الجزائر- سميرة عوام
صارت المعلومة المهمة في الأسواق الفوضوية في الجزائر، ليست وصول سلعة جديدة من تركيا أو الصين، بل شن أعوان المراقبة حملة تطهير واسعة، للشوارع والساحات العمومية استعدادًا لموسم الاصطياف والذي يكون مفتوحا على السياحة الثقافية والدينية، بمصادرة السلع وتحطيم العربات، ومراقبة العمليات التجارية، في كل صباح يتبين لزبائن الجزائر العميقة أن هناك لعبة سين وجيم بين أصحاب المحلات التجارية و الباعة المتجولين، إذ يتداولون الأخبار من أجل أخذ قرار جماعي مفيدا لهم بعرض سلعهم أو تركها مخبأة بإحكام داخل أقبية العمارات و مستودعات تصليح السيارات.
وتبدأ حركية الناس تدب في الأسواق العمومية عند الساعة السادسة صباحا، ومعها يزداد الضغط، الذي يمارس على الباعة المتجولين، وعددهم بالجزائر تجاوز مليون تاجر فوضوي يفترشون شوارع العاصمة وصولا إلى الرحبة، يعرضون مختلف السلع، وببحة قوية يسرقون أنظار زبائنهم من خلال عرض ألبسة موسمية جديدة بألوان و أشكال مختلفة،فالكل هنا يتجه نحو حي قمبيطا الذي يفصل ساحة الثورة ببعض الأمتار، إذ تحول إلى قبلة للغرباء والزوار، فهذا الشارع التجاري الشهير الحركة شديد الازدحام والمعروضات من السلع المختلفة، يقصده باعة التجزئة بالكيفية نفسها التي يشتري بها المستهلك مستلزماته، فهي أشبه بسوق دبي في مختلف التفاصيل والتجزئات، لأن السلع المستقدمة من طرف الباعة يروجها نشطاء الطراباندو في الشرق وحتى العاصمة، وبحسب خالد كان مرافقنا خلال الجولة التي قادتنا إلى حي قمبيطا ورحبة الزرع، فإنهم يتعاملون مع وسيط له علاقة مع مختلف تجار الطرابندو من أجل أخذ السلع الجديدة والأدوات الكهرومنزلية والتجهيزات المختلفة وحتى المفرقعات وعبوات غاز لاكريموجان التي تستخدمها العائلات الجزائرية والموظفات كأسلحة دفاعية في ظل اتساع رقعة الاعتداءات الخطيرة بالسيوف والخناجر لسرقة الهواتف النقالة أوالمصوغات الذهبية، وحسب مرافقينا فإن نشطاء السوق الموازية وجدوا ضالتهم في تصدير متوجاتهم إلى ولايات العاصمة وعنابة وهران، وذلك لازدهار نشاط الحمالين الذين يغزون الشوارع المفتوحة على التجارة الفوضوية فهم يزاحمون بعربات الجر السيارات من خلال تحويل السلع في ساعات غير محددة من أيام الأسبوع بعيدا عن أعين أعوان التجارة ، نظرا لخفتهم و حركتهم السريعة عندما يكون الأمر مستعجلا لجلب سلعة جديدة مع إبقاء هويتهم مجهولة .
يتقن الباعة المتجولون جيدا لعبة السين والجيم مع أعوان المراقبة وقمع الغش والتحايل عليهم وتغليطهم، لأنهم يدخلون كزبائن ولا يقدمون أنفسهم ،لدرجة ضمان العمل في مواقع شتى، وعندما يكون كل شيء على ما يرام، يتم تمرير السلع المخزنة في المستودعات الخاصة بتخزين البطاطا والأسمنت، وترتيبها على الأرصفة لبداية نشاط جديد، وعن كيفية التعايش مع ضغط أعوان المراقبة، أكد لنا أمين وهو بائع متجول لمدة 12سنة أن لديه من يخبره بقدومهم ويتخذ احتياطاته الكاملة، وقطعنا محدثنا فجأة ليرد على هاتفه، وكان أخبره أحد النشطاء في السوق الموازية بوصول وحدة من الألبسة النسائية من الصين وعليه تحويلها إلى المخزن الرئيسي الموجود في قلب العاصمة وهو عبارة عن مرصد تجاري فوضوي لا تستطيع مصالح الأمن الوصول إليه .
