دمشق - جورج الشامي
تزامنًا مع وصول مسؤولة أممية كبيرة، السبت، إلى دمشق، للتفاوض مع الحكومة السورية بشأن سبل إجراء لتحقيق في مزاعم استخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقي والغربية، لاحت بوادر تحرك أميركي عسكري لضرب قوات الحكومة السورية. فبينما قالت شبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية: إنها علمت أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعكف على التحضيرات الأساسية لتوجيه ضربة بصواريخ كروز من البحر لقوات دمشق، نقلت "رويترز" عن مسؤول دفاعي قوله: إن البحرية الأميركية ستزيد من وجودها في البحر المتوسط بسفينة حربية. وفي غضون ذلك، أدان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني
بشدة "استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية"، ودعا المجتمع الدولي إلى "بذل الجهود الممكنة للحيلولة دون استخدام هذا النوع من الأسلحة المحظورة".
وأشارت شبكة "سي بي أس نيوز" إلى أن "مستشارة أوباما للأمن القومي سوزان رايس ذكرت في تغريدة لها على موقع "تويتر"، الجمعة، أن ما حدث في ضواحي دمشق كان هجومًا واضحًا بالأسلحة الكيمياوية".
وأشارت الشبكة إلى أن "قائد القوات الأميركية في البحر المتوسط أمر بتحريك سفن للبحرية، لتكون قريبة من سورية، استعدادًا لضربة محتملة بصواريخ "كروز" من البحر".
وأوضحت الشبكة أن "شن ضربة بصواريخ كروز من البحر لن يعرض حياة أي أميركي للخطر، لكن الضربة ستكون وقائية ليس هدفها الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وإنما التأكيد على أنه لن يفلت من فعلة استخدام أسلحة كيمياوية". وأضافت أن "رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي من المتوقع أن يعرض خيارات بشأن الضربة في اجتماع في البيت الأبيض، السبت". وأشارت إلى أن "الأهداف المحتملة للضربة ستتضمن مستودعات ومنصات، التي تستخدم لإطلاق الأسلحة الكيمياوية". ونقلت عن مسؤولين قولهم: إن الرئيس باراك أوباما، الذي يعارض حتى الآن دعوات لتدخل عسكري في سورية، لم يتخذ قرارًا بعد بشأن توجيه الضربة المحتملة".
وفي الإطار نفسه، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي أن "كبار مستشاري الأمن القومي للرئيس باراك أوباما سيلتقون في البيت الأبيض مطلع الأسبوع، لبحث الخيارات الأميركية ضد الحكومة السورية، بما في ذلك احتمال القيام بعمل عسكري بسبب الهجوم الذي يبدو أنه كان بالأسلحة الكيمياوية وقع الأسبوع الماضي".
وفي سياق متصل، نقلت "رويترز"، عن مسؤول دفاعي أميركي، قوله: إن البحرية الأميركية ستزيد من وجودها في البحر المتوسط بسفينة حربية رابعة مزودة بصواريخ "كروز"، بسبب الحرب المتصاعدة في سورية.
وأضاف المسؤول أن "السفينة "ماهان" كانت قد أنهت مهمتها ومن المقرر أن تعود لقاعدتها في نورفولك في ولاية فرجينيا، ولكن قائد الأسطول السادس الأميركي قرر إبقاء السفينة في المنطقة".
وشدد المسؤول، غير المسموح له بالتحدث علانية، على أن "البحرية لم تتلق أوامر بالاستعداد لأية عمليات عسكرية فيما يتعلق بسورية.
وصرح مسؤول دفاعي كبير لـ "رويترز"، في وقت سابق بأن "المسؤولين الأميركيين يدرسون سلسلة من الخيارات للرد على تقارير بأن سورية استخدمت أسلحة كيمياوية ضد المدنيين، من بينها احتمال شنّ هجمات بصواريخ كروز من البحر".
وعلى الصعيد ذاته، أشار وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل بقوة إلى أن "الولايات المتحدة تضع القوات البحرية في أوضاع مناسبة، تحسبًا لأي قرار يتخذه الرئيس باراك أوباما بالقيام بعمل عسكري في سورية، بعد استخدام الأسلحة الكيمياوية على ما يبدو".
وقال هيغل للصحافيين المسافرين معه إلى ماليزيا: إن وزارة الدفاع عليها مسؤولية تزويد الرئيس بالخيارات لكل الحالات الطارئة، وهذا يتطلب وضع قواتنا وإمكاناتنا في أوضاع مناسبة، كي تكون قادرة على تنفيذ الخيارات المختلفة، مهما كانت الخيارات التي قد يختارها الرئيس".
