تونس - أزهار الجربوعي
يعقد مجلس شورى حزب النهضة الإسلامي الحاكم في تونس، مساء السبت اجتماعا لردع محاولات الانقلاب السياسي حسب ما أكده رئيسه فتحي العيادي، إلى جانب النظر في مبادرات الوساطة التي اقترحتها عدد من قوى المجتمع المدني والسياسي في تونس لحل الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد منذ اغتيال المعارض اليساري
محمد البراهمي أواخر الشهر الماضي وعلى رأسها مبادرتي "الوساطة" و"حماية المسار"، في حين أعرب رئيس الحكومة التونسية علي العريض رفضه تحول حكومته إلى حكومة تصريف أعمال، مشددا على أن الأخيرة ضعيفة ولن تملك قرار التصدي للإرهاب الذي يتهدد أمن البلاد.
وأعلن رئيس مجلس شورى حزب النهضة فتحي العيادي أن المجلس يعقد السبت اجتماعا سيتم تخصيصه، للنظر فى الوضع العام في البلاد وخارطة المبادرات السياسية المطروحة وكيفية محاربة ما اسماه بـ" الانقلاب السياسي" الذي تُروج له بعض الأطراف المعارضة .
وأكد القيادي في الحزب الإسلامي الحاكم في تونس أن مجلس الشورى سيناقش أفضل الخيارات لاستكمال تحقيق أهداف المرحلة الانتقالية بنجاح، عبر استئناف أعمال المجلس التأسيسي وإجراء الانتخابات إلى جانب النظر في مبادرة الحركة التي أعلن عنها رئيسها راشد الغنوشي.
وكان زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي أعلن رفض حزبه القبول بدعوات المعارضة المتمثلة في تشكيل حكومة إنقاذ وطني غير حزبية، مشددا على أن حركته متمسكة بتوسيع الحكومة الحالية إلى حكومة وحدة وطنية مفتوحة أمام القوى السياسية كافة في البلاد التي ترغب في المشاركة فيها.
واعتبر رئيس حزب حركة النهضة دعوة المعارضة لحل المجلس الوطني التأسيسي والحكومة المنبثقة عنه "محاولة انقلابية صريحة"، داعيا إلى تبني منطق الحوار وتغليب روح الوفاق بين الفرقاء السياسيين للخروج من الأزمة وإنجاح مرحلة الانتقال.
واعتبر الغنوشي أن الدعوة إلى إلغاء المجلس التأسيسي أعلى سلطة منتخبة في البلاد وإسقاط الائتلاف الحاكم (النهضة،التكتل،المؤتمر) سيجنح بالبلاد نحو الفراغ والفوضى، وسيحقق مآرب من وصفهم بـ"أعداء الثورة ".
كما دعا رئيس حزب حركة النهضة إلى الحوار والوحدة الوطنية للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد، بفعل الهجمات الإرهابية وتنامي ظواهر العنف والاغتيال السياسي".
وتعيش تونس على وقع حراك سياسي متسارع الخطى ومفتوح على أكثر من مبادرة سياسية ودعوة للوساطة بين الفرقاء السياسيين من أجل استكمال ما تبقى من فترة الانتقال والخروج بالبلاد من مأزقها السياسية إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في أقرب الآجال.
والتقى رئيس الحكومة التونسية علي العريض بوفد عن مجموعة للوساطة يتقدمه عميد المحامين والوزير الأسبق عبد الرزاق الكيلاني والقاضي مختار اليحياوي والدبلوماسي السابق توفيق وناس .
وصرح عميد المحامين السابق عبد الرزاق الكيلاني بأن المبادرة التي تم عرض مضمونها على رئيس الحكومة تأتي في إطار جهود الوساطة الرامية إلى تقريب وجهات النظر بالنسبة للفرقاء السياسيين وتوضيح المقترحات والتصورات لجميع الأطراف بما يمكن من إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة الراهنة.
وأوضح عبد الرزاق الكيلاني أن مبادرة "مجموعة الوساطة" بُنيت على جملة من المرتكزات أهمها معارضة فكرة حل المجلس الوطني التأسيسي لما لذلك من عواقب ستدخل البلاد في حالة من الفوضى والفراغ السياسي والمؤسساتي، إلى جانب مساندة مقترح تشكيل حكومة لكن دون الدعوة إلى حل أو إسقاط الحكومة الحالية واقتراح أن تتشكل الحكومة الجديدة بمشاركة الفرقاء كلهم على أن تصل بالبلاد إلى بر الأمان.
