موسكو - المغرب اليوم
تجذب مدينة سوتشي العديد من السياح، وخاصة السياسيين والحكام، فكان الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين يقضي فترات طويلة كل عام. وبدوره يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا التقليد، ويمضي معظم وقته في المقر الصيفي للرئاسة في سوتشي. وجرت العادة منذ العهد السوفياتي أن يتجه الملايين من المواطنين، خاصة أبناء المناطق الشمالية، إلى الجنوب للاستجمام كل عام. فهي تتمتع بشمس ساطعة يفتقدونها في الشمال، حيث يسيطر البرد والثلوج والأمطار معظم أوقات السنة. تاريخيًا ظل الجنوب الوجهة الوحيدة لمعظم المواطنين في العهد السوفياتي. كانت السلطات حينها تمنع المواطنين من السفر للاستجمام في دول أخرى. وحتى بعد سقوط المنظومة السوفياتية وفتح الحدود أمام المواطنين الروس للسفر خارج البلاد، لم تفقد المنطقة قيمتها السياحية، ولا تزال تستقطب شرائح كبيرة من الزوار سنويًا.
ويتميز الجنوب الروسي بعشرات المدن الجميلة التي ينتشر بعضها على أطراف البحر الأسود وسط طبيعة خلابة، بينما يطل بعضها الآخر عليه من غابات أشجارها وارفة تغطي هضبة القوقاز. وتُعتبر مدينة سوتشي بمثابة العاصمة السياحية بين تلك المدن، إلى حد القول: إنها، ولوحدها، تشكل منتجعًا سياحيًا قائمًا بذاته تستحق عليه لقب "لؤلؤة الجنوب". فهي تقع على البحر الأسود عبر شريط ساحلي طوله 145 كم، وبعمق من 40 إلى 45 كم، يمتد من الشاطئ إلى هضبة القوقاز. وتبلغ مساحتها 3.5 ألف كلم مربع، تغطي الغابات الكثيفة الجزء الأكبر منها. وتضم مجموعة من المنتجعات السياحية الكبرى، مثل منتجع لازاريفسكي، الذي يقع على بعد 40 كم شمال غربي مركز مدينة سوتشي، ويتميز بشاطئ تغطيه الحصى الطبيعية الرقيقة الملمس، لذلك تنتشر فيه أماكن الاستجمام والسباحة والحمامات الشمسية. "داغوميس" منتجع سياحي آخر يقع ضمن حدود سوتشي الجغرافية، وحصل على اسمه نسبة لنهر داغوميس الذي تطل عليه. ويتمتع بمنتجعات سياحية وصحية معروفة على المستوى المحلي والعالمي، على حد سواء.
ومنتجعات أخرى توجد ضمن سوتشي مثل خوستا وآدلر. وتتميز كل منها بشواطئ تطل على بحر صخري القاع، ومياه نقية دافئة، ليس من السهل مقاومة إغراء السباحة فيها. وأما مدينة سوتشي (المركز) فهي واحد من أهم المنتجعات في مقاطعة كراسنودار الجنوبية، التي تقع سوتشي ومدن أخرى ضمن حدودها الإدارية. وما يمنحها تميزها عوامل عدة في مقدمتها موسم السياحة الدافئ الطويل الذي يمتد نحو 7 أشهر، من مايو/أيار، ولغاية نوفمبر/تشرين الثاني. فضلاً عن ذلك تتميز بمناخ فريد، يُصنف ضمن المناطق شبه الاستوائية، كونها تقع في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، ليس ببعيد عن الصحارى الجليدية.
وتهب عليها نسمة هواء منعشة نهاراً من البحر وتصطدم أمواجها بجبال القوقاز، التي ترتفع حول المدينة تدريجياً وتشكل تراسات طبيعية حولها. من هذه الجبال تهب ليلاً رياح لطيفة تداعب أمواج البحر، لذلك يكون الشعور بعبء الرطوبة أقل إزعاجاً منه في مناطق ساحلية أخرى في العالم، وكذلك لا تكون الرياح في الليل خانقة ثقيلة، بل خفيفة تنساب حاملة معها شعورًا بالهدوء والطمأنينة. وتتراوح درجات الحرارة فيها خلال الموسم ما بين 22 إلى 28 درجة مئوية، ودرجة حرارة المياه 22 إلى 26 درجة مئوية.
