طوكيو ـ علي صيام
يقع ذلك الجبل البركاني العملاق المكلل بالثلوج على مدار العام، عند سفوح جبل فوجي في اليابان، حيث ينتشر الجليد على الحمم المتصلبة، وعلى مرمى البصر، قمم اشجار الشوكران والسرو المتلاطمة في منظر مهيب لتشكل غابة كثيفة معروفة باسم "أوكيغاهارا".
وتكوّنت الغابة المتشابكة عام 864 لتمتد على مساحة 12 ميلاً مربعًا، وهي الغابة الأكبر خلال 3 قرون ماضية.
ولطالما تسببت تلك الغابة الأسطورية في فزع حكّام اليابان وشعبها، الذي راح البعض منه ليتخذ من البركان إلهًا.
وعندما تسير هناك في الأسفل، يخالجك شعورًا بقوة الطبيعية المفعمة برائحة الموت والكوارث، فالرحلة هناك أشبه ما تكون باختبار للروح، لكنها ترتبط بماضي مرعب وقاتم بقي عالقًا في أذهان الشعب الياباني حتى يومنا هذا.
ففي العام الماضي فقط، استلهمت ثلاثة أفلام أميركية شهرة الغابة بأنها "جنة المنتحرين" ومرتعًا للخوارق الطبيعية. وهذه الأفلام هي، فيلم "بحر الأشجار" بطولة النجم "ماثيو ماكونهي"، وفيلم "الغابة" بطولة "ناتالي دورمار"، وفيلم "حديقة الشعب".
وقبل هذه الأفلام بنحو ست سنوات، كانت الغابة نفسها بطلة الفيلم الوثائقي "غابة الانتحار"، الذي نُشر على موقع "يوتيوب" وحظي بمشاهدات تفوق الـ15 مليون مشاهدة، وعزّز فكرة أن الناس يذهبون إلى الغابة لكي ينتحروا.
وفي جولة تبدأ من بحيرة شوغي، أصغر بحيرات فوجي الخمس، وتمتد لحوالي ستة أميال، يمكنك الذهاب إلى موقع الانفجار البركاني الذي خلق أوكيغاهرا.
والرحلة من طوكيو إلى محطة كاواغوتشيكو-بوابة فوجي وبحيراته-تستغرق ساعتين على متن القطار. ومن المحطة يمكنك ركوب حافلة لما يقرب من نصف ساعة إلى موقف سيارات كهف الرياح فوغاكو.
وبمجرد رؤيتك للغابة سترى أن الطحالب تغطي الأشجار المستقرة على الحمم البركانية، وهو الأمر الذي جعلها تنمو دون الحاجة إلى التربة التقليدية. وهناك ثقوب عديدة تكمن بين أشجار الهاينوكي، أو ما تعرف بأشجار السرو الياباني، هذه الثقوب ناجمة عن انبعاثات البخار العنيفة. تبدو الغابة للوهلة الأولى كأنها أحد أماكن تصوير فيلم رعب في هوليوود.
وهناك لافتة قد وضعتها الحكومة اليابانية تدعو فيها ذوي الميول الانتحارية إلى التواصل مع منظمات منع الانتحار قبل دخولها". ويعتقد السكان المحليون منذ فترة طويلة أن الغابة حافلة بالشياطين و"الأروا".
وفي إحصاءات لعام 2010 في اليابان، ذهب إلى الغابة 247 شخصاً في محاولة للانتحار، 54 منهم ماتوا في الغابة.
وهناك الكثير من السياح الذين يزورون أوكيغاهارا سنويًا، فالغابة لا تخلو من مناظر طبيعية خلابة في النهار، خصوصا عند أطرافها القريبة من بحيرة سايكو، لكن لا أحد يتجرأ على التوغل في الغابة بعيدًا، فمخيّمات السياح تكاد تقتصر على الكيلومتر الأول من أطراف الغابة، ولا أحد يجرؤ على الذهاب أبعد من ذلك خشية الضياع، فبعد الكيلومتر الأول تكون الغابة ساكنة وموحشة ومتداخلة بشكل يثير رعب أغلب الناس.