الخرطوم ـ عبدالقيوم عاشميق
وصل الرئيس السوداني عمر البشير إلى جوبا، صباح الجمعة، في زيارة تسغرق يومًا واحدًا، هي الأولى من نوعها منذ انفصال الجنوب عن الشمال العام قبل الماضي، في حين رحبت حكومة الجنوب بزيارة البشير، واعتبرتها خطوة مهمة في إطار تنفيذ اتفاق التعاون بين البلدين، بينما يؤكد محللون أنه على الرغم من تحسن العلاقات بين الخرطوم وجوبا أخيرًا، إلا أن هناك ملفات عالقة ظلت محل جدل وخلاف،
من بينها ملف منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع على تبعيتها بين البلدين، وملف الديون الخارجية التي يسعى البشير إلى تجاوزه بمساعدة جوبا.
وبدأت المحادثات بين الجانبين السوداني والجنوبي فور وصول البشير، حيث عقد اجتماعًا مغلقًا مع الرئيس سلفاكير، وأعلن البشير عن زيارة سيقوم بها رئيس دولة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت إلى الخرطوم قريبًا، لاستكمال المحادثات بين البلدين، فيما أدى الرئيس السوداني صلاة الجمعة في مسجد الكويت في جوبا، حيث خاطب المصلين مؤكدا أنه "لا رجعة للحرب بين البلدين"، وجدد التزام الخرطوم بإنفاذ ما تم الاتفاق عليه مع جوبا في المجالات ذات الصلة بدفع العلاقات بين البلدين.
وقال البشير "إن مسوؤليته التاريخية عن بلاده وشعبه، تُحتم عليه رعاية مصالح المواطنين في السودان والجنوب، وأن زيارته بداية لتطبيع العلاقات والتعاون، وأنه أصدر تعليمات بفتح الحدود والمعابر مع جنوب السودان أمام حركة التبادل التجاري وتنقل المواطنين".
وأكد الرئيس الجنوبي سلفاكير، أنه اتفق مع نظيره السوداني على استكمال الحوار بين البلدين، وينتظر أن يعقد الرئيسان البشير وسلفاكير مؤتمرًا صحافيًا مشتركًا خلال الساعات المقبلة، يستعرضان فيه أبرز ما تناولته المباحثات التي جرت بينهما.
وتناول البشير وسلفاكير العديد من القضايا العالقة بين الجانبين، وسبل إنفاذ اتفاقات التعاون المشترك بين الدولتين، وتعزيز العلاقات بينهما في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية، ورحب سلفاكير بزيارة البشير وبوفد السودان، مؤكدًا أن هذه الزيارة محطة مهمة وتشريف للبلدين، وكذلك رحب وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم دولة جنوب السودان بنيامين برنابا، بالوفد الزائر، وقال "إنكم في بلدكم الثاني جنوب السودان"، في حين أكد مجلس وزراء حكومة الجنوب برئاسة سلفاكير ميارديت، في اجتماعه الطارئ، الخميس، أن زيارة البشير، خطوة مهمة في إطار تنفيذ اتفاق التعاون بين البلدين، وأن الفترة المقبلة ستشهد تطورًا ملحوظًا وإيجابيًا في علاقات البلدين.
ونفى وزير الدولة في رئاسة الجمهورية السودانية، الدكتور أمين حسن عمر، في حديث لبرنامج "مؤتمر إذاعي" الذي بثته الإذاعة السودانية الرسمية، الجمعة، وجود أي ضغوط أو إملاءات وراء الزيارة المهمة التي يقوم بها البشير إلى جوبا، مضيفًا أن "الزيارة تعتبر الفرصة الأولى لعمل سياسي بين الطرفين، وأنها تمثل علامة ثقة كبيرة جدًا، ستحرك ثقة الجهة الأخرى للتيار الواقعي، ولذلك سنشهد تحركًا سريعًا جدًا في الملفات كافة، موضحًا أن "البشير يرافقه إلى جوبا نصف أعضاء حكومته، حملتهم إلى جوبا 3 طائرات، وتعد أكبر رحلة رئاسية خارجية بهذا الحجم، وأن الاتفاق بين البلدين يلزم جنوب السودان بإطلاق سراح السجناء، وإطلاق سراح اللواء تلفون كوكو المعتقل في جوبا، ويحمل كوكو رتبة اللواء في "الجيش الشعبي"، ويعد من أقدم وأبرز المؤسسين للحركة الشعبية في جبال النوبة، وعقب اتفاق السلام الشامل الموقع بين الشمال والجنوب في العام 2005م، ظل يطالب الحركة الشعبية بإعطاء أبناء جبال النوبة حقوقهم ودفع فاتورة نضالهم.
