لندن - كارين إليان
الملايين يصابون بالخوف من إصابتهم بالكوارث الصحية إذا لم يحملوا زجاجات مياه عالية السعر طوال الوقت، ربما تأخذ في الاعتبار نصيحة "حمل زجاجة ميه معك" إذا كانت موجهة إلى المغامرين الذين يعبرون الصحراء القاحلة، أو الذين في طريقهم إلى السفر لمكان نائي من الصعب العثور فيه على ماء، ولكنها تحذير موجه إلى المسافرين الآتين من الاضراب الذي أصاب السكة الحديد الجنوبية.
ويسبب هذا التكرار أصبح الملايين مصابين اليوم بخوف من الإصابة بأمراض كارثية إذا لم يحملوا زجاجات عالية الثمن في كل الأوقات، والنتيجة أننا نشاهد اليوم البالغين وهو يشربون من زجاجات تشبه زجاجات مياه الأطفال، في كل مكان في البيت والشارع والمكتبة والمكتب، ومنذ مطلع الألفية الثالثة، تضاعفت مبيعات المياه المعلبة، ففي العام الماضي شرب كل مواطن 44 لترًا، بإجمالي 3.3 مليون لتر، ومن المتوقع ارتفاع الرقم إلى 4.8 مليون بحلول عام 2020، وبقيمة 2.5 مليار دولار في العام.
"لا تترك منزلك بدون أخذ زجاجة المياه"
لقد أدت النصائح من هذه النوعية إلى اعتقاد الناس أن زجاجة المياه "شيء أساسي مثل المفاتيح والمحفظة والهاتف"، كما قال المدير المالي لشركة زجاجات المياه هيغلند سبرينغ، وسواء أن كان المرء يشعر بالظمأ أم لا، تحول القلق إلى الشعور بـ"الجفاف"، وكل هذا بسبب التقارير التي نشرت القرن الماض تحذرنا من أن الجفاف البسيط يجعلنا غير منتبهين، ومرهقين ومحبطين، كما أن الباحثين توصلوا إلى أن الجفاف يمكن أن يشكل خطورة علينا لأنه يجعلنا كالواقعين تحت مفعول السكر أثناء القيادة، ولا عجب في أن الكثيرين مهوسون بمستويات الترطيب، ويشعرون بالرعب من درجة لون البول القاتمة، ولكن العديد مما يقال إنه سبب علمي عن الأثار المميتة للسائقين الظمأنيين فإنها من بحث علمي أجرته إحدى شركات المياه المعبأة، وفي دراسة نشرتها الدورية العلمية الرزينة، جورنال أوف نيتوريشن، جاء أن الجفاف بنسبة 2% أو أقل يمكن أن يجعل الناس مرهقين متعكري المزاج أقل ذكاء ومسبب لآلام العظام، وعلى الرغم من وصف هذه الدراسة بـ"المستقلة" إلا أن شركة دانون الفرنسية أنفقت على هذه الدراسة، وفي الحقيقة، تدعم شركة "كوكاكزلا" بحجم 5 ملاين إستلاليني، ما جعله تصنع زجاجات مياه غلاسيو، ولا يتعلق الأمر بالشعور بالخوف من الظمأ فقط، فأنهم يضخمون أيضا كم المياه الذي يجب أن يحصلوا عليه للبقاء أصحاء، وشركة نستلة أطلقت حملة "هل شربت ما يكفي اليوم من المياه؟"، قائلة أن الجسم يحتاج ما بين 2 إلى 2,5 لتر مياه، ولكن هذا ليس حقيقيًا، فمعهد الصحة العامة يصرح على موقعه أن الناس يجب أن يشربوا حوالي 1,2 لتر (من ست إلى ثماني زجاجات يوميا) حتى لا يحدث لهم جفاف.
