دمشق - جورج الشامي
تتجه الأنظار، خلال الساعات المقبلة، إلى مبنى الكابيتول (مقر مجلسي "الشيوخ" و"النواب" الأميركيين)، في واشنطن، حيث تبدأ، الإثنين، مناقشة قرار إدارة الرئيس أوباما توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد، عقابًا له على استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين. فيما قال وزير الخارجية الأميركي: إنه يمكن للأسد تفادي التعرض للضربة العسكرية، إذا سلّم الأسلحة الكيماوية كلها، التي يملكها للمجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل. وفي المقابل، شددت موسكو ودمشق على أنه "لا بديل عن الحل السياسي، في ما يتعلق بالخروج من الأزمة الحالية والتهديدات الغربية
بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وأكدتا أن الجهود الدبلوماسية لم تستنفد بعد لحل الأزمة".
وأكد وزيرا خارجية سورية وليد المعلم وروسيا سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك في موسكو، الإثنين "ضرورة عودة المحققين الدوليين، لإجراء تحقيق محترف في استخدام الأسلحة الكيميائية، وضرورة تركيز الجهد على عقد مؤتمر جنيف2 دون شروط".
وقال وزير الخارجة السوري: إنه إذا كانت ذرائع الحرب (التي تهدد بها الولايات المتحدة) هي استخدام الكيماوي، فإن الجهود الدبلوماسية في هذا الصدد لم تستنفد، مضيفًا أن "دمشق ستتعاون مع موسكو بشكل كامل في هذا الخصوص".
وكان المعلم نقل رسالة من الرئيس السوري بشار الأسد يشكر فيها نظيره الروسي فلاديمير بوتين لـ "دعمه سورية". وأكد "استعداد دمشق للمشاركة في مؤتمر جنيف2، دون شروط مسبقة للتوصل إلى حل للأزمة"، مضيفا أن "موسكو تحث واشنطن على تركيز جهودها لعقد جنيف2 وليس الاستعداد للحرب". وأبدى "استعداد بلاده للتعاون مع روسية في مسألة استخدام الكيمياوي، لنزع الذرائع وحماية شعبنا"، معتبرًا أن "الهدف من الضربة الأميركية المحتملة، هو دعم جبهة "النصرة"، وغيرها من الجماعات المسلحة في سورية".
وتساءل وزير الخارجية السوري "كيف يبرر أوباما العدوان المحتمل، دعمًا لجماعات إسلامية، ونحن نقترب من ذكرى هجمات سبتمبر؟" (في إشارة إلى أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2000)، موجهًا تحياته إلى الشعب الأميركي "لوعيه ووقوفه ضد الحرب المحتملة على سورية".
وأبدى المعلم استعداد سورية لحضور "جنيف2" دون شروط مسبقة، والتحاور مع القوى التي تعمل من أجل السلام كلها، وأكد جاهزية بلاده لاستقبال لجنة التحقيق بشأن استخدام الكيميائي مرة أخرى. وأكد إيمان بلاده بالحل السياسي للأزمة، لكنه قال: إن وقع العدوان علينا فسيكون لنا موقف آخر.
ومن ناحيته، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إنه يؤيد عودة مفتشي الأمم المتحدة لسورية، لاستكمال التحقيقات بشأن الكيماوي، مضيفًا أنه "لا بد من التحقيق في كيماوي سورية بطريقة محترفة ثم ترفع النتائج لمجلس الأمن".
وقال وزير الخارجة الروسي: إما أن الائتلاف الوطني المعارض غير موافق على جينيف2 أو أن الدول الداعمة له تمنعه من الموافقة"، مؤكدًا قناعة بلاده بأنه "لا بديل عن التسوية السياسية والتحاور بين جميع السوريين في نهاية الأمر". وأكد "الإصرار على المطالبة بعودة الخبراء الأمميين إلى سورية، لاستكمال تحقيقاتهم".
وكان الرئيس السوري بشار الأسد، نفى مسؤوليته عن الهجوم الكيميائي على الغوطة في ريف دمشق، في 21 آب/ أغسطس الماضي، الذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين، ومن بينهم نساء وأطفال.
وقال بشار الأسد، في حديث مع شبكة "سي بي أس" الأميركية: إن الولايات المتحدة لا تملك دليلا حاسمًا على وقوع الهجوم وعلى استخدام أسلحة كيماوية ضد شعبي.
ووفق ما نقل مراسل الشبكة الأميركية تشارلي روز، الذي أجرى المقابلة مع الأسد في دمشق، فإن الأخير نفى "أية صلة له بهذا الهجوم". وأضاف الصحافي الأميركي، في برنامج "فيس ذي نيشن نيوز" على الشبكة ذاتها عبر الهاتف أن "الأمر الأكثر أهمية، الذي قاله هو أنه (لا وجود لدليل على استخدامي أسلحة كيماوية ضد شعبي".
لكن المراسل لفت إلى أن "الأسد لم يؤكد أو ينفي امتلاك بلاده أسلحة كيماوية"، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه "لو كان لدى دمشق هذه الأسلحة فستكون تحت السيطرة"، مشيرًا إلى أنه "على واشنطن تقديم أدلة على تورطه إذا كان لديها الأدلة على ذلك، وفق ما نقل الصحافي الأميركي عن الرئيس السوري".
