن يكشف عن شكوكه لأن ذلك من شأنه أن يرسل إشارات غير مباشرة لإدارته ، والقوات في الميدان والبلد ككل .
جاء أوباما للحكم كمناهض لأفكار بوش ، وكان ترشيحه قد جاء لمعارضته الحرب على العراق وسط وعود بأن يكون أكثر انفتاحا وأن يأخذ المشورة في كل شيء، لذلك يُعتبر أوباما أكثر واقعية في سياساته وأكثر تأملية في قراراته . فعندما جاء الوقت ليقرر ما اذا كان سيرسل المزيد من القوات إلى أفغانستان في العام 2009 ، أخذ ثلاثة أشهر من الدراسة و مناقشة مساعديه في الأمر.
والمعروف عنه أنه مرشح منضبط ويتميز بشخصية عملية ، لذلك حظي أوباما بالثناء على الجرأة التي تمت بها عملية القوات الخاصة في باكستان والتي قامت بقتل أسامة بن لادن ، وتم قبلها الكثير من المداولات السرية التي استمرت لأشهر وكان الجمهور لا يعلم عنها شيء. كما قام بتوسيع حجم الهجمات التي تتم بطائرات بدون طيار ضد أشخاص يشتبه في كونهم إرهابيين ، حتى أصبحت هناك شكوك مؤخرا حول حكمة وضرورة استخدامها.
وقال دان فايفر ، أحد كبار مستشاريه :" تم انتخاب الرئيس أوباما لأنه بينما تتبع واشنطن نهجًا تقليديًا في العراق ، أخذ هو نهجاً مختلفا ، إن الشعب الأمريكي يقدر حقيقة أنه يتبع نهجاً مدروساً في اتخاذ القرارات الخطيرة ".
لكن ريتشارد هاس ، رئيس مجلس العلاقات الخارجية و المسؤول السابق بوزارة الخارجية في حقبة بوش والذي انشق عن رئيسه القديم ، ودعم أوباما، أصبح ينتقد بشدة الطريقة التي تعامل بها مع الملف السوري. وقال:" أعتقد أن كلماته مرتجلة وغير مستقرة وربما تكون هذه هي أكثر الفترات غير المنضبطة في سياسته الخارجية منذ توليه الرئاسة . "
ومع تصاعد الحرب الأهلية في سوريا ، كان لدى أوباما عدم يقين لمدة سنتين، وكان يتألم لوفاة 100 ألف شخص حتى الآن وهو غير متأكد من ما يمكن للولايات المتحدة القيام به حيال ذلك دون جر البلاد إلى مستنقع آخر . وقد وضع "خطاً أحمر " ضد استخدام الأسلحة الكيميائية دون تحديد ما من شأنه أن يترتب علي ذلك.
منذ وقوع الهجوم بغاز الأعصاب "السارين" يوم 21 اغسطس /أب قتل أكثر من 1،400 شخص ، وذلك وفقا للاستخبارات الأمريكية ، وهنا وافق أوباما على أن هناك حاجة إلى رد عسكري في حين أنه أعرب عن تمنيه عدم اللجوء الى هذا الخيار.
وأعرب عن أسفه خلال زيارة قام بها إلى السويد في الاسبوع الماضي قائلا:" كنت أود قضاء وقتي في التفكير في كيفية التأكد من حصول اطفال في سن الرابعة على تعليم جيد بدلا من قضائه في التفكير حول كيفية حماية اطفال في نفس السن من التعرض للأسلحة الكيماوية وغاز الأعصاب . لسوء الحظ ، هذه في بعض الأحيان القرارات التي أواجهها كرئيس للولايات المتحدة . "
وعلى الرغم من ميله للعملية ، قرر أن يطلب من الكونغرس الحصول على إذن على الرغم من اعتراض موظفيه و دون استشارة وزير خارجيته ، جون كيري ، أو وزير دفاعه ، تشاك هيغل . عندما اقترحت روسيا تجنب الضربة من خلال اقتاع سورية بالتخلي عن ترسانة أسلحتها الكيميائية ، فكر أوباما بحذر بنفس المفهوم حتى بعد رفض كيري الفكرة ووصفها بغير القابلة للتصديق أو التنفيذ .
وقال بيتر فيفر ، وهو أستاذ في جامعة ديوك وعمل مع موظفي مجلس الأمن القومي في عهد بوش وبيل كلينتون :"من الواضح انه لم يفكر جيدا في الآثار المترتبة على الذهاب إلى الكونغرس والاستعداد لذلك. "
وقال المدافعون عنه أن الكل مهتم بالطريقة بدلا من الهدف ، وأنه إذا قبل بفكرة تخلي سورية عن الأسلحة الكيميائية، فإن التاريخ سيذكر أن الرئيس الأمريكي قد جعل ذلك يحدث". وقال النائب الديمقراطي ستيف إسرائيل من نيويورك:" اتمنى ان يكون لي رئيس يتخذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب على رئيس يأخذ قرارات خاطئة لانه لا يريد ان يعطي المزيد من الوقت