يانغون ـ عادل سلامة
تعتبر ميانمار، أو "بورما" سابقًا، أحد أشهر الوجهات السياحية الناشئة في العالم، خاصة بعد مرور سنوات قليلة على انتهاء الحكم العسكري القمعي، ومناشدة زعيمة المعارضة أون سان سو تشي، التي وضعت تحت الإقامة الجبرية، الولايات المتحدة للجوء إليها. أما الآن، فتشهد أعداد السياح ارتفاعًا منقطعًا النظير في مينامار، وخاصة أكبر مدنها، يانغون، أو "رانغون" سابقًا، التي في طريقها لتصبح مركزًا للسياحة في الجنوب الشرق الأسيوي.
عندما تزور المدينة، فإن أول ما سيلفت نظرك هي ناطحات السحاب الزجاجية والتي تصل إلى عنان السماء وتقبع وسط المعابد الذهبية البراقة. وعندما نرفع ستارة الغموض عن هذه الدولة التي كانت منبوذة ذات يوم من قبل المجتمع الدولي، سنسمع حكايات وتجارب مثيرة عن شعبها وأماكنها وثقافتها الغريبة والفريدة.
ويصل عدد سكان يانعون بمفردها حوالي ستة ملايين نسمة، فهي تعد بمثابة حجر الزاوية للاقتصاد في مينامار.
ومع ذلك، فهي رسميًا ليست العاصمة منذ 2005، أي حينما نقل النظام العسكري عاصمة مينامار إلى مدينة نايبيداو، والتي تعني المدينة الملكية.
تقع يانغون على الضفة الشرقية من نهر يانغون، وتبعد نحو 30 كيلومترا عن بحر اندامان. وجاءت شهرة المدينة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، عندما أعلنها البريطانيون عاصمة إمبراطوريتهم الجديدة. وما زالت منطقة الميناء العسكرية مركزًا تجاريًا، على الرغم من أن معبد شويداغون الذهبي لا يزال قلب المدينة، وهو الواقف كالمارد العملاق يرُى من جميع أرجاء المدينة.
يمكنك زيارة المدينة والاستمتاع بجميع مناقبها ومعالمها، خلال رحلة تستغرق يومين. في اليوم الأول، يمكنك ركوب مصعد في أطول مبنى في المدينة، برج ساكورا الذي يتكون من 20 طابقًا، للتمتع بإطلالة نادرًا ما ستراها في حياتك، فأمامك سترى المعبد وخلفك النهر. كما يمكنك تناول وجبة الغذاء في مطعم ثيريبيتساسيا سكاي بيسترو على سطح البرج.
أما الحياة في الشوارع فهي مترعة بالتراث الميناماري العتيق خاصة في منطقة وسط البلد التراثية التي تضم القصور العسكرية والمعابد الرائعة. إن شوارع المدينة ضيقة للغاية، لذا يفضل أن تتجول بها سيرًا على الأقدام، وأن تبدأ جولتك من عند معبد سولي عند مفترق طرق معبد سولي وشارع ماهاباندولا، فيما يعتبر المعبد الأول من نوعه في العالم الذي يقع وسط ميدان مزدحم بالسيارات. كما توجد واجهة "سيتي هول" اللافتة للنظر والمنقوشة باللونين الأرجواني والوردي، بينما سترى على طول شارع ماهاباندولا كنيسة عمانوئيل المعمدان، وحدائق شتى وشرفات المنازل التي راح لونها.
وإذا ذهبت إلى مفترق شارع معبد سولي مع شارع ستراند، عابرًا هيئة الجمارك ستجد فندق ستراند الاستعماري.
إن سكان يانعون المحليين، يعشقون أنواع وأصناف الأكل بشكل مثير للحماس، فتراهم واقفين في صفوف على أكشاك الطعام في جميع أنحاء المدينة. وتقدم هذه الأشكال وجبات مثل "موهينغا" وهي عبارة عن حساء من المعكرونة، و"بيان مون" وهي فطائر مقرمشة لذيذة وكثيرًا ما تقدم مع القريدس أو الفاكهة والحليب المجفف. ويعد طبق "الصراصير المقلية" من أكثر الأطباق شعبية هناك، ويقدم مع صلصة الفلفل الحار وكأس "ِشوي بالي" المكون من الحليب واللبن الرائب على غرار اللاسي الهندي.
وقبل غروب الشمس، يمكنك زيارة معبد شويداغون مهد السياحة هناك فهو "تاج محل" مينامار. يصل علو مآذنه إلى مئة متر، ووزنها حوالي 30 طنًا، ومصنوعة من ورق الذهب الخالص ومن 2500 ياقوتة وعلى رأس المئذنة ماسة بحم 76 قيراط. ولا أحد يعرف على وجه التحديد تاريخ بناء المعبد، ولكنه على الأرجح يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، فيما تم إضافة طبقات وغرف جديدة على مر القرون لحماية الآثار المقدسة.
إن الديانة البوذية تبلغ ذروتها في يانغون أكثر من أي مكان آخر، فهي كالهواء هناك من ضروريات الحياة بالنسبة لشعب المدينة، ناهيك عن أن الغالبية العظمي من السياح يدينون بالبوذية، وهم من الرهبان الذين يحجون إلى المعبد المقدس ويطوفون حوله في عكس عقارب الساعة، ثم يزورون الأضرحة الرخامية لوضع الزهور والأرز وتقديم احترامهم.
أما فندق "ستراند" التاريخي، فهو أحد رموز الاستعمارية التي حققها فندق رافلز سنغافورة الشهير، فيما تم افتتاحه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد عملية ترميم شاملة. يشتهر الفندق بعصير "سوارس" المكون من ماندالاي الروم مع عصير الليمون وشراب السكر وجعة أنجوستوار، ويمكنك احتساؤه وأنت جالس على مقعد من الخوص تحت المراوح البطيئة على غرار الروائيين الإنجليزيين سومرست موم وكيبلينغ. وإذا كنت هناك يوم الجمعة، عند إعلان "ساعة السعادة"، فسوف يتحول الفندق إلى مكان يثير دهشتك إلى حد الخيال، حيث يتجمع المغتربون ونخبة المدينة في ساحة الفندق من الساعة السادسة حتى منتصف الليل.
وفي اليوم الثاني، يمكنك زيارة سوق بوغيوكي آنغ سان المغطى والمؤسس على يد البريطانيين الذين أطلقوا عليه اسم سوق سكوت، وهناك ستعثر على كل شيء تتمناه بدءًا من حجر اليشم البورمي التقليدي، والورنيش والدمى وخشب الساج، وداء لونغي الشعبي الشبيهة بالسترة الأسكتلندية.
ويمكنك تناول وجبة الإفطار التقليدية في مينامار، ألا وهي المعكرونة، والتي تعد وجبة العشاء التقليدية أيضًا، وليس هناك أفضل من محل شان نولد لتناول هذه الوجبة اللذيذة، لكن عليك أن تحذر من أن يسكب عليك أحدهم المعكرونة نتيجة الزحام الشديد أمام بهو المطعم. كما يمكنك المشي بتؤدة على الطريق المائي وعبر الحدائق المورقة المحيطة ببحيرة إينا العملاقة. وعندما تذهب إلى شارع معبد كابا آي، سترى أسراب الطيور البرية.