تونس - أزهار الجربوعي
اختتم مجلس شورى حزب "النهضة" الإسلامي التونسي الحاكم اجتماعه في ساعة متأخرة من مساء الأحد، من دون الخروج بتنازلات واضحة أو قرارات تشير إلى بوادر حلّ الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ اغتيال المعارض اليساري محمد البراهمي أواخر الشهر الماضي، يأتي ذلك فيما يستمر شريك "النهضة" في الحكم حزب "التكتل من أجل العمل والحريات" في عقد مجلسه الوطني في مدينة سوسة وسط البلاد، حيث أعلن زعيمه ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر أن المجلس سيستأنف أعماله خلال الأسبوع المقبل بعد التوصل إلى توافق مع القوى السياسية والمدنية في هذا الشأن، وأكد شورى النهضة أن تونس مهددة بخطر الإرهاب والانقلاب، مبقيًا الباب مفتوحًا أمام القيادات التنفيذية للحزب لاستكمال المشاورات مع باقي القوى السياسية،قصد التوصل إلى توافق ينهي المخاض العسير الذي تعيشه البلاد. وأكد أكبر الهياكل السياسية لحركة النّهضة الإسلامية الحاكمة في تونس (مجلس شورى) بعد اجتماع دام السبت والأحد، أنه تولى دراسة الأوضاع العامّة بالبلاد والمبادرات السّياسيّة المطروحة لاستكمال مسار الانتقال الدّيمقراطي وتجاوز المخاطر والتّحدّيات التي تواجهه. من جانبه، أكد رئيس مجلس الشورى فتحي العيادي ضرورة تجاوز كل المخاطر التي تهدد البلاد، والمتأتية من السلوك السياسي الفوضوي الذي يهدد مصالح البلاد الاقتصادية والاجتماعية، حسب تعبيره، داعيًا جميع الأطراف السياسية إلى الوحدة الوطنية والحوار واليقظة والبحث عن حلول. واعتبر "شورى النهضة" أن تونس باتت مهدّدة بمخاطر الإرهاب ومنطق الانقلاب والسلوك السّياسي الفوضوي التي قد ينعكس سلبيّا على الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّلم المدني، وهو ما يفرض على الجميع التمسك بالوحدة الوطنية واليقظة للتصدّي إلى هذه التهديدات. وثمّن أكبر هياكل الحزب الإسلامي الحاكم في تونس مبادرات الوساطة والخروج من الأزمة التي وصفها بـ"البنّاءة الحريصة على تحقيق أهداف الثّورة واستكمال المسار الانتقالي وإنجاحه"، مشيدًا بما اعتبرها "القوى الشّعبيّة التي هبّت للدّفاع عن المسار الدّيمقراطي في مختلف محافظات الجمهوريّة"، دفاعًا عن الشرعية، في إشارة إلى مليونية "الشرعية والوحدة الوطنية" التي حشد فيها الحزب الإسلامي الحاكم وحلفاؤه داخل ائتلاف الترويكا الحاكم (التكتل، المؤتمر) أنصارهم في استعراض جماهيري ضخم شارك فيها عشرات الآلاف ردًا على "اعتصام الرحيل" الذي دخل يومه العشرين، والذي تنظمه قوى "جبهة الإنقاذ" للمطالبة بحل المجلس التأسيسي وإسقاط جميع السلطات المنبثقة عنه من رئاسة جمهورية وحكومة، مُحمّلة حزب النهضة الاسلامي الحاكم مسؤولية ما تصفه بـ"الفشل الأمني والاقتصادي" وفي تفشي ظواهر الاغتيال السياسي والتطرف في البلاد. وفي سياق متصل، دعا "شورى النهضة" المجلس الوطني التأسيسي لاستئناف عمله في أقرب وقت حتى يستكمل أعماله ويضع البلاد على طريق إنجاز الانتخابات قبل نهاية السنة الجارية، مطالبًا الحكومة بتكثيف التواصل مع الشعب ومصارحته بالتحديات ومخاطر المرحلة، كما أعرب مجلس الشّورى عن ثقته في قدرة الشّعب التّونسي على تجاوز هزّات المرحلة الانتقاليّة، والتمسك بالوحدة الوطنية، وتحقيق آماله في الحرّيّة والدّيمقراطيّة والتنمية. ومرة أخرى، أكد مراقبون أن حركة "النهضة" اختارت عدم التنازل لخصومها السياسيين فيما يتعلق بالاستجابة لمطالب حل الحكومة والمجلس التأسيسي، وهو ما يظهر جليّا في خطابها المتكرر عن ردع "المحاولات الانقلابية"، وهو ما يعني أن الحزب الإسلامي الحاكم يؤمن ضمنياب أن مقترحات المعارضة تصب في إطار مساعي للإنقلاب على الشرعية التي غنمتها في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وأن كل خطوة للتنازل من اتجاهها قد تجعلها تواجه مصير إسلاميي مصر. ورغم أن متتبعي الشان التونسي يرون أن النهضة خيّرت "التمويه" على خصومها ورفضت الخروج بموقف واضح وحاسم من المبادرات السياسية المطروحة، مفوّضة القيادة التنفيذيّة للحركة إلى مواصلة الحوار للوصول إلى حلّ توافقي وطني يضمن استكمال ما وصفته بـ"المسار التّأسيسي"، إلا أنهم قرؤوا في خطابات قياداتها تشبثًا بسياساتها المتبعة نفسها، وبقيادة المسار الانتقالي ضمن حكومة وحدة وطنية موسعة تسيطر على قيادتها النهضة، وتُوكل زعامتها لرئيس الحكومة الحالي علي العريض. وفي السياق ذاته، نفى القيادي وعضو مجلس شورى حركة النهضة نور الدين البحيري نفيًا قطعيًا أن تكون مسالة سحب الثقة من رئيس الحكومة والقيادي في النهضة علي العريض محور اجتماع المجلس. وقال