وستبث الشبكة الأميركية مقتطفات من المقابلة مع الأسد، في وقت لاحق الإثنين، على أن تبث كاملة مساء اليوم ذاته على شبكة أخرى هي "بي بي إس".
وفي سياق آخر، تقوم إدارة أوباما بحملة لإقناع ممثلي الشعب الأميركي بالضربة، تقابلها حملة مناهضة يقودها الأسد، للتأثير على الرأي العام الأميركي قبل التصويت المرتقب.
ولا يزال الكونغرس منقسمًا على نفسه بين مؤيد ومعارض ومتردد لطلب أوباما تنفيذ ضربة محدودة على النظام السوري.
وفي مجلس الشيوخ، ما يزال هناك ما يقارب 50 عضو من أصل 100 لم يحددوا موقفهم من الضربة. أما في مجلس النواب فالعدد يصل إلى 182 نائب من أصل 433 نائب. ويتم العمل، على قدم وساق، لإقناع هؤلاء الأعضاء.
ويعمل أوباما بنفسه على استمالة أعضاء الكونغرس، ولهذه الغاية، سيجري لقاءات تلفزيونية، الإثنين، كما سيلقي خطابًا، الثلاثاء، يشرح فيه موقفه.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "فريق عمل أوباما يعمل جاهدًا منذ أسبوع، لإقناع أعضاء الكونغرس المترددين، بإجراء ضربة محدودة على النظام السوري، لمعاقبته على استخدامه الأسلحة الكيماوية".
ويعمل على إنجاح هذه الحملة أكبر موظفي البيت الأبيض، إضافة إلى أعضاء في الكونغرس ومجموعات يهودية وأميركية من أصل عربي ذات ميول يسارية ومسؤولين في إدارة الرئيس السابق جورج بوش.
وفي سياق متصل، أكّد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ لنظيره الأميركي جون كيري "دعم بريطانيا الدبلوماسي التام للولايات المتحدة، في خطتها للتحرك عسكريًا ضد سورية".
لكن هيغ شدّد، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كيري في لندن على أن "حكومته ستحترم رفض البرلمان البريطاني مشاركة البلاد في ضربات ضد دمشق في عملية للتصويت جرت في نهاية آب".
ومن جهته، قال وزير الخارجية الأميركي: إنه يمكن للأسد تفادي التعرض للضربة العسكرية، إذا سلّم كل الأسلحة الكيماوية، التي يملكها للمجتمع الدولي، خلال الأسبوع المقبل.
وأكد كيري أن "خطر عدم التصرف ضد الأسد أكبر من خطر مواجهته"، وأشار إلى أن "أميركا بذلت جهودًا لأعوام، من أجل جلب الطرفين (الأسد والمعارضة) إلى طاولة الحوار بلا جدوى"، وأشار إلى أن "أميركا مقتنعة بأن الحل في سورية سياسي وليس عسكري".
ونوَّه إلى أن "إيران وسورية اعترفتا بوقوع الهجوم الكيماوي في سورية"، وأكد أكثر من مرة أن أميركا متأكدة تمامًا أن "النظام هو الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد السوريين"، وقال: إنهم رصدوا مكان انطلاق الطائرات وأماكن هبوطها، وأكد أنها "انطلقت من مناطق يسيطر عليها النظام سيطرة كاملة"، وقال: إنه مستعد شخصيًا أن يجول العالم، لإقناعه بضرورة إيقاف الأسد عند حدّه، وبأن الأسد هو من استخدم السلاح الكيماوي.
وبشأن تهديدات الأسد بالرد على أية ضربة عسكرية ضده، كان رد الوزير هيغ قاسيًا، إذ قال: يجب أن لا نعطي المصداقية لكلمات الأسد، فالأسد الذي اشترك في العديد من الجرائم ضد الإنسانية، وأظهر عدم الاهتمام بما يحدث لشعبه لا يمكن أن يحمل كلامه مصداقية لدينا، ودعونا لا نقع في فخ تصديق كل كلمة تخرج من فم شخص مثله".
وفي إطار الإجابة عن السؤال ذاته، قال كيري: كلي ثقة بشأن الأدلة ضد الأسد، وليس لديه سجل قوي بالنسبة لمسألة المصداقية، أنا شخصيًا زرته لمحاسبته بشأن صواريخ سكود، جلس أمامي وأنكر كل شيء، ماذا أفعل تجاه هذا الشخص، هذا الشخص قتل آلافًا من الناس في فترة حكمه، وأطلق صواريخ سكود على أطفال شعبه، وأنا بكل سرور قد أقف أمام العالم كله، بالأدلة التي لدينا مقابل ادعاءاته وكذبه.
وأشار كيري إلى أن "أميركا كشفت معلومات لا تكشفها عادة، ولكنها تعتبر أن خطر عدم فهم الناس دوافع الضربة العسكرية أخطر بكثير من كشف هذه المعلومات الضرورية".