وقال الوزير السوداني، "إن إدراك حكومة الجنوب لمصالحها، وتغليب التيار الواقعي في السودان والجنوب على التحديات، جعل العلاقات بين الدولتين تمضي إلى الأمام، غير آبهة بالحملات التي تحاول إثناء قيادة الدولتين عن السير في درب التصالح الرسمي والشعبي".
وتأتي زيارة البشير إلى جوبا تلبية لدعوة من رئيس جنوب السودان سلفاكير لإجراء محادثات مشتركة مع كبار المسؤولين في الجنوب تتناول ضمن أمور أخرى العديد من القضايا، بما فيها تعزيز العلاقات، وإزالة الكثير من ما علق من مشاكل بين الدولتين الجارين، ويرافق الرئيس البشير وفد سوداني رفيع المستوى، يضم مساعداه جلال يوسف الدقير والعقيد عبد الرحمن الصادق المهدي، ووزراء رئاسة الجمهورية الفريق بكري حسن صالح، ومجلس الوزراء أحمد سعد عمر، والدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين، والخارجية على كرتي، والداخلية ابراهيم محمود حامد، والنفط الدكتور عوض أحمد الجاز، ومدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق محمد عطا.
وأكد وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، أحمد بلال عثمان في حديث إلى الصحافيين، أن "زيارة البشير إلى جوبا تأتي في توقيت سياسي مناسب، بعد توقيع اتفاقات التعاون المشتركة بين الدولتين في أديس أبابا أخيرًا، وأن الزيارة تهدف إلى كسر حاجز عدم الثقة وإظهار الإرادة السياسية على تنفيذ ما اتفق عليه البلدان، وتأكيد لما قاله البشير يوم استقلال دولة الجنوب، "بأننا نسعى إلى تعاون وتكامل بين البلدين، يرقى إلى اتحاد الدولتين" .
وأوضح عثمان قائلاً "نحن نستبشر خيرًا بهذه الزيارة، كون أنها ستسهم في تعزيز العلاقات، وإزالة الكثير مما علق من مشاكل بين الدولتين، والتي هي في طريقها إلى الحل، وتحرص الحكومة السودانية على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولن يسمع منا الإخوة في الجنوب إلا خيرًا، ونحن معًا نسعى إلى تضييق مساحات الاختلاف، وتوسيع مساحات الاتفاق، ومنع كل ما هو سالب من الطرفين، وإذا ما نفذ الجانبان ما اُتفق عليه، سيكون هذا خيرًا للجنوب والشمال".
ووصل إلى جوبا، الخميس، وفد مقدمة زيارة الرئيس السوداني إلى الجنوب، حيث خصصت الحكومة السودانية 3 طائرات لإتمام الزيارة، وأقلّت طائرة الخميس وفدًا إعلاميًا وفريقًا للتأمين والمراسم، مستخدمين للمرة الأولى بعد انفصال الجنوب جوازات سفرهم السودانية بعد الحصول على تأشيرات دخول إلى الدولة الوليدة، في حين ستخصص طائرة أخرى للوفد الوزاري السوداني، وسيغادر الرئيس البشير، عبر طائرة رئاسية، حيث يكون في استقباله في مطار جوبا، الرئس سلفاكير وأعضاء حكومته وأعضاء السلك الدبلوماسي في جنوب السودان.
واستبعد مدير جهاز المخابرات السوداني السابق، اللواء حسن عثمان ضحوي، في تصريحات لـ"العرب اليوم"، مساء الخميس، أي تآمر خارجي خلال زيارة الرئيس عمر البشير إلى جوبا التي تُعتبر الأولى بعد انفصال الجنوب العام قبل الماضي، معربًا عن "تفاؤله بالزيارة التي تأتي في ظل التطور والتحسن الأخير في علاقات البلدين، ورحبت به غالبية دول العالم، بما في ذلك دول الاستكبار العالمي"، مضيفًا أن "حكومة الجنوب تبدو حريصة على إتمام وإنجاح الزيارة، حفاظًا على المكاسب التي تحققت والتي ستتحقق في المستقبل، على خلفية البدء في تنفيذ اتفاق السلام الشامل بين البلدين".