البحيري إن سحب الثقة من علي العريض ليس محل نقاش وليست موضع جدل ولا موضع حوار، مشدّدًا على أن خيار الحركة هو التمسك بمؤسسات الدولة وحمايتها من الانحلال والاعتداءات، وضمان سيرها على أحسن وجه. وشدّد البحيري على ضرورة الجلوس على طاولة الحوار من دون شروط، لافتًا النظر إلى أن الخطوط الحمراء التي وضعتها حركة النهضة من أجل مصلحة تونس ومستقبلها، وحمايتها من الانحلال ومن الإرهاب، مستنكرًا دعوات العصيان المدني وعزل المحافظين، حيث أكد أنه لا سبيل للوصول إلى السلطة من دون المرور بصناديق الاقتراع، وفق قوله. وتجدر الإشارة إلى أن ماعبرت عنه "النهضة" بـ "الخطوط الحمراء" التي تتعلق بمقاربتها للخروج من الأزمة السياسية الحالية، تتعلق أساسًا بالحفاظ على المجلس التأسيسي ورفض دعوات حله، مع التعجيل في مهامه وحصرها في استكمال هيئة الانتخابات وصياغة الدستور والقانون الانتخابي، إلى جانب تشكيل حكومة وحدة وطنية سياسية تكون بالانفتاح مع قوى السياسية التي ترغب في المشاركة فيها مع التعهد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وبمراقبة دولية كثيفة. ولم يفُت مجلس شورى النهضة خلال اجتماعه المطوّل لدراسة الوضع السياسي العاصف في البلاد، أن يتطرق إلى الشأن المصري وثورات الربيع العربي، مشدّدًا أن المنطقة العربية تعيش مشهدًا تاريخيًا كبيرًا لأفول منظومة الاستبداد وسيادة قيمة الحرّيّة، وأنّ ما يجري في العالم العربي من تحوّلات حاسمة في الوعي الجماعي والحسّ العام لا تقبل الانثناء ولا العودة إلى الوراء. وعبر المجلس عن شجبه الشّديد لما وصفه بـ"لانقلاب الهمجي على إرادة الشّعب المصري"، معربًا عن إدانته القويّة للمجازر الوحشيّة التي تُرتكب في حقّ المدنيّين العزّل. وأكد "شورى النهضة" دعمه المبدئي غير المحدود للثّورة المصريّة في مواجهتها لما وصفه بـ"حكم العسكر" وثقة المجلس في أنّ ليل الاستبداد ولّى إلى غير رجعة، مطالبًا مختلف الاطراف الوطنيّة والدوليّة ببيان مواقفها من الانقلاب في مصر وبإدانة صريحة للمجازر الوحشية المرتكبة في حقّ المدنيين. وفي سياق آخر، أعلن الأمين العام لحزب "التكتل" ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، الأحد، أنه من المتوقع أن يستأنف المجلس أشغاله في غضون الأسبوع المقبل بعد توافق الفرقاء السياسيين بما في ذلك اتحاد العمل (كبرى المنظمات النقابية) وأطراف أخرى على أرضية مشتركة لاستئناف الحوار. وجاء إعلان بن جعفر خلال الاجتماع الذي يعقده المجلس الوطني لحزب "التكتل" (أعلى هياكل الحزب) في مدينة سوسة (140 كم جنوب العاصمة تونس). ويذكر أن من بين أولويات المطروحة على طاولة المجلس الوطني لحزب التكتل، مناقشة الوضع العام في البلاد وتقييم نتائج اللقاءات التي أجرتها قيادة الحزب وخاصة رئيسه مصطفى بن جعفر رئيس "المجلس التأسيسي" مع بقية الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنية لحل الأزمة السياسية الراهنة . وعلى خلاف "النهضة" أعلن التكتل عن قبوله بمبدأ تشكيل حكومة إنقاذ وطني في حين أعلن المتحدث الرسمي باسم الحزب محمد بنور أن تواصل رفض حركة "النهضة" لحكومة إنقاذ وطني لن يساعد على حل الأزمة. وأكد بنور على ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار من دون شروط وإملاءات من طرف جميع الفرقاء السياسيين حتى يتم التوصل لحل وتجاوز الوضع الراهن في البلاد. أما الشريك العلماني الثالث للنهضة (الإسلامي) والتكتل (اليساري) في ائتلاف "الترويكا" الحاكم في تونس، حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي يتزعمه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي فقد شدد هو الآخر كما الحال بالنسبة لشريكيه على التمسك بالإبقاء على المجلس الوطني التأسيسي، فيما دعا أمينه العام عماد الدايمي إلى ضرورة إطلاق حوار وطني في أقرب وقت على أساس بقاء المجلس الوطني التأسيسي كاملا وبكل صلاحياته ومن دون شروط مسبقة. كما دعا الدايمي المعارضة إلى الابتعاد عن الخطاب الذي يحمل سقفًا من المطالب أعلى من قدراتها وإمكاناتها، وفق قوله. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم كثافة مبادرات وجهود الوساطة الرامية للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد وسط توتر أمني وتراجع في مؤشرات الاقتصاد الذي شهد محللون أنه يقترب من الهاوية، فإن التباين في مواقف المعارضة والائتلاف الحكومي يبقى سيد الموقف مع تواصل "اعتصام الرحيل" الذي ينفذه أنصار المعارضة إلى جانب أكثر من 50 نائبًا انسحبوا من "التأسيسي التونسي" مطالبين بحله، وبتشكيل حكومة إنقاذ وطني غير حزبية.