القاهرة - المغرب اليوم
تنتشر في مصر 1356 عينًا للمياه الكبريتية والمعدنية، تمتاز بتركيبها الكيميائي الفريد، كما أنها تطل على ساحلي المتوسط والأحمر، وهو ما يعني تنوع شواطئها ومياه بحارها، بما لها من خواص طبيعية مميزة، وما تحتويه تربتها من رمال وطمي صالح لعلاج العديد من الأمراض، فيما تتجه أنظار العالم إلى السياحة العلاجية وكيفية استثمارها والترويج لها، بينما يتجاهل المسؤولون في مصر الأمر، على الرغم من كل المقومات الموجودة.وتشكل السياحة العلاجية ما بين 5% و10% من حجم السياحة العالمية، فيما حققت الهند ولبنان، إضافة إلى الأردن وتونس، مراكزًا متقدمة على خارطة السياحة الاستشفائية، بعد فرنسا، في مجال العلاج بالمياه المعدنية ومياه البحر.
وأكّدت الأبحاث أن مياه البحر الأحمر بمحتواها الكيميائي ووجود الشعاب المرجانية فيها تساعد على الاستشفاء من مرض الصدفية، فيما تتعدد المناطق السياحية التي تتمتع بميزة السياحة العلاجية، وهي مناطق ذات شهرة تاريخية عريقة، مثل حلوان، والعين السخنة، والغردقة، والفيوم، ومنطقة الواحات، وأسوان، وسيناء، وأخيرًا مدينة سفاجا، والتي تمتلك جميع عناصر السياحة العلاجية، وبها الرمال السوداء التي لها القدرة على التخلص من بعض الأمراض الجلدية.وتبقى المشكلة في مصر، على الرغم من أنها تستطيع تحقيق 12 مليار دولار إيرادات سنوية إذا نافست في هذا المجال، لاسيما أنها تمتلك الخبرات الكافية والبنية السياحية الممتازة، أنّ هذا النوع من السياحة يتطلب وجود أماكن استشفاء متخصصة، على مستو دولي منافس ومنتجعات علاجية خاصة.
وتعد السياحة العلاجية رافدًا من روافد الدخل القومي، وهو ما أدركته الأردن مثلاً منذ سبعينات القرن الماضي، لتصبح الآن الأولى عربيًا، والخامسة عالميًا في هذا المجال، حيث إنه إضافة إلى موارده الطبيعية العلاجية، لديه المستشفيات المتميزة والأطباء البارعين، الذين أكسبوا الأردن مكانة معروفة في العالم، فضلاً عن إنشاء مجلس أردني للسياحة العلاجية، هدفه استقطاب استثمارات طبية للأردن، وخلق فرص عمل جديدة للشباب، ورفع جودة الخدمات في المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة.ولم تحصل مصر على نصيب يذكر من هذا النمط السياحي، الذي يزداد أهمية يومًا بعد يوم، على الرغم من وجود جميع المقومات التي تؤهلها لتكون في مصاف الدول السياحية الكبرى في هذا المجال.
واستطاعت تونس، بالفكر والمجهود والتسويق والتنسيق احتلال المركز الثاني عالميًا في مجال السياحة العلاجية، بعد فرنسا، في حين أن مصر تبقى بلا تصنيف، وخارج هذا المجال الحيوي المهم، الذي يعد من أكثر المجالات السياحية تحقيقًا للدخل وأطولها إقامة.ولعل المتابع لتطور السياحة العلاجية على مستوى العالم، لاسيما الاستشفاء، يجد معادلة غريبة بالنسبة لمصر، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة السائحين الذين ينشدون السياحة العلاجية والاستشفائية دوليًا، نجد أنها انخفضت لدى مصر، وبعض الخبراء يرجعون ذلك إلى عدم وجود منظومة متكاملة للسياحة العلاجية تشمل العلاج أو العملية الجراحية والإقامة والتنقلات وغيرها، نظرًا لغياب التنسيق بين وزارتي الصحة والسياحة، لإعداد منظومة للسياحة العلاجية.
وتعد ضاحية حلوان، التي تقع على بعد 30 كيلومترًا من قلب القاهرة، وتتميز بجوها الجاف، ونسبة رطوبة لا تتجاوز 58%، إضافة إلى العيون المعدنية والكبريتية، لا مثيل لها في العالم من حيث درجة النقاء والفائدة العلاجية، من أهم الأماكن التي لا يمكن تناسيها، أو إغفالها.
وأنشئ في حلوان مركز كبريتي للطب الطبيعي وعلاج الألم والأمراض الروماتزمية منذ عام 1899، وتم تجديده في 1955، فضلاً عن الواحات البحرية، التي تضم 400 عينًا للمياه المعدنية والكبريتية الدافئة والباردة، التي أثبتت البحوث قيمتها العلاجية في أمراض الروماتيزم والروماتويد والأمراض الجلدية.
وأوضح مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، في دراسة له، أنّ واحة سيوة كذلك تحتل موقع الصدارة من بين الأماكن المثلى للسياحة العلاجية والاستشفاء الطبيعي في مصر، وكذلك الوادي الجديد، حيث تنتشر في المنطقة الرمال الناعمة الجميلة والأعشاب والنباتات الطبية التي تستخرج منها العقاقير والزيوت النباتية والعطرية.وتتحدى أسوان، بجوها الجاف البديع، أعظم المنتجعات الشتوية العلاجية في العالم بأسره، وهي تلائم على نحو خاص مرضى الكلى والجهاز التنفسي والروماتيزم، ويوجد فيها مركزان للعلاج بالرمال والمياه، حيث يطمر جسم المريض بالروماتيزم في الرمال الساخنة.
وأثارت أسوان اهتمام مؤسسات طبية عالمية عدة، اضطلعت بدراسة مناخها ومقومات السياحة الاستشفائية، وتحققت من تفرد أسوان بنسبة عالية من الأشعة فوق البنفسجية من سمائها، إضافة إلى الانخفاض البالغ في نسبة الرطوبة.وتعتبر سفاجا المدينة الأولى في علاج الصدفية، نظرًا إلى أن نسبة ملوحة مياهها تصل إلى 35%، وأثبت التحليل المعملي لرمال سفاجا أن فيها ثلاث مواد مشعة، بنسب غير ضارة، وهي اليورانيوم، والثوريوم، والبوتاسيوم، بنسبة 40 %، إضافة إلى احتوائها على غالبية العناصر الفلزية المعروفة مع ارتفاع في كمية أملاح الذهب، التي تستخدم في علاج مرض الروماتويد، والالتهابات المفصلية المزمنة والحادة والتورم والارتشاح المفصلي.
وتضمّ سيناء العيون المائية الحارة مثل حمام فرعون، وحمامات موسى بخواصها الكيميائية والبكتريولوجية والطبيعية، التي ثبتت صلاحيتها وفعاليتها الممتازة في علاج الكثير من الأمراض، وأهمها الروماتويد والروماتزم بشتى أنواعه، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض الكلى، وحساسية الرئة، وأمراض الكبد، والأمراض الجلدية وإصابات الملاعب، فضلاً عن فوائدها المستخدمة في أغراض التجميل.ونجحت الهند في فرض نفسها على قائمة الدول الجاذبة للسياحة الدولية، لتصبح بذلك مقصدًا سياحيًا منافسًا لمصر وتركيا وعدد من دول أوروبا، بعد استحواذها على جزء كبير من نصيبها في السياحة.