وحصل "العرب اليوم" على برنامج الرئيس البشير إلى جوبا، حيث من المقرر أن يعقد فور وصوله الجمعة، اجتماعًا مغلقًا مع الرئيس سلفاكير، يعقبه ترأسهما لاجتماع مشترك يضم الوزراء من الجانبين، ويؤدي الرئيس السوداني صلاة الجمعة في مسجد الكويت في جوبا، ثم يزور مبنى السفارة السودانية في الجنوب، ويعقد في ختام زيارته التي تستغرق يومًا واحدًا، مؤتمرًا صحافيًا مع سلفاكير في القصر الرئاسي في جنوب السودان.
وفي جوبا، قال وزيرا الإعلام برنابا مريال بنجامين والنفط استيفن ديو، إن الزيارة ستدفع بالعلاقات بين البلدين في الاتجاه الصحيح، فيما أكد وزير الدولة في وزارة النفط السودانية فيصل حماد، أن الزيارة خطوة إيجابية، وأنها ستضع حدًا للاقاويل والإشاعات بشأن مستقبل علاقات البلدين، وأن الزيارة ستعزز العلاقات والمصالح المشتركة، وأن تسوية خلافات البلدين بشأن النفط هو أحد عوامل التعاون وبخاصة بعد إتمام تنفيذ الاتفاق، وفق المواقيت الزمنية التي حددتها مصفوفة تنفيذ اتفاقات البلدين.
وقالت المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى جنوب السودان، هيلدا جونسون، في وقت سابق، إن التوترات بين السودان والجنوب تتراجع، وأرسلت تهانيها إلى البلدين إزاء اتفاقاتهما بشأن فتح الحدود المشتركة لنقل النفط، معربة عن أملها بأن يفتح هذا صفحة جديدة للبلدين، وذلك حسبما ذكر نائب المتحدث باسم المنظمة إدواردو ديل بوي، في بيان من مقر الأمم المتحدة في الجنوب.
وأفاد محللون أنه على الرغم من الأجواء الإيجابية التي تمم فيها الزيارة، إلا أن هناك ملفات عالقة ظلت محل جدل وخلاف، من بينها ملف منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع على تبعيتها بين البلدين، والخلاف بشأن تبعية بعض المناطق الحدودية (دبة الفخار وكاكا التجارية وحفرة النحاس ومنطقة جبل المقينص)، كما يتوقع البعض أن يبحث البشير مع سلفاكير الدور الجنوبي بشأن ما يُعرف بـ"الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال" التي تقود الصراع المسلح في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويعتقد هؤلاء أن الجنوب يمكن أن يمارس ضغوطًا على القطاع بالنظر إلى علاقاته القديمة مع قياداته، وهناك أيضًا ملف الديون الخارجية، التي من المتوقع أن تصل بنهاية عام 2013م حوالي 45.6 مليار دولار، وتُشكل تحديًا اقتصاديًا تسعى الحكومة السودانية إلى تجاوزه بعد الاتفاق مع الجنوب على تشكيل لجنة مشتركة تقود مساعي في اتجاه إعفاء الديون مع الأطراف الدائنة، إلا أن تصريحًا صادمًا أطلقه في الخرطوم رئيس وفد صندوق النقد الدولي، نائب رئيس إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إدوارد الجميل، ربما يُعرقل هذا المسعى، حيث أكد أنه لن يتم إعفاء السودان من ديونه الخارجية التي بلغت نهاية العام الماضي 42 مليار دولار، إلا بعد إقناع جميع دول "نادي باريس" الـ 55 دولة، مضيفًا أن موافقة النادي هي الخطوة الأولى والأساسية لإعفاء ديون السودان والاستفادة من مبادرة الهبيك "الدول الفقيرة المثقلة بالديون"، مشيرًا إلى صعوبة الموقف، لارتباطه بأمور سياسية تحتاج من السودان تحسين علاقاتها مع هذه الدول.