وفي السياق نفسه، قال الرئيس الأميركي في وقت سابق: إن الوقت يقترب بشأن اتخاذ رد محدد على الأعمال الوحشية المزعومة من جانب دمشق. ففي مقابلة حصرية مع شبكة "سي إن إن" بثت الجمعة، وردًا على سؤال عما إذا كانت الحكومة الأميركية تواجه الآن إطارًا زمنيًا أكثر قصرًا بشأن اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بسورية، رد أوباما مرارا بقوله "نعم".
وبشأن ما تردد عن مزاعم المعارضة السورية عن قيام قوات الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام أسلحة كيمياوية، مما أسفر عن مقتل 1300 شخص، قال أوباما: إن المسؤولين الأميركيين يقومون الآن بجمع المعلومات، ونحن نرى مؤشرات على أن هناك حدثًا كبيرًا هو مثار قلق شديد. وحذر من أن "الحرب الأهلية السورية تمس جوهر المصالح الوطنية للولايات المتحدة، حيث نسعى للتأكد من عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل وعلى الحاجة لحماية حلفائنا وقواعدنا في المنطقة".
وقال أوباما: إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتورط فعليا في سورية، دون دعم من الأمم المتحدة وتحالف دولي، وأضاف أن "القفز في مثل هذه الحالات يجعل الولايات المتحدة تغرق في تدخلات باهظة الثمن للغاية وصعبة التكلفة".
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست للصحافيين، في وقت لاحق، الجمعة: إن أوباما أشار بوضوح إلى أنه لا يتوقع وضعًا تكون فيه عملية نشر القوات الأميركية في سورية في مصلحة الأمن القومي الأميركي.
ولم يعلق على إمكانية إقامة منطقة حظر طيران، لكنه كرر أن "المساعدات الأميركية للمعارضة تسير في مسار تصاعدي، ويتم توسيع نطاقها وحجمها".
في حين كشفت مصادر أمنية أميركية وأوروبية أن "تقييمًا مبدئيًا لأجهزة المخابرات الأميريكية وأجهزة مخابرات متحالفة معها، يشير إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت أسلحة كيماوية لمهاجمة منطقة قرب دمشق هذا الأسبوع، وأن الهجوم حدث على الأرجح على موافقة من مسؤولين كبار في حكومة الرئيس بشار الأسد، وقال مساعد الناطق باسم الأمم المتحدة، ادواردو دي بوي: إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلب بشكل عاجل من السلطات السورية الرد بشكل إيجابي وسريع على طلبه إجراء تحقيق في المكان. وأوضح أن "ممثلة الأمم المتحدة العليا لنزع الأسلحة أنجيلا كاين ستزور دمشق، السبت، للتفاوض بشأن سبل إجراء مثل هذا التحقيق".
وكانت الأمم المتحدة طلبت، الجمعة، من الحكومة السورية السماح بشكل عاجل لخبرائها بالتحقيق قرب دمشق، بشأن اتهامات المعارضة السورية باستخدام أسلحة كيماوية.
ومن ناحيتها، قالت بريطانيا: إنها تعتقد أن قوات موالية للرئيس السوري بشار الأسد مسؤولة عن هجمات بأسلحة كيماوية وقعت في ضواحي دمشق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، وأنها تعتقد أن الحكومة السورية لديها شيء تخفيه. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ: أعرف أن هناك في العالم من يريدون القول إن هذه مؤامرة فعلتها المعارضة في سورية، وأعتقد أن إمكانية هذا ضئيلة للغاية، ولذلك نحن نعتقد أن هذا هجوم كيماوي لنظام الأسد.
وكثف هيغ دعواته "للسماح لمفتشي الأمم المتحدة بدخول موقع الهجوم"، وقال: إن بريطانيا ستلجأ إلى مجلس الأمن الدولي، لتطلب تفويضًا أقوى إذا لم يتم السماح للمفتشين بالدخول". ومضى يقول: عبّر أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن تأييدهم لذهاب فريق الأمم المتحدة إلى هناك. لم يستطيعوا هذا بعد، ويبدو أن نظام الأسد لديه ما يخفيه، وإلا لماذا لم يسمح لفريق الأمم المتحدة بالذهاب إلى هناك؟". وأضاف "التفسير الوحيد الذي استطعنا أن نراه هو هجوم كيماوي. لا يوجد تفسير آخر معقول لسقوط ضحايا بهذا الكم في منطقة صغيرة كهذه على هذا النطاق".
إلى ذلك، أشار أن الهجوم المزعوم "ليس أمرًا يستطيع عالم إنساني ومتحضر تجاهله". وذكر أنه "يعتزم الحديث إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت لاحق الجمعة".