ومن أهم النقاط الأخرى التي ترتكز عليها مبادرة الوساطة للخروج من الأزمة التونسية، ضبط استراتيجية ناجعة لمكافحة الإرهاب، فضلا عن ضمان انتخابات حرة ونزيهة وتحييد الإدارة والمساجد عن الشأن السياسي، مع ضرورة التزام الأطراف السياسية والاجتماعية بهدنة سياسية وإعلامية وتجنب التشنج والتحريض والعنف من أجل تنقية المناخ العام.
وأعلن القاضي مختار اليحياوي أن مبادرة الوساطة تأتي في جوهرها لإدخال الطمأنينة وإشاعة الثقة بين كل الفرقاء السياسيين وأن الوسائل والضمانات لاستكمال المسار الديمقراطي وإجراء الإنتخابات المرتقبة في أفضل الظروف رهين تكاتف الأطراف السياسية والاجتماعية كافة.
وإلى جانب "مبادرة الوساطة"، استقبل رئيس الحكومة التونسية علي العريّض مجموعة مبادرة "حماية المسار الديمقراطي" بقيادة رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرّحموني.
وكشف أحمد الرّحموني أن المجموعة عرضت على رئيس الحكومة مبادرتها التي تضمّنت جملة من التصوّرات والتوجّهات والمقترحات لبعض الناشطين في المجتمع المدني تهدف إلى إيجاد مخرج من الأزمة الرّاهنة بالبلاد، مؤكّدا أن المبادرة تستند إلى سيادة القانون ومقتضيات الديمقراطية وتأتي في إطار السعي لنزع فتيل الاحتقان السياسي وجمع الفرقاء السياسيّين على طاولة حوار واحدة.
وأكّد رئيس المرصد الوطني التونسي لاستقلال القضاء أن المجموعة أبلغت رئيس الحكومة مقترحها القاضي بتحويل الحكومة الحاليّة إلى حكومة تصريف أعمال والتأكيد على ضرورة تقديم التنازلات الضروريّة من جانب الأطراف كافة حكومة ومعارضة وكذلك أعضاء المجلس الوطني التأسيسي المنسحبين منه.
وكشف الرّحموني أن الوفد نقل لرئيس الحكومة حصيلة اللقاءات التي جمعت أعضاءه بكلّ من رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الجمهوريّة المنصف المرزوقي إلى جانب كلّ من القياديين في المعارضة التونسية أحمد نجيب الشابي وحمّة الهمامي، ملاحظا أنّ هناك إجماعا على مسألة المحافظة على المجلس الوطني التأسيسي.
ورغم تأكيدات رئيس مبادرة حماية المسار أن رئيس الحكومة علي العريض كان منصتا جيدا وأبدى تفاعلا إيجابيا مع المقترحات المقدمة، إلا أن العريض سارع إلى تأكيد رفضه القبول بحكومة تصريف أعمال قائلا "نحن اليوم في صلب الحرب على الإرهاب ولا يمكن أن نتحول إلى حكومة تصريف أعمال لا تتخذ قرارات" ، موضحا أن الوضع الحساس الذي تعيشه البلاد لا يتحمل خسارة المزيد من الوقت في انتظار تنصيب وزراء جدد .
وأضاف رئيس الحكومة التونسية والقيادي في حزب النهضة الإسلامي الحاكم علي العريض" لسنا متمسكين بالسلطة"، مؤكدا الانفتاح على كل المقترحات والاستعداد للنقاش بشأنها والقبول بما يكون في صالح البلاد، وفق تعبيره.
وينتظر الٍرأي العام السياسي في تونس ما سينضح به مجلس شورى النهضة بعد النظر في مجمل مبادرات تجاوز الأزمة وجهود الوساطة المعروضة، فيما يؤكد مراقبون أن قرارات شورى النهضة قد حُسمت ولن يطرأ عليها أي تغيير كبير خاصة بعد الموقف "المتصلب" الذي عبر عنه رئيسها راشد الغنوشي، معلنا رفضه لتشكيل حكومة إنقاذ وطني والذي يقابله على الضفة الأخرى "تعنت" المعارضة وتشبثها بحكومة مصغرة غير متحزبة، الأمر الذي ينبئ بفشل جميع جهود الوساطة وضياعها بين تعنت المعارضة وتصلب الحكومة، مالم يقدم كل طرف التنازل للوصول إلى الوفاق المنشود لتجاوز الأزمة التي تهدد أمن واستقرار واقتصاد البلاد الذي أكد خبراء أنه في حكم "المحتضر".