غيرنا الوجهة نحو زاوية ضيقة في حي قمبيطا فوجدنا جمال 42سنة يرتب سلعته داخل كيس أسود ،وهو ينتظر أحد الحمالين لتحويل السلعة إلى شارع رحبة الزرع ،لأنه أكثر أمان في الوقت الراهن، وذلك بناء على معلومات أوردها له أحد الموظفين في وزارة التجاة، والذي أكد له أن هناك حملة لتطهير الأسواق الفوضوية تبدأ عند الساعة السابعة مساء، وعليه ممارسة نشاطه من دون خوف وقلق، وخلال سؤالنا كيف تثق في هذا الموظف ممكن هو كمين لمصادرة بضائعك، فرد قائلا إنهم متواطئون مع بعض الأشخاص بمصلحة التجارة يعملون لصالحهم مقابل مبلغ مالي ، ولهذا هم يعرفون أوقات وخرجات فرق التجارة .
وللأسواق الموازية والتي تمتد عبر شوارع العاصمة الضيقة وجهان، ظاهر وآخر علني يوحدهما قاسم مشترك هو الرغبة الجامحة في الربح السريع، والوسيلة لتحقيق ذلك ليست دائما نفسها، فقد انتشرت أصناف أخرى من التجارة ومن النشاطات لاسيما مع تزايد عدد المتعاملين معها، والذين وصل عددهم إلى 600تاجر، على الأقل من دون وثائق متورطين في ترويج أقراص معظمها خاص بالأفلام المدبلجة والتركية، لكن بعضها يحمل أفلام تشيد بالعمليات الإرهابية لاسيما في باكستان و مالي، وأخرى خليعة ومنها أقراص لمواد تربوية وأخرى مقلدة، وفي هذا الشأن تمكنت مصالح الشرطة القضائية خلال خرجاتها الميدانية الأخيرة و التي شملت هذه المناطق التجارية الفوضوية حجز 7آلاف قرص مضغوط مقلد و3آلاف قرص آخر خاص بإعداد أفلام جنس إباحية على أقراص مضغوطة كما تم حجز، أقراص لمواد تربوية، كما تم حجز آلاف الأقراص الأخرى بعد حملة ديوان حقوق المؤلف إلى جانب 900مليون من الدولارات الأميركية المزيفة التي كانت محل تداخل بسوق دبي في إطار نشاط شبكة مزورين جزائريين، وتم أيضا حجز أوراق نقدية من فئة 500دينار جزائري مزورة بالسوق الموازية بقمبيطا،إلى جانب حجز كميات معتبرة من الذهب المضروب والذي تروجه الدلالات مع نشطاء هذه السوق التي تتوفر على كل السلع القابلة للترويج، والتي فتحت مناصب شغل موسمية لكل هؤلاء الذين تركوا مزارعهم وأريافهم وفضلوا العمل كحمالة لترتيب السلع وحملها ومعالجة طلبات الزبائن، مقابل بعض الدنانير، حتى الأطفال الصغار يستغلهم نشطاء السوق لبيع الهواتف النقالة ومستلزمات الدراسة وحتى الخناجر والأسلحة البيضاء ، إضافة إلى المواد ذات الاستهلاك الواسع منها الأجبان والعجائن والطماطم المصبرة، وحتى مواد الزينة وجدت طريقها لهذا السوق حتى أنه تم جلب زبونات من مختلف الأعمار والمستويات أصبحن يترددن على هذه السوق لاقتناء حاجياتهن ،و كل ما يريدونه من عطور وألبسة داخلية.