ونسبت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، السبت، إلى روحاني قوله: إن إيران وبصفتها من ضحايا الأسلحة الكيماوية تطالب المجتمع الدولي بضرورة تضافر الجهود الممكنة للحيلولة دون استخدام هذا النوع المحظور من الأسلحة، في أنحاء العالم كلها، وخصوصًا في سورية.
ويذكر أن فريق التحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سورية والتابع للأمم المتحدة، بدأ عمله الإثنين في سورية، بعد موافقة الحكومة السورية بشكل رسمي على الأسس المقترحة لبعثة التفتيش التابعة للأمم المتحدة بشأن الأسلحة الكيماوية.
وكانت المعارضة السورية ذكرت أن "القوات السورية قامت الأسبوع الماضي بشن هجمات على معاقل للمعارضة شرقي العاصمة دمشق، مستخدمة غازات سامة الأمر الذي أسفر عن مقتل 1300 شخص"، وهو ما نفته الحكومة السورية.
وقال ناشطون: إنهم يحاولون إيصال عينات إلى فريق مفتشين تابع للأمم المتحدة ينزل في فندق على بعد بضعة كيلومترات من موقع الهجوم.
وقال ناشط من بلدة عربين، التي يسيطر عليها الثوار: إن فريق الأمم المتحدة تحدث مع المعارضة، ومنذ ذلك الوقت جهزت عينات من الشعر والجلد والدم وتم تهريبها إلى دمشق مع أشخاص موضع ثقة.
وقال نشطاء: إن لديهم من يستطيع تسليم العينات إلى مفتشي الأمم المتحدة. فيما أكد آخرون، تحدثوا في المنطقة أنهم "جهزوا عينات لتهريبها إلى العاصمة، لكنهم لا يستطيعون إيجاد وسيلة للوصول إلى المراقبين داخل فندقهم".
وقال الناشط أبو محمد من حرستا: إن المنطقة تتعرض للقصف وإلى جانب هذا تحيط نقاط التفتيش التابعة للنظام بالغوطة. وتابع: إن هذه ليست مشكلة وإنهم يستطيعون تهريبها.
وأوضح بعض النشطاء أنه "إلى جانب عينات الأنسجة التقطوا صورًا لمواقع قصف وعينات وأخذوا عينات من التربة ودونوا روايات شهود"، ويقول خبراء في الأسلحة الكيماوية إن كل ساعة تحدث فرقًا، وكلما طال الوقت زادت احتمالات إخفاء الأدلة أو التلاعب بها".
ونشر المركز السوري لتوثيق الانتهاكات تقريرًا عن المجازر، تضمن شهادات لبعض الناجين من القصف ومعلومات للضحايا والقذائف التي استخدمت من قبل الحكومة، وأفاد التقرير بأن "أكثر من 21 صاروخًا وقذيفة هاون سقطت على الغوطة الشرقية، وأشار المركز إلى أن المواقع التي تعرضت في زملكا لصواريخ محملة بمواد كيماوية، شملت مدرسة "أم مازن" للبنين وجامع التوفيق ومزرعة "مصطفى الخطيب" والمقبرة القديمة"، موضحًا أنه "بعد القصف بالكيماوي انهالت القذائف على كل بلدات ومناطق الغوطة في شكل كثيف جدًا واستمرت على هذه الحال حتى الصباح، مما زاد في صعوبة عمليات الإخلاء والإسعاف إلى حد كبير"، وتابع المركز: إن حالة من الهلع والارتباك بين السكان سادت بعد القصف الذي استهدف مناطقهم في كل من زملكا وعين ترما، ذلك أن معظمهم ظن أنه قصف بالهاون فنزلوا إلى الطوابق السفلى، مما ساهم في تفاقم الأمور"، لافتًا إلى أن "العديد جدًا من حالات الوفيات حصلت أثناء نوم السكان، باعتبار أن توقيت الضربة كان بعد منتصف الليل وهو ما زاد من أعداد الضحايا بشكل كبير، كما تجمع معظم الشهادات".
ومن ناحيته، أبدى رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري "قلقه من بطء تحرك المجتمع الدولي تجاه المجازر، واستخدام الأسلحة الكيماوية"، مطالبًا بـ "الإسراع بالتحقيق في مجزرة الغوطة الشرقية في أقرب وقت ممكن لضمان عدم تلاشي الأدلة".
وأبلغ الجربا كيري بأنه "لمس من خلال اتصالاته مع الداخل السوري غضبًا واحتقانًا في الشارع وخيبة للأمل من المجتمع الدولي، الذي يترك الشعب السوري يقف وحيدًا في مواجهة المجازر المتتالية".