إستوكهولم ـ منى المصري
وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما الأربعاء إلى السويد المحطة الأولى من زيارة تستغرق ثلاثة أيام لأوروبا يسعى خلالها لضم المزيد من الشركاء الأوروبيين إلى معسكره الداعي لشن ضربة عسكرية ضد سورية، بسبب استخدامها المزمع للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
وأعلن باراك أوباما الأربعاء في العاصمة السويدية ستوكهولم أن المواجهة مع سورية بشأن الأسلحة الكيميائية لم تكن اختبارا شخصيا
بالنسبة له ولكن كانت اختبار للكونغرس، والولايات المتحدة والعالم أجمع.
يأتي ذلك بينما يعمل أوباما على تعزيز الدعم في الداخل والخارج لتوجيه ضربة عقابية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي بداية رحلته الخارجية في العاصمة ستوكهولم، وفي لحظة حرجة من رئاسته، تحدى أوباما المشرعين والحلفاء على الوقوف وراءه ووراء خططه للهجوم بصواريخ كروز على حكومة الرئيس بشار الأسد ردا على ما خلصت له إدارة أوباما أن نظام الأسد قام بشن هجوما كيميائيا أدى إلى قتل 1،400 شخص في ضواحي العاصمة السورية ، دمشق ، الشهر الماضي.
وقال أوباما خلال مؤتمر صحافي في ستوكهولم "إنني لم أضع خطا أحمر، إن العالم وضع خطا أحمر"، وأضاف "مصداقيتي لم تقف عند حدود هذا الخط . ومصداقية المجتمع الدولي تقف على المحك . وأميركا والكونغرس مصداقيتها تقف على المحك".
وألقى أوباما باللوم في هجوم 21 من آب/أغسطس الماضي مباشرة على الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعرف بأنه لديه مخزونات هائلة من الذخائر الكيميائية المحظورة بما في ذلك غاز السارين، وهو غاز الأعصاب المميت، والتي قالت المخابرات الأميركية أنه تم نشره في جزء يسيطر عليه المتمردون في ضواحي العاصمة دمشق.
ولكن لم تكشف المخابرات الأميريكية أي دليل على أن الرئيس الأسد أمر شخصيا باستخدام غاز السارين، ولكن البيت الأبيض قال إن الأسد لا يزال مسؤولا كزعيم للبلاد وجيشها، وبدت لغة أوباما الاربعاء في أنها تستهدف الرئيس الأسد.
وقال أوباما "نحن نعتقد بقوة كبيرة وبثقة عالية أنه تم استخدام الأسلحة الكيميائية، وأن الأسد كان مصدرها".
ووصل أوباما العاصمة السويدية ستوكهولم صباح الأربعاء في رحلة تستغرق يوما واحدا قبل أن يتوجه الخميس إلى مدينة سان بطرسبرج الروسية لتجمع مجموعة الـ 20 التي يستضيفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين . ويعارض بوتين أي هجوم انتقامي على سوريا ، واصفا هذا الإجراء بأنه انتهاكا للقانون الدولي . وكرر السيد بوتين في مقابلة نشرت يوم الاربعاء انه يعتبر التأكيدات الأمريكية بإلقاء اللوم على السلطات السورية أنها سخيفة .
وتأتي هذه الرحلة في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس أوباما ومستشاريه إقناع الكونغرس لتمرير قرار يسمح رسميا بتوجيه ضربة عقابية لسورية، وقبل أن يقلع أوباما بطائرته من واشنطن، فاز الرئيس الأميركي بدعم من قادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب، ولكن ليس هناك ضمان من أن يكون هناك إجماع من قبل جميع الأعضاء في المجلس، وذلك بسبب خوف بعض الأعضاء من احتمال تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وجاءت تعليقات أوباما التي قالها في ستوكهولم عن أنه ليس هو الذي وضع الخط الأحمر، والتي تأتي بعد عام من استخدام هذه العبارة، والمصداقية الكونغرس التي أصبحت على المحك، بعد ساعات فقط من موافقة بعض الأعضاء الجمهوريين على إعطاء الدعم له .
وبالنسبة لهم، كانت التصريحات تبدو وكأنه يتنكر للمسؤولية، وقال أحد القيادات المساعدة في الحزب الجمهوري، الذي أصر على عدم الكشف عن هويته لتجنب وجود تمزق أكثر في البيت الأبيض "إذا اختار أن يغسل يديه من هذا، يمكنك أن تتخيل كيف بالتأكيد سيكون التصويت بشأن الموضوع"، عن طريق القول إنه الخط الأحمر الخاص بالعالم، بدلا من أن يكون الخط الأحمر الخاص به، فإن أوباما ينوه على المعايير الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن على نطاق أوسع، قراره في السعي وراء الأصوات في الكونغرس في المقام الأول، فإنه كان يحاول الخروج من عزلته من خلال عمل عسكري ضد سورية، وليس فقط قيام روسيا بمنع أي عمل عسكري من قبل الأمم المتحدة ضد سورية، ولكن أيضا حتى أقوى حليف لأميركا، وهي بريطانيا، اختارت عدم المشاركة، ووجد استطلاع رأي جديد أجرته واشنطن بوست - شبكة ايه بي سي الأخبارية، أن هناك 59 في المائة من الأميركيين يعارضون الهجوم الصاروخي المقترح ضد سورية.
