قرطبة ـ سناء سعداوي
لا تحتاج قرطبة إلى مقدمة، فالاسم يستحضر صور الأندلس في أفضل حالاتها، حيث جامع قرطبة الذهبي والقرمزي، وقلعة كازار المرتفعة، وبالطبع، "كاليغا دي لا فلوريس" أو "شارع الزهور"، وهو الحدث الرئيسي الذي ينطلق في شهر مايو/أيار من كل عام، عندما تفتح المدينة باحات "فيستا دي لوس" للحدث الذي يستمر 12 يومًا.
"قرطبة هي حلية العالم"، مقولة قيلت قديمًا عن مدينة قرطبة التي تقع في وسط الأندلس في إسبانيا، والتي ذاع صيتها في القرن العاشر كواحدة من أعظم مدن أوروبا، فقد كانت عاصمة الأندلس، والآن هي وجهة سياحية رائعة يقصدها السائحون من كل حدب وصوب للاستمتاع بأجمل الأجواء وسط المعالم التاريخية والثقافية التي لا تقارن.
وتعد باحات قرطبة، ليست مجرد أفنية فحسب، بل هي أماكن تذوب فيها الثقافة الحضرية في مركز الحياة المحلية منذ العصور القديمة، وكانت البنية التحتية الرئيسية للقصور والفيلات، وتعد من أهم ماتركوه الرومان في البلاد للتغلب على الحرارة المرتفعة، ثم جاء المسلمون وغيروا ساحات المدينة الشهيرة من رتابتها إلى أشياء غاية في الجمال، فقد حولها المورون المسلمون من سكان المغرب العربي وشمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية وصقلية ومالطا خلال العصور الوسطى، إلى أماكن خرافية، حيث حولوا الأبنية العادية إلى لوحات فنية تحتوي على سلات معلقة تفيض بالورود وعشبة أبرة الراعي، وأحاطوها بنافورات مياه محاطة بأشجار الفاكهة، بالإضافة إلى أثاث فخم لاستقبال الضيوف.
وبطبيعة الحال، أصبحت تلك الباحات أماكن للتجمعات المحلية، حيث يفتح أهالي قرطبة أبواب منازلهم ويزينون الباحات والممرات بالزهور في منافسة مع الجيران للفوز بلقب "الفناء الأجمل"، ويضع أصحاب المنازل أوعية حديدية ملونة يزرعون فيها نباتات وأزهار خاصة منها الياسمين والقرنفل ونبات إبرة الراعي، ويعلقونها على الشرفات وعلى الجدران الخارجية للمنزل، لتتناسق ألوانها مع ألوان الفسيفساء الإسلامية المصنوعة يدويًا، ثم يتم فتح الفناء بعد ذلك للجمهور - مجانًا.
ويعتبر ذلك المهرجان كما العيد لسكان قرطبة، حيث ينتشر الفرق العازفة لموسيقى الفلامنكو الإسبانية، والحفلات المرتجلة، والاحتفالات في الشوارع، والحانات "البارات" المنتشرة حيث يتذوق الجمهور النبيذ المحلي، وبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في زيارة الباحات في أوقات أخرى، تستضيف قرطبة أربعة مهرجانات رئيسية للربيع على مدار الشهر، منها مهرجان "إل بالاسيو دي فيانا"، وهو منزل يعود للقرن الـ15 محاط بـ 12 فناءً عملاقًا يبقى مفتوحًا على مدار العام.
في الوقت نفسه، تعد الشركة السياحية "لوس باتيوس دي ألكازار فيغو" جولات سياحية خاصة وجماعية كل شهر إلى منطقة الكازار القديمة "تكلفتها 7 يورو؛ تحقق من موعد الإغلاق، حيث أن تلك منازل للعائلات"، وفي الجولات ستزور "دوارتس 2" وهو فناء متحرك معطر بالياسمين والنكتارين، كما يمكنك زيارة فناء "مارتن دي روا 7-9"، التي يرصع جدرانها بأواني النباتات الحمراء، كما لو كنت في حديقة عمودية، وفي تلك المنطقة تجد نوافير المياه على طراز الفن الإسلامي وكوردوفان الحجارة الصينية - وهو نمط أرابيسك مستوحى من العصر اليوناني والروماني.
في حين أن عدد المشاركين في مهرجان "فييستا دي لوس باتيوس" يتغير كل عام، إلا أن المهرجان لا يزال قائمًا، منذ أن بدأت رسميًا المنافسات في عام 1921، إلا أن الحرب الأهلية الإسبانية وقفت الحدث السنوي، وفي عام 2012، وسجلت اليونسكو مهرجان فييستا في إسبانيا كنوع من التراث الثقافي.