غزة – محمد حبيب
يعيش قطاع غزّة الفلسطيني ظروفًا اقتصاديّة صعبة، انعكست سلبًا على القدرة الشرائيّة للمواطنين، الأمر الذي تجلي في ضعف الإقبال على المنتجات الرمضانيّة، فيما كان أصحاب المتاجر ينتظرون حلول الشهر بغيّة تعويض الركود، الذي عانى منه القطاع، عبر تسويق المواد الغذائيّة، وأصناف الشهر الكريم، وأشهرها التمور بأنواعها.
وبدت الحالة الشرائية ضعيفة جداً بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع، وارتفاع نسبة البطالة، فضلاً عن عدم صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، والذين يبلغ عددهم حوالي 50 ألف موظّف، للشهر الثاني على التوالي، فيما يتقاضون نصف راتب، منذ عشرة أشهر.
وأوضّح الموظّف الحكومي أبو محمد إبراهيم، وهو أب لأربعة أطفال، ولم يتلق راتبه منذ ثلاثة أشهر، أنّه "في الفترة التي سبقت الأزمة، كنت أستلم سلفة بـ1000 شيغل، حوالي 300 دولار أميريكي، وهذا المبلغ كان ينفد قبل منتصف الشهر، وأكمل النصف الثاني عبر الاستدانة من محل البقالة في منطقتي".
وأضاف "الديون أصبحت أمرًا معتادًا في حياتي اليومية، ودونها لن أستطيع أن أوفر الحاجيات الأساسية لأطفالي، على الرغم من علمي أنَّ سداد هذه الديون ليس له أفق، بسبب استمرار أزمة الرواتب، ورفض الحكومة الجديدة صرفها".
وأبدى البائع محمد شعث، صاحب بقالة في مدينة غزّة، شعوره بحزن عميق، وأسى كبير، لاستقبال شهر رمضان المبارك، إذ أنَّ كمية البضائع المتواجدة في بقالته قليلة جداً عن الأعوام السابقة، وإقبال الناس لا يذكر، على غير العادة.
وأشار شعث إلى أنَّ "حالة اليأس تنتاب المواطنين كافة في القطاع، نتيجة الأزمات التي تشتد بصورة يومية، من إغلاق للمعابر، واستمرار للحصار، وقطع للرواتب، فضلاً عن تصعيد الاحتلال الإسرائيلي الخطير".
وتابع "البضائع الموجدة في بقالته تتنوع بين الحلوى، والمربى، والأجبان، والتمور، والعصائر"، مؤكّداً أنَّ "الكمية الموجودة لديه قليلة جداً عن العام السابق، خشية من قلة الإقبال المتوقع".
وروى أبو شريف قصة أخرى مع الديون، حيث تعاقد منذ خمسة أشهر مع محل لبيع الخضار والفواكه، ومحل جزارة، بغية تزويده باللحم والدجاج بالدين.
وبيّن أنّه "اقترضت من البنك لأكمل بناء بيتي، مع بداية العام، ومعه بتُّ أقتصد في مصروفات الشهر، إلى أن تأزم الوضع المادي، عبر صرف مبلغ 1000 شيغل، عوضًا عن الرّاتب كاملاً، حينها كان الخيار إما أن أعيش حياة تقشّف شديد، لم أتعود عليها مطلقًا، وإما أن أمسك العصا من المنتصف، وأضطر إلى توفير الأساسيات من الغذاء بالدين طول الشهر، إلى حين استلام الراتب".
وأردف "إضافة إلى ذلك، كنت آخذ بعض الحاجيات من محل بقالة قرب بيتي، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة، وبعد تراكم الدين ثلاثة أشهر، بمبلغ يعادل السلفة التي تصرف لنا، حينها خرج صاحب البقالة عن صمته، وطالبني بإغلاق دفتر الدين، وسداد ما علي من ديون".
واستطرد "بعدها رفع هذا البائع يافطة في بقالته (الدين ممنوع والعتب مرفوع)، وأعرف أيضًا عددًا من أصحاب المحال قاموا بإلغاء نظام الدين، الذي كانت تتبعه، بعد تفاقم واستمرار أزمة صرف رواتب موظفي غزة لشهور طويلة".
من جانبه، أبدى التّاجر محمد صلاح (50 عاماً) زيادة في الإحباط والشكاوى، مؤكّدًا أنّه "في مثل هذه الأيام، كانت حركة السوق نشطة للغاية، وكانت تدرُّ مبالغًا جيدة على التجار والبائعين، لكن اليوم، وفي هذا العام، لا نرى حتى وجوه الزبائن، لذلك لم نجلب بضاعة كبيرة في محلاتنا"، مشيرًا إلى أنَّ "قلّة الرواتب، وتوالي الأزمات على أهالي قطاع غزة، لاسيما الاقتصادية، أضرّ بالقدرة الشرائيّة لدى المستهلك"، وموضحًا أنَّ "المواطن في قطاع غزة بات يشتري فقط الأساسيات، على صعيد احتياجاته، كالدواء والغذاء اللازم فقط، ولا يلتفت البتة إلى الاحتياجات الثانوية"، مبرزًا أنَّ "أعدداً كبيرة باتت تستغني عن الأساسيات".
ودعا صلاح الحكومة الفلسطينية إلى "ضرورة العمل على حل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، مثل مشكلة الرواتب، فضلاً عن مساندة التاجر الفلسطيني، الذي تكبد العديد من الويلات الاقتصادية"، متمنياً عليهم "رفع الضرائب التجارية لما يعود بالنفع على التاجر والمستهلك".
ويأتي هذا فيما أكّد الخبير الاقتصادي معين رجب أنَّ "عملية تأخير رواتب الموظفين تشل حياة المواطنين والأسواق"، داعياً السلطة الفلسطينية إلى "اتّخاذ إجراءات تدبيريّة، بغية الحيلولة دون تأخر الرواتب".
وأضاف "نحن نعيش في موسم استقبال شهر رمضان، وهو موسم سنوي منتظم، ويشهد إقبالاً متزايداً للمشترين من احتياجات العيد من ملابس وغيره، فمن الطبيعي أن يكون هناك إقبالًا كبيرًا على السوق، لذلك تشهد الأسواق انتعاشاً في بعض السلع، وليس في جميعها، لأن الأمر يخضع لأولوية الشراء، وفقاً للموسم والحاجة".
هذا، واعتصم مئات الموظفين في حكومة غزة السابقة أمام مكتب منظمة التحرير، للمطالبة بصرف رواتبهم، قبل حلول شهر رمضان المبارك، رافعين شعار "إن حقوق الموظفين في غزة غير قابلة للتفاوض أو المساومة"، داعين طرفي المصالحة، وحكومة التوافق الفلسطيني، إلى "تحمّل المسؤولية تجاه الموظفين، وصرف رواتبهم".
وطالب الموظّفون حكومة التوافق بالكشف عن الحقيقة، بشأن رواتبهم التي لم يتقاضوها منذ 8 أشهر.
وكان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" خليل الحية قد انتقد حكومة "الوفاق"، بسبب عدم صرفها الرواتب الشهرية لموظفي حكومة غزة السابقة، مؤكّدًا أنَّ "ما جرى إما أن يكون أزمة مفتعلة، أو أنّه يؤسّس لمرحلة صعبة"، معتبرًا أنَّ "الحكومة الجديدة أخطأت، ولم تحسن التصرف ولا التقدير تجاه موظفيها وشعبها، وتنكّرت لاتفاقات المصالحة، لاسيما اتفاق الشاطئ، الذي وُقّع في نيسان/أبريل الماضي".