ويقف إلى جانب أوباما، رئيس الوزراء السويدي، فريدريك راينفيلدت، الذي حث على انتظار التقرير من مفتشي الأمم المتحدة، الذين أرسلوا عينات من موقع الهجوم الى أحد المختبرات السويدية، وقال إنه يفضل أن يكون أي إجراء مدعوم من جانب مجلس الأمن. وأضاف راينفيلدت، في إشارة إلى موقف أوباما " لكنني أنا أيضا أتفهم العواقب المحتملة من السماح لانتهاك مثل هذا أن يحدث دون الرد عليه".
ورفض المسؤولون الأميركيون التحقيق الذي تجريه الأمم المتحدة لأنه مسؤول فقط عن معرفة وتحديد ما إذا كان هناك هجوم كيميائي أم لا ، وهو الذي تعتبره واشنطن أن هناك هجوما أكيدا، وليس مسألة من الذي كان مسؤولا عن الهجوم. لكن أوباما اعترف بأن تقرير المخابرات الخطأ الذي قدمته بشأن أسلحة الدمار الشامل قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 يطارد جهوده الحالية .
وقال أوباما "إنني واع تماما أنه في أنحاء العالم كافة، وهنا في أوروبا على وجه الخصوص هناك ذكريات من العراق واتهامات بأسلحة الدمار الشامل والناس يشعرون بالقلق إزاء مدى دقة هذه المعلومات، ولكن لابد أن نضع في اعتبارنا، أنني شخص عارضت الحرب في العراق وأنني لست مهتما في تكرار الأخطاء استنادا على معلومات استخباراتية كاذبة . ولكن بعد أن قمت بإجراء تقييم متعمق للمعلومات المتوفرة ، أستطيع أن أقول بكل ثقة عالية أن هذه الأسلحة الكيميائية قد تم استخدامها ".
وبالإضافة إلى السويد، كانت روسيا تعارض دون كلل اقتراح توجيه ضربة انتقامية ضد سورية. ويمكن للسيد بوتين استخدام الفيتو الروسي لمنع عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسخر من فكرة أن الحكومة السورية كانت مسؤولة عن هجوم كيميائي ، ووصفه بأنه "غير صحيح كليا".
وفي مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس نشرت الأربعاء ، قال بوتين إنه لن يستبعد عمل الأمم المتحدة ولكن فقط إذا ثبت أن الحكومة السورية تقع تحت طائلة المسؤولية، وقال إن الأدلة الأميركية الموجودة حتى الآن غير مقنعة. وأضاف أن هذه الأدلة تبدو "سخيفة تماما"، حيث يعتقد بوتين أن الجيش السوري كيف سيستخدم أسلحة كيميائية بينما يحقق تقدما في ساحة المعركة.
كما أشار بوتين إلى المعلومات الاستخباراتية الخاطئة في العراق وقال " تحولت جميع هذه الحجج إلى أنها حجج لا يمكن الدفاع عنها، ولكن تم استخدامها لتنفيذ عمل عسكري، والذي يسميه الكثيرون في الولايات المتحدة خطأ"، وأضاف بوتين."هل ننسى ذلك؟".
ويأتي الصدام بشأن سورية وسط توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا ، ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها عندما قال أوباما في مكتبه إنه مصمم على إعادة بناء العلاقات مع روسيا. وقام بوضع زيارة منفردة مع بوتين في موسكو قبل اجتماع قمة سان بطرسبرج ، ولكن ألغيت هذه الزيارة بشكل مفاجئ الشهر الماضي بعد أن أعطت روسيا اللجوء المؤقت إلى إدوارد سنودن، المتعهد بوكالة الأمن الوطني الذي كشف برامج المراقبة السرية الأميركية.
في المؤتمر الصحافي في السويد ، قال أوباما إن جهوده للعمل مع روسيا حققت مكاسب في الأعوام القليلة الأولى في شكل السيطرة على الأسلحة ، والتجارة والتعاون العسكري، ولكنه لا يخفي إحباطه أخيرا من بوتين.
ويهدف أوباما من خلال زيارته للسويد، محاولة تهدئة المخاوف الأوروبية حول هذا النوع من التنصت الذي كشف عنه سنودن، معربا عن ازدواجيته الخاصة بشأن برامج كان قد صرح بها.
وقال أوباما في رده على سؤال من أحد الصحافيين السويديين "أستطيع أن أعطي ضمانات للجماهير في أوروبا وحول العالم أننا لن نقوم بالتطفل على الناس على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم أو الاستماع إلى مكالمات هواتفهم. ما نحاول القيام به هو استهداف مناطق مثيرة للقلق."
وبعد اجتماعه مع السيد راينفيلدت ، شارك أوباما في حفل تكريم راؤول والنبرغ ، الشهير بإنقاذ الآلاف اليهود من النازيين ، في "Great Synagogue and Holocaust Memorial/ الكنيس الكبير والنصب التذكاري لمحرقة النازيين في ستوكهولم ، ثم زار معرض الطاقة في المعهد الملكي للتكنولوجيا . وعزم على تناول العشاء مع راينفيلدت وقادة الدنمارك ، وفنلندا ، وآيسلندا والنرويج .
وسيطير أوباما الخميس إلى مدينة سان بطرسبرج ، فبالإضافة إلى أنشطته بشأن مجموعة G- 20، سيجتمع أوباما بشكل منفصل مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي يؤيد الضربة العسكرية على سورية، بالإضافة إلى اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ، الذي يعارض الضربة العسكرية ، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي تجنبت الدخول في منتصف النزاع . وبصرف النظر عن رحلة موسكو التي ألغيت ، لا يخطط أوباما للاجتماع مع بوتين حتى في سانت بطرسبرغ، على الرغم من أن ذلك يعد شكلا نموذجيا من أشكال مقابلة الضيوف في القمة.