ربما ترفع الشركات خطر المرض
وأكد الدكتور أرين راتكليف، أستاذ التغذية بجامعة روبرت جوردن، أننا نحصل على الماء حتى لا يحدث جفاف من الغذاء أيضا والمشروبات مثل الشاي والقهوة، وأضاف "القول بأننا نحتاج لشرب كل هذا الكم مخالف للحقيقة"، ما هو أكثر، أن تشجيع الناس لشرب المزيد انطلاقا من خوفهم على صحتهم، ربما يؤدي إلى رفع شركات الزجاجات المعبأة من درجة خطورة أمراض الجفاف، وقبل أعوام قليلة، قررت نجلا لوينسن أن تشرب الكثير من المياه، فهي تتناول عادة 3 لترات مياه قبل النوم لاعتقادها أن هذا صحي، ولكن طبيبها العام حذرها من أن هذه العادة تهدد حياتها، والخطر الأبرز أن كثرة المياه تسبب نقص صوديوم الدم، لارتفاع نسبة المياه التي تزيح الأملاح. والصوديوم هام للعضلات ووظائف الأعصاب، فضلا عن الحفاظ على مستوى ضغط دم ثابت، وأعراض نقص الصوديوم في الدم يمكن أن تشمل الصداع والتعب وغياب الذهن، كما أن هذه هي الشواهد المقدمة من شركات المياه على خطورة الجفاف.
والخطورة لا ترتبط بتبديد الوقت والمال في كثرة شرب المياه، ولكن نقص صوديوم الدم قد يؤدي لغياب الذهن والغيبوبة وصولا للوفاة، وفي حادثة نشرتها الدورية الأميركية "أمرجينسي ميدسينس" هناك فتاة صغيرة ليست مريضة بأي مرض نقلت للمستشفى لأزمة قلبية حادة تعرضت لها، والنتيجة التي تم التوصل إليها أن شرب المياه بكثرة تسبب في نقص صوديوم الدم، وهو يؤدي إلى نوبة دماغية تسببت في أزمة قلبية، وهي أزمة صحية خطرة تسمى الأزمة القلبية، ومن حسن الحظ أتم إنقاذها وعادت ضربات القلب لوضعها الطبيعي بعد يومين من إنقاذها، ولكن ليس لكل فرد نفس حسن الحظ، فالخطر كبير بين هؤلاء خاصة الذين يرتدون المتاجر والأسواق بحثا عن المياه المعلبة، ولدفع فكرة أن الكثير من المياه أفضل، فإن شركات المياه المعبأة ترعى الكثير من السباقات والمنافسات الفردية، فهذا التمويل لسباقات تنشر مع صور للاعبي المارثون وهم يشربون من هذه الزجاجات، ما يساعد على إيصال رسالة أن شرب المياه كثيرا مفيد للصحة للغاية.
مرة أخرى، الدراسات العلمية أثبتت عدم صحة هذا.
وبينما أن مصنعي المياه يحثون الرياضيين على شرب الماء قبل الشعور بالعطش، فإن هذا خطر على الصحة وليس مفيدا، فنقص صوديوم الدم يسبب الأزمات والوفيات خلال المنافسات، في 2007، ديفيد روجرز محاضر عن اللياقة مات بأزمة قلبية قبل مارثون لندن، والأن الباحثون وجدوا أن المستويات المرتفعة من الجفاف لا يسبب خطورة على الرياضيين، فعندما طلب من العدائيين الذين لديهم جفاف بنسبة 3% الركض لمدة 20 كيلومترًا، لم يكن أدائهم مختلفا عن الاداء وهم ليس لديهم أي نسبة جفاف
وكشف خبير التمرينات الرياضية في جامعة بروك ستيفن تشاينونغ أن نصيحة شرب الماء حتى في الأماكن الحارة غير سليمة، ونرى أن المحترفين لا يقومون بها، وفي عام 2009 توصلت دراسة عن السباقات المارثونية في فرنسا أن هؤلاء الذين فقدوا وزنهم بسبب الجفاف حققوا نتائج أفضل من هؤلاء الذين ظل وزنهم على وضعه، ولم تحتاج مو فرح أي مياه للفوز بسباق 10,000 والفوز بالذهبية، وإذا لم يكن هؤلاء بحاجة للإصابة بالهوس بسبب نقص المياه، لماذا نحن كذالك؟