ولكن سوتشي لا تنعم بالشمس وما يترتب عنها من نشاطات مائية فقط، بل تُوفر للسياح أيضاً إمكانية التزلج على قمم جبال القوقاز القريبة. وتتضمن السياحة الجبلية بشكل عام جولات في غابات كثيفة تخترقها الكثير من ينابيع المياه المعدنية، التي تتفجر بين صخور. لذلك تشكل سوتشي في الوقت ذاته منتجعاً صحياً يتوفر على مصحات متعددة للنقاهة يقصدها الآلاف على مدار السنة. وتجدر الإشارة إلى أن الخدمات السياحية فيها تحسنت كثيرًا بعد التحديث الشامل الذي شهدته البني التحتية ضمن التحضيرات لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014. وبرز بشكل خاص اسم منطقة كراسنايا بوليانا التي تقع على ارتفاع 500 متر عن سطح البحر، وهي منطقة للسياحة صيفًا وشتاءً، يوجد بها مجمع رياضي لعشاق كل أنواع رياضات التزلج والتزحلق على الجليد. بشكل عام تضم المدينة والمنتجعات السياحية فيها أكثر من 250 منشأة لاستقبال السياح، منها عشرات المجمعات السياحية بالقرب من الشاطئ، والبعض الآخر في المناطق الجبلية، فضلاً عن مجمعات علاجية ونقاهات صحية ضمن أجواء وخدمات ترقى إلى مستوى خمس نجوم.
فنادق ومطاعم مدينة سوتشي
ويزيد عدد السياح الذين يزورون مدينة سوتشي سنوياً عن مليون سائح، ولتأمين الخدمات الضرورية لهم، وتلبية مختلف الأذواق، تنتشر في المدينة ومناطقها السياحية أعداد كبيرة من الفنادق، معظمها عبارة عن مجمعات فندقية سياحية توفر جملة من الخدمات. من أشهرها "فندق نقاهة داغوميس"، الذي يجمع ما بين رقي الخدمات الفندقية، وبين الموقع الجميل الذي يجمع الطبيعة الجبلية بالشواطئ الذهبية في آن واحد. بالإضافة إلى كل ما هو ضروري للاستجمام البحري، يوفر المجمع خدمات العلاج بالمياه المعدنية والطين، فضلاً عن جولات سياحية في الجبال. يضم المجمع عدة مبانٍ، بحيث يتكون المبنى الرئيسي وحده من 27 طابقاً فيها 1003 غرف، وهناك مبنى خاصة للسياح "VIP" يضم 12 جناحاً، مصممة بأحدث الأساليب وباستخدام مواد صديقة للبيئة. شاطئه مزود بكل ما يحتاجه السائح من تسهيلات، من بينها مجموعة من المسابح المتنوعة. أما في المساء، فيمكن للسائح أن يستمتع بمشاهدة حفل مسرحي أو غنائي يقدمه مسرح خاص ضخم داخل المجمع.
وفي منطقة مانتسيست السياحية في سوتشي تنتشر مجموعة من الفنادق تتميز بخدمة العلاج بالمياه المعدنية، نظراً لوفرة ينابيعها الطبيعية. نذكر منها مجمع نقاهة ضخم يحمل اسم المنطقة، أي "نقاهة مانتسيست". يُتيح المنتجع للزوار فرصة للجمع بين الفائدة وبين الاستجمام في آن واحد، وسط طبيعة خلابة بين البحر وبين الجبل.
وفي منطقة جبلية تُطل على البحر، يقع مجمع فندق "غراند كراسنايا بوليانا" من فئة (خمس نجوم). ويعتبر بمثابة تحفة فنية بين أحضان هضاب جبال القوقاز، لهذا غني عن القول: إنه يستقطب سنويا آلاف السياح من عشاق السياحة الصيفية، أو الشتوية للتزلج على الثلج، على حد سواء. يقع هذا المجمع وسط محمية طبيعية، على بعد 64 كم عن مركز مدينة سوتشي، يضم 413 غرفة في المبنى الرئيسي، فضلاً عن مجموعة من الفيلات الجميلة. ولخدمة الضيوف يوفر مجموعة من المطاعم والمقاهي، فضلاً عن المسابح وصالات الترفيه المتنوعة، وملاعب تنس وساحات رياضية مختلفة.
ومن المنظور نفسه، فإن السائح إلى سوتشي ومناطقها المجاورة لن يشعر بالجوع أبداً. فمطاعمها الكثيرة في غاية التنوع لكي تلبي كل الأذواق، وتتدرج من مطاعم "خمس نجوم"، من أشهرها مطعم "بارات رابان"، وجباته من المطبخ الأوروبي والمأكولات البحرية. ويقدم كذلك وجبات قوقازية بأسلوب فني ولذيذ يعتمد بصورة خاصة على وجبات لحم الضان، التي يقدمها كبير الطهاة في المطبخ بمذاق لا يقاوم.
ومن مطاعم المطبخ المحلي يتميز مطعم "خميلي آند سونيلي" الذي يقدم وجبات من المطبخين الروسي والجورجي. كذلك مطعم باتونو، المتخصص في المطبخين الجورجي والقوقازي. وبشكل عام تنتشر في سوتشي مطاعم الوجبات القوقازية تحديداً، نظراً لوجود جاليات كبيرة من جورجيا وأرمينيا.